اتسعت شبكة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لتشمل جميع الأعمار والفئات، فقد بات لكبار السن دور في التواصل والتواجد بشكل يومي وفعال على صفحاتهم الشخصية، الأمر الذي جعل بعض الأبناء يلجأون إلى إبعاد ذويهم من حساباتهم الشخصية للتخلص من مراقبتهم، ونتج عن ذلك اتساع الهوة ما بين الأقارب، والتي كانت علاقاتهم العائلية طيبة وجيدة، ولكن بعد إضافة صداقتهم وتدخلاتهم في شؤون غيرهم ساءت العلاقة فيما بينهم، وارتفعت حدة الخلافات التي ربما تتحول إلى حد الخصام طويل المدى.
وقد وجد المركز الرقمي للإحصائيات "هالفيكس" أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و35 سنة قد يغلقون حساباتهم الشخصية على "فيسبوك" بمجرد إضافة أحد من أفراد عائلتهم لهم، بينما وصلت نسبة الذين يفضلون مسح ذويهم إلى 33 بالمئة.
وأشارت دراسة حديثة إلى أن أغلب العائلات تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للتجسس على أولادها عن طريق حساباتهم الشخصية، بينما تبين أن هناك من ينضم إلى فيسبوك بغية التجسس فقط، وكشفت أن انشغال الأبناء الدائم بالهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، دفعت العديد من أولياء الأمور لدخول هذه المواقع وإضافة الأبناء إلى قائمة الأصدقاء ومشاركتهم على صفحاتهم الخاصة، لمعرفة كل تحرّكاتهم، وما هي الأشياء التي تجذبهم في هذا العالم الذي لا يعرفون عنه شيئا، وهذا الأمر لم يلق استحسان معظم الأبناء واعتبروه تجسسا وتدخلا في حياتهم الشخصية ومراقبة لتحركاتهم وتقييدا لخصوصيتهم في عالمهم الافتراضي الخاص.
حول ذلك يقول حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس في مصر "غالبية الآباء والأقارب عندما يقررون مراقبة أبنائهم على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إضافتهم في "قائمة الأصدقاء" يقعون فريسة لعلم ودراية أبنائهم بأدوات التواصل الإيجابي أكثر منهم، بحيث أن بعضهم قادر على استخدام وسائل التكنولوجيا أكثر من ذويهم، ويستطيع إنشاء أكثر من حساب يحمل أسماء مستعارة للتخلص من مراقبة الأهل والشعور بالحرية الشخصية".
وجود الأهالي على المواقع الشخصية يكون سببا في حدوث العديد من المشاكل بينهم، نتيجة الفهم الخاطئ للمنشورات أو عدم درايتهم الكافية بتلك المواقع
وأشار الخولي إلى أنه يجب على الأهالي زيادة نسب الثقة فيما بينهم حتى لا يتجهوا إلى هذا الأسلوب، عندما يشعرون بأن هناك تجسسا وتدخلا كبيرا وأنهم موضوعون تحت المجهر دون مبرر، مؤكدا أن ظاهرة حذف الأبناء لأهلهم وذويهم من مواقع التواصل الاجتماعي لكي لا يطلعوا على خصوصياتهم ومراقبتهم، من أكثر الحجج والأعذار التي يتبعها بعضهم للحفاظ على بعض أسرارهم التي يفضلون الاحتفاظ بها.
ولفت الخولي إلى أن الأبناء لا يعلمون أن استخدام هذه المواقع الاجتماعية دون وجود رقيب عليهم، من شأنه أن يسبب لهم العديد من المشاكل كالاكتئاب والعدوانية نتيجة استخدام هذه المساحات للنيل من غيرهم، أو الاستهزاء بهم ببعض الألفاظ، أو نشر صورهم المدرسية أو العائلية الخاصة.
كما نبه الخولي إلى أن هناك بعض الآباء الذين يطلبون من أبنائهم الأرقام السرية الخاصة بحساباتهم كنوع من ضبط السلوك ومعرفة طريقة تواصلهم مع الآخرين من باب الخوف عليهم من هذا العالم المنفتح، مشيرا إلى أن هذه التصرفات انعكست بشكل سلبي على علاقة الأبناء بالآباء وبذويهم، فلم يعد الابن يشعر بالأمان النفسي داخل الأسرة، الأمر الذي يمنعه من إظهار حقيقة علاقاته وتفاعله أمام ذويه.
ونصح الخولي الأسرة بإعطاء الثقة لأبنائها واحترام خصوصيتهم الشخصية، لكي يطمئنوا في نشرهم من دون تحفظ مع بعض التوجيهات الأسرية التي من شأنها أن تعكر صفو العلاقات الأسرية.
وعن أسباب لجوء الشباب لحذف ذويهم من حساباتهم على شبكات التواصل، أوضح مجدي ناصر، استشاري العلاقات الاجتماعية، أن الكثير من الأبناء يلجأون إلى خاصية "البلوك" أو الحذف ضد ذويهم للتمتع بالحرية الشخصية والتخلص من شبح المراقبة الذي يستمر من بداية اليوم حتى نهايته، كما ينظر البعض إلى أن هناك حسدا يصيبهم وغيرة من تلك المراقبة من خلال نشر صورهم على صفحاتهم الشخصية.
وأضاف أن الأبناء يلجأون إلى مثل هذه الخاصية خوفا من اعتراض الأهل على ما يقومون بنشره، مؤكدا أن فكرة الرقيب هي التي تجعلهم يحذفون أفراد الأسرة من الأخ والأخت والأب والأم والأقارب، وهم لا يعلمون أنهم خير عون لهم يحميهم من الوقوع في المشاكل.
وقال ناصر موضحا "بالفعل قد يكون وجود الأهالي على المواقع الشخصية سببا في حدوث العديد من المشاكل بينهم، نتيجة الفهم الخاطئ للمنشورات أو عدم درايتهم الكافية بتلك المواقع، لكن هذا لا يمنع أن الابتعاد عنهم وحذفهم من شأنه أن يصنع فجوة بين أفراد العائلة، مما قد يتسبب في حدوث مشاكل أسرية من الصعب إصلاحها".