على المدى الزمني الطويل لعمر الأزمة السورية الحالية، لم يسلم أي قطاع من قطاعات الحياة من الضرر. وعلى الرغم من الدمار الذي طاولت يدُه كل المجالات، إلا أن الخاسر الأكبر الناتج عن استمرار أعمال العنف في سوريا، هم الأطفال السوريون الذين خسروا أهلهم ومنازلهم، بل وأيضاً مدارسهم، وبات مستقبلهم رهينة بيد آلة الحرب التي لا تتوقف.

تحتدم الحرب في سوريا، وتستعر نيران الصراعات برّاً وجوّاَ. فبات من الصعب تحديد أو التعرّف إلى أطراف النزاع التي تتكاثر وتتشعب يوميّاً، ويعظُم معها حجمُ الدمار والخراب. الكبار يأكلون الحصرم ويتصارعون والصغار يضرسون ويدفعون ثمن فاتورة الحرب في سوريا من مستقبلهم وتعليمهم.

يتشارك لبنان مع هؤلاء الصغار في دفع الفاتورة، فهو استقبل كلّ من نازح قصده هرباً من شبح الموت المخيّم على سوريا، وفتح أبواب مدارسه لاستقبال الطلاب السوريين الذين تهدّد تحصيلهم العلمي.

وكثُر الحديث في الساحة اللبنانية عن موضوع دمج الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية.

هذا الكلام يطرح وابلاً من الأسئلة عن كيفية عملية الدمج هذه؟ وهل من إمكانية لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة التي تتزايد يومياّ؟ وبالتالي ما انعكاسات هذه الأزمة على لبنان؟

مدارس رسمية في أزمة مستمرة!

تشير التقديرات الرسمية أن عدد النازحين قد ناهز المليون و800 ألف جلّهم من الأطفال. هذا العدد المرشح للإرتفاع يساهم في استفحال العشرات من المشاكل على مختلف الأصعدة. سيما وأن الدولة اللبنانية ضعيفة في مواردها وتجهيزاتها، فالجميع يُدرك أن المدارس الرسمية في لبنان بسيطة ومتواضعة جداً في مبانيها وإمكانياتها اللوجستية. ومن المعلوم أن دمج الطلاب السوريين في المدارس اللبنانية يتطلب بالدرجة الأولى مجموعة تدابير منها تحضيرات على صعيد الكادرات التعليمية وصعيد التجهيزات المادية. من هنا يمكن القول إن قرار دمج الطلاب السوريين في المدارس الرسمية، هو قرار غير منطقي وغير متكافئ لا مع إمكانيات المدرسة ولا مع منهج الطلاب الوافدين.

لعل القارئ يتراود إلى ذهنه سؤال عن دور المنظمات الدولية لمساعدة اللاجئين في هذا الموضوع. وهذا ما أثار فضول "البيان"، الأمر الذي حثّها على القيام بجولة على عدد من المدارس الرسمية والخاصة في منطقة عكار للوقوف عن كثب على وضع تعليم الطلاب السوريين.

 

بين اللغتين الإنكليزية والفرنسية.. يضيع المستقبل!

تعد ثانوية حلبا الرسمية من أهم ثانويات عكار نظراً لوجودها في مركز المحافظة، إضافة الى أن حلبا هي نقطة الوسط بين القرى والبلدات العكارية. وفي لقاء لـ"البيان" مع مدير ثانوية حلبا الرسمية الأستاذ مصعد موسى بيّن لنا أنه يستقبل في صفوفه حوالي 30 طالباً سورياً يتلقون تعليمهم حسب المنهاج اللبناني. لافتاً، "أن ثانوية حلبا هي الثانوية الرسمية الوحيدة في عكار التي تضم فرعين: إنكليزي وفرنسي". من هذا المنطلق أكد الأستاذ مصعد أنه "ما من مشاكل تعليمية يعاني منها الطلاب السوريون في المدرسة".

وفي لقاء مع الأستاذ خالد الزعبي، مدير لأربع مدارس خاصة في عكار من بينها مجمع عمر بن الخطاب قال لـ"البيان" أنه: "يستقبل على مقاعده الدراسية عدداً من الطلاب السوريين في الحلقتين الأولى والثانية. ففي الحلقة الأولى ما من مشاكل تعترض المسيرة التعليمية للطلاب باعتبار أنها حلقة تأسيسية. في حين أن طلاب الحلقة الثانية يعانون بعض المشاكل في اللغة الفرنسية، حيث أن تأسيسهم التعليمي في سوريا كان باللغة الإنكليزية". وبالتالي أكّد الأستاذ خالد بأن: "المدرسة تبذل جهداً إضافياً لتقوية الطلاب، وتقدّم لهم الدّعم المطلوب لضمان مساواتهم تعليمياً مع زملائهم من الطلاب اللبنانيين". رافضاً ممارسة أي نوع من أنواع التمييز العنصري في مدارسه ضد الطلاب السوريين.

وفي سياق الجولة على المدارس الخاصة، مررنا على إحدى المدارس الخاصة التي تقع في سهل عكار، الغريب في المشهد أن مبنى المدرسة متهالك وتجهيزاتها بسيطة جداً، يصعب للناظر معرفة أنه يمر بجانب مدرسة. والأغرب أن المدير أصابته حالة من القلق والتلبّك حين عرف بأننا قد أتينا بمهمة صحفية للإطلاع على وضع التعليم للطلاب السوريين في المدرسة. وحين سؤاله عن مستوى الطلاب في اللغة الفرنسية، قال لنا "أنه سيستدعي معلمة اللغة لتجيبنا عن سؤالنا". غاب لبعض الوقت، ثمّ أتى قائلاً: "إننا لا نملك المعلومات الكافية الآن لأن طلابنا السوريين إلتحقوا في صفوف مدرستنا منذ ثلاثة أسابيع فقط". وهنا يُطرح سؤالان كبيران: كيف يلتحق طالب في نصف العام الدراسي لا بل وهو موعد الإمتحانات النصفية؟! وألا تكفي ثلاثة أسابيع لتحديد مستوى الطالب في اللغة الفرنسية؟!

لم يجب المدير على هذين السؤالين، وطلب منّا الحضور بعد عدّة أشهر لأخذ المعلومات المطلوبة!

 

تنسيق ضعيف بين وزارة التربية ومنظمة الأمم المتحدة

في حديثه لـ"البيان" عن أوضاع الطلاب السوريين في لبنان والأزمة التي يعيشها الطالب اللاجئ، أشار مدير مكتب شؤون اللاجئين السوريين في لبنان خالد مصطفى الى أن "عدد الطلاب السوريين الموجودين في لبنان كبير جداً، وبالتالي فإن عدد المدارس الرسمية اللبنانية لا تستوعب جميع الطلاب". وأضاف: "أن وزارة التربية في لبنان تقوم بتعليم المنهج الفرنسي، والطلاب الآتين من سوريا لا يجيدون هذه اللغة. وأكد خالد مصطفى على أنه: "بالرغم من تعاقد الأمم المتحدة مع 70 مدرسة إضافية لإستيعاب الطلاب غير المسجّلين حالياً، إلا أن هذا الأمر لا يلبي حاجة اللاجئين، وقد تكون المشكلة الأساسية في لبنان هي عدم وجود تنسيق شامل".

كما لفت صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" الى ان اللاجئين السوريين في لبنان يعتمدون بشكل متزايد على عمل الأطفال لتأمين ما يحتاجونه من الطعام والمأوى، وهذا الأمر يؤدي بدوره الى إلحاق الضرر بالأطفال نفسياً وجسدياً، وإبعادهم عن الحياة العلمية.

 

عصا المدير... للتوجيه!!

وأثناء جولتنا في أحد مخيمات منيارة العكارية، قالت السيدة طيبة حسين أنه لم يسمح لإبنها باسل حسين البالغ من العمر الخمس سنوات من الدخول إلى مدرسة تكميلية حلبا الرسمية وذلك لعدم حيازتها الأوراق الرسمية التي حددتها وزارة التربية كشروط للتسجيل. وهي تشكو من أنها قلقة على مستقبل إبنها وتخاف من ضياعه بعيداً عن المدرسة.

تحفّظ جار السيدة طيبة عن إسمه، لكنه قال لنا: "أنه إمتنع عن إرسال ولده إلى إحدى المدارس المجاورة المجهّزة لتعليم السوريين. وذلك بسبب تعرض إبنهم الدائم للضرب المبرح من قبل الأساتذة". تقاطعه السيدة ر. حسين إحدى قاطنات المخيم، قائلةً: "يتركون الأولاد يأتون مشياً إلى المنزل، والطريق محفوفة بالمخاطر. مع العلم أنه حسب شروط التسجيل في هذه المدرسة يتوجب عليهم إيصالهم بالباص المخصّص لنقل الطلاب. كما أنهم يضربون الأطفال بشكل عنيف. ولم تجدِ زيارتنا للإدارة نفعاً".

قصدت "البيان" المدرسة، وعلمنا أنها أُنشئت من قبل إحدى الجمعيات الدولية التي تعمل في مجال إغاثة اللاجئين السوريين في لبنان. وتتألف هيئتها التعليمية من مدير سوري الجنسية ومدرسين سوريين ولبنانيين. زيارتنا كانت بلا موعد مسبق، فاجأتنا طريق المدرسة الوعرة، إضافة إلى أنها عبارة عن ألواح خشبية تعلوها ألواح "توتية". قد يخطر للناظر أنها تصلح لأمور كثيرة لكن ليس لمدرسة! السؤال الذي يراود الكثيرين هو: أهذا هو نتاج الأموال الطائلة التي تخصص من المجتمع الدولي لإغاثة اللاجئين السوريين!.

لحظة وصولنا كان مدير المدرسة يتجول في باحة المدرسة الرملية، ويحمل في قبضته عصا! حين سألناه عنها، قال: "إنها فقط للتوجيه!". وأضاف: "المدرسة تخلو من العنف ولا يسمح حتى بالألفاظ النابية بين الطلاب. ندرّس اللغة الفرنسية ونراعي مستوى الطالب في هذا المجال، ونبدأ معه من الصفر حتى يستطيع التماشي مع المنهج اللبناني".

 

الملف التعليمي بحاجة لحلول سريعة

لعل كل ما سبق لا يصور الأزمة كما هي في الواقع، فأمام هذه المأساة المستفحلة، فإن حرمان المزيد من الأطفال من حقهم في التعليم لا يعرقل نموهم الفكري فحسب، بل إنه يقلل أيضاً من الفرص المتاحة لهم في المستقبل، ويقضي على آمالهم، لذلك يجب التركيز بشكل أساسي على جلب الأطفال السوريين الى المدارس، والعمل على تقديم كافة احتياجاتهم، ولعل التعليم ذا الجودة العالية هو الوسيلة الوحيدة لكي يندمج هؤلاء الأطفال بشكل جيد مع واقعهم الجديد، ولكي يحصلوا على فرصة حقيقية للمستقبل، وذلك بفتح نظام تعليمي جديد للطلاب النازحين الذين لم يتجاوزوا الامتحان، وقيام المدارس بإجراء امتحان دخول للنازحين الجدد لمعرفة مستواهم التعليمي وقدرتهم على استيعاب المنهج، وفي حال لم يكن هناك قدرة استيعابية فيجب وضع أسماءهم على لوائح من أجل فتح لهم نظام تعليمي جديد.

 

JoomShaper