سحر محمد يسري
معاناة أم:
تميل ابنتي كثيرًا إلى ارتداء الملابس والأحذية الرجالية، وتقصّ شعرها تماما كالصبية ..والأغرب من ذلك كله أنها تطلب مني أن أناديها "حمادة"..!
فما هو تفسير تلك التصرفات؟ وهل من سبيل إلى علاجها؟
عزيزتي الأم..
تتسم مرحلة المراهقة بالتمرد والرغبة في الاستقلالية، ويأتي النزوع نحو التشبه بالجنس الآخر كأحد المظاهر التي يعبر بها المراهقون والمراهقات عن رغبتهم في التمرد على النوع.. ويتخذ هذا السلوك أشكالًا عديدة منها:
طريقة الكلام ونبرة الصوت.
طريقة الحركة أثناء المشي وتحريك اليدين أثناء الكلام.
طريقة ارتداء الملابس، وكذلك قصات الشعر.
اتجاهات اللعب وطريقة شغل وقت الفراغ.(د.أكرم رضا:مراهقة بلا أزمة،ج2،ص:79)
فلماذا تتمرد الفتاة على أنوثتها؟
إذا أرادت الفتاة الرقيقة الجميلة الهادئة أن تنتقل من هذه الطبيعة الناعمة الرقيقة إلى أن تصبح "حمادة" شكلًا وموضوعًا، فلابد أن هناك أسبابًا جعلتها تتجه نحو هذا السلوك الخاطئ، وهذه الأسباب إما أن تكون:
- اعتقادات خاطئة في عقل الفتاة، مثل:
- نقص الثقة بالنفس والشعور بالدونية تجاه الجنس الآخر، خاصة إذا كانت الفتاة تعيش في أجواء تفضل الذكور على الإناث وتمنحهم الامتيازات المختلفة في العطاء وطريقة التعامل.
- الفهم الخاطئ للحرية، حيث ترى الفتاة أن الولد يتمتع بحيز أكبر من الحرية في الخروج من المنزل وعدم المساءلة من الوالدين، وأن الضوابط التي تحكم تصرفاتها ما هي إلا قيود تقلص حريتها وتعوق انطلاقها.
وقد يكون الدافع لهذا السلوك مؤثرات بيئية، مثل:
- ضعف التربية الإيمانية، والتوجيه الديني للفتاة.
- تدليل الفتاة وتساهل الوالدين في مسألة ملابس الفتاة، وعدم تدريبها على ارتداء الحجاب مبكرًا.
- تأثر الفتاة بتيارات الموضة التي تقوم على التقليد الأعمى، وبين الحين والآخر تظهر موضات مريبة تستهدف القضاء على الفوارق الطبيعية بين الذكور والإناث، وتستدعي ذوبان الشخصية، بحيث لا يستطيع المرء أن يميز – أحيانًا – بين الرجل والمرأة.( الزهراء فاطمة بنت عبد الله:الموضة في التصور الإسلامي،ص:117)
فإذا لم تجد الفتاة توجيهًا مناسبًا، وتصحيحًا لتلك الأفكار؛ تأثرت بها وأثمرت ذلك السلوك الخاطئ، لذلك فإن الوقاية والعلاج إنما تبدأ من الأسرة ويتكفل بها الوالدان، من خلال:
- الحفاوة بالبنت وإظهار محبتها والاعتزاز بها:
وإذا رزق الله تعالى الوالدين بابنة؛ فحقٌ لهم أن يفرحوا ويحتفوا بها، لقوله صلى الله عليه وسلم (من يلي من هذه البنات شيئافأحسن إليهن كن له سترا من النار)وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاثة بنات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهنواتقى الله فيهن فله الجنة) .
- تربيتها الفتاة على الإيمان بالله وتعظيم أوامره ونواهيه:
إنّ غرس روح الإيمان في نفس الفتاة وتنشئتها على العفة والحياء والفضيلة، مع التذكير الدائم من الوالدين والمراقبة المستمرة لسلوك الفتاة وأفكارها، يمثل صمام الأمان الذي يقيها من الموجات الهدّامة والتيارات الفكرية الخاطئة. فإذا تربت الفتاة على الإيمان بالله تعالى، ومراقبته في السر والعلن، وتعظيم أوامره ونواهيه.. سلكت طريقا يرضى اللهورسوله في مظهرها ومخبرها، ولم تكن تلك القضايا محل جدل أو خلاف لديها. (يوسف رشاد:الأسلوب الأمثل في تربية الفتاة في الإسلام،ص:130)
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم: 6] قال قتادة: (يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله، ويأمرهم به، ويساعدهم عليه).
- إبراز حكمة الله في خلق الذكر والأنثى:
إنّ دور الوالدين وخصوصًا الأم أن تبين للفتاة حكمة الله تعالى وكمال قدرته في خلق الناس جميعًا من ذكر وأنثى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13]وليس في هذا الاختلاف ما يدعو إلى القلق، لأن الله تعالى جعل لكل منهما دورا في الحياة، يكمّل ويتمم دور الآخر، ومنح كل منهما الخِلقة التي تهيئه للقيام بذلك الدور. ولقوة الفوارق الكونية القدرية بين الذكر والأنثى، صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر، عن أبي هريرة قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) [صححه الألباني]، وسبب ذلك أن التشبه هو محاولة لتحطيم تلك الفوارق التي لا يمكن أنتتحطم أبدًا في أصل الخلقة التي أنشأها الله تعالى.(د.محمد اسماعيل المقدم:عودة الحجاب،ج2،ص:125- بتصرف)
قال تعالى {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]
- تربية الفتاة على الاعتزاز بأنوثتها:
إنَّ الأصل الذي يهدف إليه منهج التربية الإسلامية أن يعتزَّ كل من الجنسين بما أودعه الله تعالى فيه من الخصال الفطرية، فالمرأة (ذات الفطرة السوية تعتز بأنوثتها، كما يعتزُّ الرجل السوي برجولته سواء بسواء، فتستمتع بما أودعه الله تعالى في كينونتها، وألصقه بأنوثتها من العاطفة الجياشة، وشدة الحنان، والنظافة، والحياء، والاستكانة، والانصياع لقوامة الرجل السوي).(موقع الدكتور/عدنان حسن باحارث:مقالة السلوك الأنثوي للأنثى)
وعلى الوالدين تقع مسئولية إيقاظ الشعور بالذات في نفس الفتاة، وأن مصدر عزتها الحقيقية في كونها فتاة مسلمة، لأن الله تعالى بعدله لم يفرق بين ذكر وأنثى في الحساب الأخروي والجزاء على ما عملوا في الحياة الدنيا،قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
فلا ينبغي أن تكون سوى ما أراده الله لها، بل عليها أن تكون قدوة لمن حولها من الفتيات في التماس رضا الله جل وعلا في كل شئونها.(محمد شاكر الشريف:نحو تربية إسلامية راشدة،ص:122- بتصرف كبير)
- إبراز القدوات النسائية للفتاة وتعريفها بهنّ:
فمثلًا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنه مضرب المثل للفتاة، والتي مثلت رضي الله عنها- من خلال سلوكها معيارًا للسلوك الأنثوي الخالد في أجلِّ وأسمى مظاهره الطبيعية، وكان ذلك في القرن الأول الهجري، كان سلوكها مفعمًا بإيجابية الأنثى السوية، متناهيًا في الفضائل والبر والتقوى وحسن الخصال، ولم يخرجها هذا النجاح والتفوق عن طبيعة سلوك الأنثى، بل جعلهًا مثلًا أعلى لكل فتاة، ومصدرًا للاعتزاز والفخر، قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى:
(وكانت امرأة بيضاء جميلة، ومن ثم يقال لها الحميراء، ولم يتزوج النبي r بكرًا غيرها، ولا أحب امرأة حبها، ولا أعلم في أمة محمد r ، بل ولا في النساء مطلقًا امرأة أعلم منها)، فهل فوق ذلك مفخرة؟؟(الحافظ الذهبي:سير أعلام النبلاء،2/140)
- تربية الفتاة على استقلال الشخصية، ونبذ التقليد الأعمى:
وأن الفتاة المسلمة لا تستقي أفكارها ومعتقداتها وأخلاقها وسلوكها إلا من المصدر الرباني لا من غيره، وأن التقليد الأعمى ومتابعة الموضات دليل على الهزيمة النفسية وذوبان الشخصية في كيان من يقلده المرء. فلا يليق بالفتاة المسلمة أن تكون ذنبًا لأحد، بل هي منارة هدى لكل من يراها ويتعامل معها.(حنان الطوري: الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة،ج2،ص:134)
- التدريب مبكرًا على الحجاب الشرعي:
لأن ارتداء الفتاة لملابس الرجال يخلّ بشرط هام من شروط وضوابط الحجاب الشرعي الذي أمر الله تعالى المؤمنات أن يلتزمن به إذا خرجن من بيوتهن، وفريضة الحجاب تحتاج إلى مرحلة تدريب عملي تمامًا كفريضة الصلاة، تتقدم هذه المرحلة بلوغ الفتاة بعامين أو أكثر، فإن التعويد على الحجاب مبكرًا من أكبر عوامل قبول الفتاة له وتمسكها به إذا بلغت المحيض، ولو تأملنا في كثير من الأخطاء السلوكية التي تقع فيها الفتاة تجاه مظهرها سنجد أنها تأتي كنتيجة مباشرة لعدم تعويدها من قِبَل الوالدين وتدريبها على المظهر المنضبط الذي ستلتزم به عند بلوغها.
-متابعة الوالدين لصحبة الفتاة:
خاصة إذا لاحظت الأم أن الفتاة تقلد إحدى صديقاتها في طريقة الملبس أو الكلام أو السلوك بطريقة معوجة كمظهر التشبه بالذكور والتمرد على مظاهر الأنوثة- والتي نحن بصدد الكلام عنها، فالصاحب ساحب، وجماعة الرفاق من أشد المؤثرات في سلوك المراهقات سلبًا وإيجابًا، كما أن الرفقة الصالحة من شأنها أن تعين الفتاة – عبر التقليد والمحاكاة- على اكتساب الفضائل والسلوكيات الطيبة. قال صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)[صححه الألباني]
وأخيرًا عزيزتي الأم..
ردّدي على مسامع زهرتك..
اعتزي بأنوثتك، فأنتِ الابنة الحانية، والأخت الرشيدة، وعمّا قليل تصبحين الأم العظيمة ومربية الأجيال الرائدة، فالتحقي بركب العظيمات من نساء أمتنا، وعلى دربهن سيري، وأكملي بيديك غرس علامات الطريق لمن يأتي من بعدك إن شاء الله تعالى.
المراجع:
- نحو تربية إسلامية راشدة: محمد بن شاكر الشريف
- تربية البنات: يوسف رشاد
- مراهقة بلا أزمة: د.أكرم رضا
- الموضة في التصور الإسلامي: الزهراء فاطمة عبد الله
- الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة: حنان الطوري
- عودة الحجاب الجزء الثاني: د.محمد اسماعيل المقدم
- موقع الدكتور: عدنان حسن باحارث
مفكرة الإسلام