دار هذا الحديث بين إسلام وأحمد في الهاتف:
إسلام: ماذا سنفعل، هل سنذهب غدًا لزيارة عبد الحميد?
أحمد: لقد أخذت قرارًا بعدم الذهاب غدًا.
إسلام: ألم تقل البارحة لي أننا سنذهب إليه!
أحمد: نعم، ولكني عدلت عن رأيي، وقررت ألا أذهب إليه.
إسلام: ما السبب؟
أحمد: لا يوجد سبب، ليس لي مزاج أن أذهب إليه، وقد قررت ولن أتراجع.
بين التردد والحسم:
كثيرة هي الأحاديث بين المراهقين التي تكون على شاكلة حوار إسلام وأحمد، فالمراهق يريد أن يكون لها شخصية استقلالية، وقد يؤدي ذلك أحيانًا إلى أنه يأخذ قرارًا دون أن يقدر عواقب قراره، فتراه يصمم على رأيه بكل ما أوتي من قوة، وقد لا يملك الأسباب المنطقية التي دفعته لاتخاذ قراره كما رأينا في حديث إسلام وأحمد.
فالشاب في مرحلة المراهقة يميل إلى الاعتداد برأيه، والإصرار عليه بكل ما أوتي من قوة (فهو يعيش في صراع، هذا الصراع ناتج عن اعتداد المراهق بذاته، ومحاولته التحرر من التبعية الطفلية وبين الخضوع لأوامر الأبوين والمدرسة والكبار عمومًا، فأغلب الآباء ينظرون المراهق على أساس أنه هو ابنهم الذي تعود على طاعتهم... والمراهق يرى أن له الحق في أن يشعر بحريته الكاملة يخرج متى شاء ويرجع متى أراد) [المراهقة خصائصها ومشكلاتها، وجيه إبراهيم محمود، ص(55)].
اتخاذ القرار والمعادلة الصعبة:
وعلى ضوء هذا فإن ما نريد أن نوصله إلى شبابنا، هو أن اتخاذ القرار ليس انفعالات داخل النفس الإنسانية ثم إخراج هذه الانفعالات في صورة أفعال، ولكن اتخاذ القرار يحتاج إلى عقل واعٍ وفكر طويل قبل التكلم وأخذ فعل معين، ولذلك فإن هناك أمورًا يجب مراعتها إذا أردت أيها الشاب أخذ أي قرار:
أولًا: ما خاب من استشار:
ليس عيبًا على الشاب أن يستشير الكبار عندما يتردد في بعض الأمور، فإدارة الأمور بحكمة والتروي والتفكير الطويل أمر يمتلكه الإنسان بالممارسة بشكل تدريجي، ومن هنا يتميز كبار السن وأصحاب التجربة بالحنكة وصواب الرأي ودقة الاختيار أكثر من غيرهم.
يقول الله تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
((وشاورهم في الأمر) أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
ومنها: أن في الاستشارة تنوير للفكر، وزيادة للعقول والاستفادة من وجهة النظر الأخرى، وإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-: ( وشاورهم في الأمر ) فكيف بغيره؟!) [تفسير السعدي، (1/154)، بتصرف واختصار].
ثانيًا: التوكل على الله:
فعندما يعزم الإنسان على أمر من الأمور، فهو يعقب ذلك بتوكل على مولاه حتى ييسر له كل عسير فكما قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
(فإذا عزمت) أي: على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة (فتوكل على الله) أي: اعتمد على حول الله وقوته، متبرئًا من حولك وقوتك، (إن الله يحب المتوكلين) عليه، اللاجئين إليه) [تفسير السعدي، (1/154)].
ومن هنا يعين الله تبارك وتعالى هذا الشاب المتوكل عليه، على تحقيق أهدافه وإنفاذ قراره وبلوغ مرامه.
ثالثًا: العقلية المتفتحة المرنة:
أيها الشباب، كي نأخذ قرارًا صائبًا ولابد وأن نكون بعيدين عن الجمود والاعتداد بالرأي، فإن الذي لا يفكر إلا من طريق واحد ولا ينظر إلا من منظار واحد تتعسر عليه أموره وتنغلق الأبواب أمامه، لماذا؟ لأنه يرى العالم من حوله بعدسة واحدة ونظرة شخصانية.
وأفضل طريقة نحو الوصول إلى العقل المتفتح المرن هو:
ـ أن تكتب في ورقة المشكلة التي تريد أن تحلها وتأخذ قرار فيها.
ـ قم بعزل عواطفك تجاه هذا الموضوع.
ـ اكتب بعد ذلك تحت المشكلة القرارات التي يمكن أن تحل هذه المشكلة.
ـ بجانب كل قرار اكتب إيجابياته وسلبياته.
ـ اختار القرار الذي سيحقق إيجابيات كثيرة وتكون سلبياته قليلة .
ـ استشر بعد ذلك أحدًا من الكبار ممن تثق في رأيهم سواء كان والدك أو معلمك.
دور الآباء والمربين:
وهنا يأتي الدور الخطير الهام للآباء والمربين، حيث تقع عليهم مسئولية كبيرة تجاه تربية أبنائهم على اتخاذ القرارات، وإذا ما تأملنا في بعض طرق التربية في الزمن الماضي نلحظ بوضوح نهجًا في غاية الخطورة، ذلك النهج الذي يتمثل في التركيز كان على القمع وضبط النفس (وهذا أفرز نتائج سيئة على المستوى الاجتماعي، حيث صار الناس الأطهر نفوسًا، والأكثر صلاحًا وزهدًا يعيشون على هامش المجتمع، لا مال ولا نفوذ ولا منصب، وهذا حرم الأمة من عطاءاتهم العظيمة، كما مهَّد الطريق لتكون القوة بمعناها الشامل بيد من لم ينل داخله التزكية سوى القليل) [عصرنا والعيش في زمانه الصعب، د. عبد الكريم بكار، ص(173)، نقلًا عن اللمسة الإنسانية، د. محمد محمد بدري، ص(610)].
ولاشك أن تربية الشباب بمثل هذه الصورة تغرس فيه عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في حياته، وتجعله في تردد مستمر لا يقدر أن يأخذ أي قرار في حياته كلها، (ونحن اليوم لم نستطع أن نستعيد التوازن في هذه القضية، فنعلم الأبناء كيف يحصنون أنفسهم، كما نعلمهم كيف يؤثرون في الحياة العامة، ويقودون سفينة أمتهم إلى بر الأمان) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(610)].
وهنا نحن نقدم هذه اللمسات للمربين كي يقوموا بدورهم في هذا الجانب حق القيام:
ـ قف عن المساعدة:
ما معنى هذا؟ معناه أنك تتوقف عن مساعدة ابنك عندما يقع في بعض المشاكل، ولعلك تتساءل ما الذي سيفيد في ذلك؟ أقول لك (إن هذا يجعله يرى أن أفعاله يمكن أن يكون لها عواقب، فمثلًا إذا أخذ قرارًا بعدم الذهاب إلى الكلية، وبعد ذلك واجه مشكلة في مذاكرة محاضراته فدعه يرى عواقب قراره أمامه، فتحكم في نفسك ولا تتدخل رغم أن المسألة صعبة للغاية أن تترك ابنك يفسد الأمور أمامك)، [تنشئة المراهقين، لين هاجنز-كوبر، ص(43)، بتصرف]، ثم تأتي إليه بعد ذلك لتوضح له أميه التفكير المتأمل البعيد عن الهوى القريب من العقل قبل اتخاذ قرار متسرع، يحمل معه من النتائج ما لا يحمد عقباها.
ـ علمه بعض الفنون:
إن دورك أيها الوالد الحبيب يحتم عليك أن تعلم ولدك المراهق بعض الفنون؛ تلك الفنون التي تمثل له الأدوات التي تعينه على اتخاذ القرار الصحيح في أموره وشئونه، فمنها خطوات اتخاذ القرار وحل أي مشكلة، والتي من بينها (تنظيم نفسه، أعطه مخططًا يوميًا أو أجندة لتدوين بعض الملاحظات، شجعه على تطوير إجراءات تنظيمية معينة حتى تصبح عادة راسخة لديه) [تنشئة المراهقين، لين هاجنز-كوبر، ص(43)].
ـ بالمسئولية تنجح معه:
فالذي يساعد ابنك على اتخاذ القرار السليم وإزالة حالة التردد التي يعيشها المراهق هو أن تربيه من صغره على الاستقلالية، وأن تشعره بأن رأيه مهم لديك، ولاشك أن دور الأم في هذا الأمر هام، لأن الأم كثيرًا ما يراودها القلق على أولادها، فلربما تصرفت بعض التصرفات تكون فيها سيطرة زائدة على الأبناء، فتفقدهم الثقة بأنفسهم، فهذه ("إلا" أرادت دائمًا أن تكون هي القائدة ولم تسمح لزوجها ستانلي باتخاذ القرارات وكان ستانلي شخصًا ضعيفًا ومترددًا؛ لأنه نشأ تحت جناح أم شديدة التحكم والسيطرة، فرضي بسلطة زوجته، وضرب لأبنائه مثلًا سيئًا، وبكل أسف فإن "إلا" عاملت أولادها بالطريقة نفسها التي عاملت بها ستانلي فكانت تملي عليهم ماذا يرتدون وماذا يأكلون ومن يقابلون.
كان الأولاد وهم الآن في عمر المراهقة يشعرون بأن آراءهم لا قيمة لها، من خلال اتخاذ كل القرارات، حرمت " إلا" أولادها من الثقة بالذات والاستقلالية والتحفيز الذاتي، سيكونون على الدوام محرومين من مهارات التفكير والتخطيط واتخاذ القرارات وكل ما يلزم للنجاح في الحياة) [الأسرار السبعة للتربية المثالية، شيلي هيرولد، ص(201)].
أنت يوسف هذه الأحلام!
إن اتخاذ القرار أيها الشاب المقدام، أمر يجب أن تجيده، فالأمة لا تنهض على سواعد بعض المترددين في أهدافهم وغاياتهم، فأنت يوسف أحلام الأمة الذي يستطيع أن يترجمها إلى واقع عملي من خلال اتخاذ قرارات صحيحة صائبة في حياته تصل به إلى أمنياته وأهدافه، تلك الأمنيات والأهداف الموصولة برضا الله جل في علاه ونفع أمته الغالية.
المصادر:
· الأسرار السبعة للتربية المثالية، شيلي هيرولد.
· تنشئة المراهقين، لين هاجنز-كوبر.
· اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري.
· المراهقة خصائصها ومشكلاتها، وجيه إبراهيم محمود.
· عصرنا والعيش في زمانه الصعب، د. عبد الكريم بكار.
· تفسير السعدي.
مفكرة الإسلام