لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ؛ألا وهي القلب ، وإنما يكون القلب صالحا إذا كان منورا بنور الله عز وجل ومكسوا بلباس التقوى والورع ،يمتلئ بآيات الله البينات فيسرج فيه شعلة من نور تزيده رونقا وبهاء فيزداد قربا من الله تعالى وتظهر عليه أمارات السكينة والطمأنينة ، خاصة في هذه الأيام التي نعيشها الآن وهي أيام رمضان ولياليه المباركة ، فلقد كرم هذا الشهر الكريم بإنزال القرآن فيه فليجعل المسلم لنفسه حظا ونصيبا ،فالإنسان في رمضان يصوم لله تعالى طمعا في رحمته ونجاة من شدائد يوم القيامة ؛ هذا اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالقلب هو وعاء الإيمان وقوام صلاح جسم الإنسان فكلما كان منيعا قويا كان صاحبه قويا، وكلما هزل وضعف صار صاحبه هزيلا ضعيفا، فإن أصول التربية السليمة وقواعدها الصحيحة تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها.
فلقد حرص الهدي النبوي على الوصية بالشباب فعلى الجميع أن يستوصوا بالشباب خيرا لكي يكونوا خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق، وليحرصوا على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف، ويعملوا على تطوير مجتمعه والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس لكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية بحيث يكون صادقا مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله، فإن لكل مجتمع عاداته وقيمه وثوابته الخاصة به التي تشكل الرؤية الثقافية التي يعتمد عليها ،فإما أن تنطلق به إلى القمة وتحلق به إلى الفضاء أو تهبط به إلى القاع، ولهذا كلما كانت القيم سامية والعادات فاضلة والأمثلة سليمة بعثت في الإنسان الوعي والإدراك والفكر والإبداع والاستقامة والهمة العالية، عندئذ يستطيع كل فرد أن يؤدي دوره المنوط إليه فيصلُحَ المجتمع ويصلح حال الناس، إن وسائل التقنية الإعلامية بمفهومها العام تعد من أهم الوسائل الأكثر تأثيرا في الفرد و المجتمع، مما يجعل لها الأهمية البالغة فيما تبثه وتنشره على أسماع الجميع، ويعد الإنترنت المقروء سلعة ثمينة في متجر الوسائل الإعلامية وشكلا متطورا من أشكال الإعلام، حيث يشكل قوالب للفكر والرأي والأخبار ،فقد ظهرت هذه القوالب مع النهضة الثقافية والعلمية لتصبح من أهم خطوط الصياغة الفكرية، ولا ينكر أحد أن لوسائل الاتصال دورا كبيرا في عالم اليوم تتفاوت شدته حسب المجتمعات ومدى انتشار الإعلام فيها، فليت المسلم يعي فوائدها فينهل منها ما ينفعه في دينه ودنياه ،ويحذر ما يكون سببا في وقوعه في المعصية وضياع الأوقات ويكون مالكا لزمام رغباته فلا تكون وسائل الاتصال وسيلة للبعد عن الله وفرائض الدين ، وإنما يسعى نحو الأصلح والأنفع.
ولكي يصل الشاب إلى مرتبة عالية من الطاعة والصلاح والتقوى والوعي والنضج ،لابد من استرواح نسمات الهداية المعطرة من كتاب الله، يفيء إلى ظلاله الوارفات كل يوم ،فيكون له لقاء قرآني دائم يقبل فيه على آياته البينات يتلوها بتمعن وتبصر وتأمل وتدبر، فتتسرب معانيه في مسارب عقله ومشاعره ويتشرب قلبه نورانيته الصافية، فيخلف الله عز وجل عليه في الدنيا بالحياة الطيبة التي يزداد بها بشرا وسعادة ويوم القيامة يقرأ ويرتقي حتى تكون منزلته عند آخر آية يقرأها ،فالقلب ما هو إلا وعاء الأعمال يحملها وينطبع بآثارها، فيكون صلاحه وفساده بحسب صلاح الأعمال وفسادها، وبتقلب سلوك العبد وأخلاقه تتقلب ظواهر القلب وحالاته بين السلامة والمرض والسعادة والشقاء وبحسب موافقة الأعمال لشرع الله جل وعلا وكثرتها وقلتها وإخلاصها تكون رقة القلب أو قسوته.