علي الرشيد

قرأت قبل أيام قليلة تقريرا عن قيام مجموعة من طالبات إحدى مدارس قطر الإعدادية الثانوية بزيارة للسودان لافتتاح مدرسة بالعاصمة الخرطوم، تمّ إعادة بنائها بتمويل منهن، بعد أن تهدّمت بسبب السيول والأمطار الغزيرة، وذلك بالتعاون مع مؤسسة إنسانية محلية.
الجميل في هذا الموضوع أن تمويل إعادة بناء المدرسة تمّ كثمرة لمشاركة هؤلاء الطالبات في النسخة الرابعة الحملة الوطنية لتعزيز القيم «سنافي وهبة ريح» التي تنظّمها إحدى الجمعيات الخيرية، ضمن برامجها داخل دولة قطر سنويا بالتعاون مع المدارس، وتمّ التمويل في إطار التنافس في أحد مجالات الحملة وهو «الإبداع الاجتماعي».
وأعتقد أن هذا العمل مهم في إطار التنشئة على التطوع، وغرس قيم العمل الإنساني منذ نعومة الأظفار لاعتبارات متعددة:
ـ أن الحملة القيمية حاولت تغطية العمل الخيري من أهم زواياه والمساهمة في دورته الكاملة، ونقصد هنا التنافس في تسويق المشروع ومن ثم إكمال تمويله، ثم متابعته وتدشينه ميدانيا.


أيّ أنّ الحملة لم تكتف بتشجيع الطالبات والطلاب ممن شاركوا فيها على الإسهام بجمع التبرعات بطريقة إبداعية فحسب، بل حددت لهم سلفا أن تبرعاتهم ستدعم بعض المشاريع التعليمية التي تحتاج إلى بناء أو صيانة في عدة دول كالسودان، نيجيريا، بنغلادش والمغرب، وكان من بينها «مدرسة رابعة العدوية» بالسودان التي تم إعادة بنائها فعليا (حملة تنموية متكاملة). رؤية الميدان عن قرب ومقاربته، تنطوي على معانٍ تربوية عميقة، ففيها ترجمة عملية للقيم الإنسانية النظرية بأبهى تجلياتها كمساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وخدمة الناس..إلخ، التي تلامس هموم الفئات ذات الحاجة، وترقّق القلوب، وتعرّف بمقدار النعم مقارنة بمن حرموا منها، والتعرف على المكابدة الخاصة بممارسة هذا العمل والممزوجة بلذّة خاصة، خصوصا في أوقات النكبات والكوارث أو لحظات البرد والثلوج، وكما قيل «ليس راء كمن سمع».
ـ رؤية ثمرة العمل الخيري، وأعتقد أن هذه الرؤية تترك ارتياحا عند كل من يباشر العمل الإنساني سواء كان متبرعا أو منفِّذا أو متطوعا.. وتنطوي على سعادة غامرة خاصة عندما يشاهدون فرحة المستفيدين من المشروع، والآثار التي يحدثها والفرق في حياة المنتفعين به.
قبل يومين حدّثني أحد المشاركين في فريق طبي أجرى عمليات للاجئين السوريين عن غبطته بعد أن كان يشاهد الابتسامة على وجوه المرضى المصابين عقب تخلصهم من معاناة وآلام مرض ظل يلازمهم لأشهر أو سنوات، إثر خروجهم من غرفة العمليات. التأكيد على دور الشراكات في العمل الإنساني، وهي بين المؤسسات الخيرية والمؤسسات التربوية والتعليمية تحمل دلالات خاصة، لأنها على تماسّ بقطاع حيوي للعمل التطوعي ألا وهو الناشئة والشباب، باعتبارهم الأكثر فراغا من غيرهم، والأكثر نشاطا وتحملا وعطاء، وقدرة على التعاطي مع المستجدات كالتقنيات الاتصالية على سبيل المثال لا الحصر. مازال التطوع بشكل عام ولدى الشباب بشكل خاص محدودا في عالمنا العربي، لذا فإن على المؤسسات الإنسانية والتربوية والرياضية والشبابية واجبا مهما في التوعية بأهمية ذلك من خلال الحملات، ودمج الشباب في مشاريع عملية على غرار «سنافي وهبة ريح». إبراز هذه التجربة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بطريقة مميزة ومشوقة سيشجع شرائح جديدة في المدارس للمساهمة في النسخ القادمة للحملة الوطنية لتعزيز القيم وغيرها من الحملات المشابهة، وهو مكسب للمنظمات الخيرية والتربوية بآن واحد. والمجال يتسع لإطلاق المزيد من الأفكار الإبداعية التي توسّع من دائرة دمج الناشئة والشباب في العمل الإنساني.

 

JoomShaper