يحدث أن تتفاجأ بأن ذلك الرضيع الذي كان يحبو ذات يوم وكنت تدللـه وتحمله على كتفيك قد أصبح بمثل طولك أو أزيد! ويحدث أن تتفاجأ بأنه بدأ يعتمد على نفسه ويهتم بشكله، يُخفي الكثير من الأسرار ويتصرف كرجل حقيقي..
المراهقة.. تلك المرحلة المخيفة بالنسبة للآباء في العادة، التي تتميز بكثرة الصراعات والتخبط في العلاقة بسبب التيار الذي لا يمر غالباً بين الآباء والطفل المراهق، إنها مرحلة مشحونة بالاضطراب بسبب التغييرات الفيزيولوجية والنفسية التي يمرّ بها المراهق من جهة وقلق الآباء من جهة أخرى فأغلب الآباء يخشون من حدوث أي خطأ أو مشكلة خلال تلك الفترة الحساسة؛ لأنها الجسر الذي سينقل الطفل إلى عالم الرجولة الحقيقية حيث سيكون مسؤولاً.
لماذا يجب أن تكون هذه المرحلة مُقلقة؟ كيف تمر تلك المراهقة بسلام على الطرفين؟ وكيف يعْبُر الآباء بطفلهم من هذه المرحلة إلى المرحلة المقبلة دون تعقيد؟، كيف تكون فترة المراهقة فترة مميزة وسعيدة قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة؟

ثقّف نفسك
يجب أن تفهم هذه المرحلة جيداً، التطورات التي تمر بها النفس البشرية إضافة إلى التطورات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية والأمنية ستجعل فترة المراهقة التي يمر بها طفلك تختلف اختلافاً جذرياً عن مرحلة المراهقة التي عشت. لذلك لا تحاول أن تقارن نفسك به.
ثقف نفسك حول كل ما يخص المراهقة، اطّلع على جديد الكتب والدراسات والأبحاث في هذا الموضوع، والأهم من ذلك اطلع على الطريقة التي يفكر بها أبناء الألفية، وما الذي يشغلهم، وما هو نمط الحياة الذي يعيشونه. لا تحبس نفسك في القرن العشرين فنحن للتو احتفلنا بدخول العام السادس عشر من القرن الواحد والعشرين!
المزيد من الحنان
لا شيء سيبدد تلك التقلبات العاطفية التي يعيشها الطفل المراهق وذلك الإحباط والكآبة سوى أن نغدق عليه من الحنان والعطف والرعاية ما يكفيه، لا عيب أن تخبر طفلك المراهق أنك تحبه وتهتم لأمره؛ فعادة يصعب على المراهقين التعبير عن التعقيدات اللغوية التي يمرون بها، حديثك معه بهدوء سيشجعه على أن يفضي لك بمكنونات صدره.
امنحه الفرصة ليعبر عن نفسه. استمع إلى ما يقوله واصغ إلى مشاكله باهتمام ولا تستخف بأدنى تفصيل قد يشكل عنده أي فرق، أخبره أنك تهتم لمشاعره، امنحه بعضاً من وقتك، ضع انشغالاتك وعملك جانباً واجلس معه أو شاهد معه البرامج أو المباريات التي يحب أن يشاهدها ولا تنسى أن تتحلى باللين والهدوء إذا صدر منه أي تصرف سيء. عالج الأمر بحكمة بعيداً عن التصعيد.
المسموح وغير المسموح
القوانين هي التي تضبط حياة الإنسان، ووجودها يسهل الحياة على عكس الاعتقاد السائد بأنه يُعقّدها، لا ضير أن نضع قوانين واضحة لطفلنا في البيت، ونوضح الحدود التي لا ينبغي أن يتجاوزها، وأن نخبره أن المبادئ في البيت ليست محل نقاش أو جدل (لا للتأخر خارج البيت، لا للسهر حتى ساعات متأخرة أمام التلفزيون أو ألعاب الفيديو، لا تهمل واجباتك المدرسية، لا تتحدث بعدم احترام مع الآخرين، لا تجالس رفاق السوء...)، وغيرها من الأمور التي قد تضر بالمراهق أو قد تنحرف به بعيداً عن التربية السليمة.
تذكر أن القوانين التي نضعها في البيت ليست قرآناً مُنزّلاً، من الممكن أن نسمح بكسرها وتجاوزها أحياناً عند الضرورة وحسب الموقف (إذا كان يحب كرة القدم فلا تحرمه أن يسهر لساعات متأخرة لكي يشاهد المباراة النهائية في كأس العالم!).
امنحه بعض الحرية
من المهم ألّا يشعر المراهق بأنه محاصر أو داخل سجن، امنحه بعض الاستقلالية، رتب له -إن أمكن ذلك- غرفة مستقلّة بجميع أثاثها لا يزاحمه فيها أحد، تلك المساحة من الاستقلالية ستخلق جواً من المرونة داخل البيت وستشعره بالارتياح فكل الضغوط والمراقبة الشديدة والتضييق ستدفعه بعيداً عن البيت مُفضّلاً قضاء وقته في الخارج مما يعرضه لخطر الاختلاط بالغرباء أو اكتساب قيم غير مسموح بها، تذكر أن تمنحه الحرية ضمن حدود.
ادعمه
إذا كان طفلك المراهق يحب أي نشاط أو يتقن أي مهارة فادعمه وخذ بيده كي يتميز ويتفوق فيها، إذا كان يحب كرة القدم أو أي نوع من الرياضات فشجعه على ممارسة هواياته أو سجله في أحد النوادي واحضر بعض تدريباته وأهم مبارياته، شارك معه في النشاطات التي يقوم بها أو النشاطات التطوعية، قم بتكليفه ببعض الأعمال غير الشاقة التي تناسب سنه وجنسه، كأن تطلب منه مرافقتك للتسوق، واسأله عن رأيه في الأشياء التي ترغب بشرائها واطلب منه أن يختار معك. اجعله يشعر بأنه مسؤول وبأنك تثق به وباختياراته.
المراهقة السعيدة أمر ممكن؟ أجل، إنها كذلك ولكي تكون سعيدة لا تنس أن تقترب من طفلك المراهق خطوة.. بل اقترب خطوتين.
----
* المصدر: بصائر تربوية.

JoomShaper