فريق العمل
على مدار السنوات الأخيرة انتشرت على العديد من منصات التواصل الاجتماعي صور مراهقين يتعمدون إيذاء النفس، ويلحقون بأجسادهم إصابات! هذا السلوك الذي ظهر في الوطن العربي خلال العامين الماضيين، ويشارك فيه المراهق أصدقاءه على «فيسبوك» بصورة لمعصمه وقد أحدث به جروحًا لمجرد أنه حزين، ويتبعها بالتعليق الأشهر «cutting-now».
يتعاطف معه القليل ويتهمه الكثير بالسعي وراء الاهتمام والشهرة، و«لحس الأحذية» لزيادة عدد المتابعين، فلماذا قد يجرح أحدهم يديه ويعرض علينا صورتها بدلًا عن مشاركة صورة له على الشاطئ؟
إيذاء النفس: صرخة استغاثة قبل الاستسلام
يؤذي حوالي واحد من كل 10 مراهقين نفسه، وفق آخر تحديث لبيانات الكلية الملكية البريطانية للأطباء النفسيين عام 2020، وربما تتضاعف النسبة على أرض الواقع؛ لأنها تعتمد في الغالب على من يذهبون إلى المستشفى بعد إيذاء أنفسهم، والكثير منهم لا يفعل ذلك خشية من الأهل أو الوصم بالمرض العقلي.
وفي هذا الصدد أشارت دراسة واسعة النطاق للمؤسسة الوطنية لبحوث الانتحار بجامعة كورك الأيرلندية أن 80% من المراهقين في أقسام الطوارئ يصلون وقد تناولوا جرعات زائدة، وجرح حوالي 15% منهم أجسامهم، لكن تبقى هناك احتمالية شيوع جرح الجسم باعتبارها طريقة لإيذاء النفس، أكثر من تناول السم والجرعات الزائدة للأدوية بسبب القدرة على إخفاء الجروح عن الأسرة.
عرفت جمعية علم النفس الأمريكية جرح الجسم أو الـ«كاتينج» بأنه محاولة متعمدة لإيذاء النفس بين المراهقين، دون أهداف انتحارية؛ ما يجعل منه فعلًا واعيًا، ينحصر في إحداث جروح بشفرات الحلاقة، أو السكاكين، أو الأدوات الحادة الأخرى، دون المساس بالأوعية الدموية، ومشاركة تلك الصور على حساباتهم مرارًا وتكرارًا!
الأمر الذي يصنفه تقرير الكلية الملكية لأطباء النفس على أنه صرخة استغاثة، وطريقة للتعبير عن الألم والضيق والحزن الذي يشعر به هؤلاء المراهقون، واحتياجهم الشديد لتعاطف الآخر، في خطوة قد تسبق اليأس والانتحار.
ما بين الإناث والذكور.. من الأكثر عرضة لخطر إيذاء النفس؟
تعد بريطانيا الدولة الأوروبية الأولى من ناحية عدد حالات إيذاء النفس، بنسبة ترشحها لصدارة القائمة عالميًا، فقد أظهر تقرير للباحثين بقسم علم النفس والصحة العقلية بجامعة مانشستر ارتفاع حاد في حوادث إيذاء النفس بين الفتيات المراهقات، وأشارت النتائج المستندة إلى بيانات من أطباء المستشفيات في جميع أنحاء بريطانيا، إلى أن إيذاء النفس بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و16 عامًا قد ارتفع بنسبة 68٪ في السنوات الثلاث الماضية، دون أن يشمل ذلك الحالات التي لا تذهب للمستشفى.
وجد الباحثون أيضًا أن إيذاء النفس كان أكثر شيوعًا ثلاث مرات بين الإناث عن الذكور، وأن أولئك الذين يؤذون أنفسهم هم أكثر عرضة لمحاولة الانتحار بنحو تسع مرات أكثر من غيرهم، كلما استمروا في الإيذاء ولم يخضعوا للعلاج النفسي بعد المرة الأولى.
تتضارب البيانات إذا حاولنا رصد الظاهرة في عالمنا العربي، ففي شهر مارس (آذار) 2021، نشرت «المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة-NCBI» دراسة اعتمدت في جمع بياناتها على أرشيف مستشفى راشد بإمارة دبي، وشملت عينة البحث الفئة العمرية بين 12: 19 عامًا، يحمل أغلبهم الجنسية الإماراتية، والبقية من دول عربية وشرق أوسطية.
ناقشت الدراسة عددًا من القيود تعرقل عملية استخلاص بيانات مؤكدة من أقسام العلاج النفسي والعقلي بالمستشفيات العامة في الوطن العربي، بداية من وصمة المرض العقلي والنفسي، وسعي المرضى للعلاج على يد رجال الدين والمشعوذين، أو السفر للعلاج بالخارج خشية من فضح الأمر، والسعي إلى أقسام الطب النفسي بالمستشفيات كملاذ أخير فقط.
شخص الأطباء بقسم الطوارئ 42% من المرضى تحت سن 19 عامًا باضطرابات اكتئابية، و30% بالوسواس القهري والتوتر، وأبلغ 40% منهم عن جرح وحرق أجسادهم، وحاول 64.3% الانتحار مرة على الأقل.
اختلف الدافع الأكبر وراء إيذاء النفس بين المراهقين العرب، فكانت الضغوط الأسرية هي الأسوأ لدى الإناث، أما خسارة الأصدقاء أو وفاتهم كانت الدافع الأكبر عند الذكور، ثم الفشل الأكاديمي والأفكار الدينية لدى الجنسين بنفس القدر.
لفتت الدراسة الانتباه لارتفاع معدل إيذاء النفس بنسبة 95% بين الإناث بعد شجار عائلي، في الوقت الذي تقل فيه نسبة الإناث المترددات على أقسام الطب النفسي والعقلي بالمستشفيات مقابل الذكور، واقترحت الدراسة أن المرضى ربما استخدموا إيذاء النفس باعتباره إستراتيجية للتعامل مؤقتًا مع المرض العقلي وإلهاء العقل عن آلام الجسد، لكنه على جانب آخر، ولّد وصمة العار المرتبطة بإيذاء النفس حاجزًا منعهم من طلب المساعدة بعد ذلك.
لكن.. كيف تكتشف ذلك فيمن حولك؟
ربما من العلامات السابقة للأذى النفسي، والتي يمكن للوالدين الالتفات لها هي الإفصاح عن الألم والتعبير عن الحزن، فإذا شعرت بأن ابنك أو صديقك يسعى لحكي مشكلات عاطفية لا تبتعد عنه، وإذا كنت تشك في إيذائه لنفسه يمكنك اتباع تلك العلامات:
1- يمكنك ملاحظة علامات الأذى والإصابات على شكل جروح أو حروق على جلد المراهق، أو عدة علامات متشابهة، أو إصابة لم يكن لها تفسيرًا واضحًا منه عند سؤاله بهدوء.
2- سيكون انبهاره بقصص الأذى النفسي واضحًا؛ سواء باهتمام مفاجيء بأقران يشاركون صورهم يجرحون أنفسهم، أو فيديوهات عبر الإنترنت، أو القراءة والمتابعة، ثم الحديث بشغف عن أذى النفس.
3- الرغبة في إخفاء الجسم على غير العادة، وعدم كشف أجزاء معينة داخل المنزل بارتداء قمصان بأكمام طويلة في الأيام الحارة، أو لف ضمادات على الرسغين باستمرار.
4- سيزيد توتر الفتى أو الفتاة وستظهر أعراض اكتئابية عليه، وسيفقد السيطرة على انفعالاته ومشاعره، ويسيء التصرف في المواقف اليومية البسيطة.
5- سيميل المراهق للعزلة كرد فعل على شعوره بالرفض من أصدقائه أو عائلته، وسيبتعد عنهم لوقت أطول مما كان معتادًا عليه من قبل.
وتنصح مؤسسة «كليفلاند كلينك (Cleveland Clinic)» الوالدين عند اكتشاف ذلك بعدم اللجوء إلى تأديب وعقاب الابن، أو لفظه من دائرة الأصدقاء المقربين، بل بضرورة إظهار بعض التعاطف والحب والمساعدة للتعبير عن آلامه ومخاوفه وشكوكه، والتأكيد على فهم مدى شعوره بالحزن واليأس، مع الإشارة لطرق أخرى أفضل للتعامل مع المشاكل والمشاعر الصعبة، كخطوة أولى للتقرب منه، لا تغني عن وجوب الخطوة التالية، وهي البحث عن أخصائي صحة نفسية لديه خبرة في معالجة المراهقين.