تغريد السعايدة
حادثة تلو الأخرى، سببها ألعاب الفيديو الإلكترونية المنتشرة بين يدي الأطفال والمراهقين من مختلف الأعمار، حيث يكون خطرها على من هم دون سن البلوغ وتصرفاتهم "اللامنطقية" تحت تأثير تلك الألعاب.
آخر تلك الحوادث ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي حول اليافع في منطقة سحاب، إذ غادر منزله متوجها إلى بيت صديقه في الجفر بعد أن تعرف عليه عن طريق لعبة "الببجي"، بيد أنه وبعد وصوله إلى هناك، ووفق تصريحات قريبه للإعلام، فإنه شعر بالخوف من فكرة العودة للبيت، خاصة بعد أن شاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي إعلان فقدانه من قِبل عائلته.
تمكنت الأجهزة الأمنية من تحديد موقعه من خلال هاتفه، وتم العثور عليه وهو بصحة جيدة ولم يتعرض لأي أذى جسدي، إلا أن ما طاله وأهله من أذى نفسي واضح قد يترك أثرا على علاقته بأسرته ومحيطه، كما يبين الأخصائيين النفسيين في ذات المجال.
ووفق تقرير نشرته "الغد" لـ "تقرير ديجتال بورتال للعام 2023"، فقد تبين أن استخدام الهواتف الذكية في العالم في ارتفاع كبير، وتوسع فيما يسمي بـ "السلوكيات الرقمية عالميا"، وبين التقرير أن عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن فيها وصل إلى 9 ملايين، أي ما يمثل 88 % من السكان.
وما يمكن ملاحظته في كل بيت هو قدرة الأطفال على استخدام تلك الهواتف بتطبيقاتها المختلفة، وممارسة الألعاب لساعات طويلة. وهنا، يحذر اختصاصي الصحة النفسية والعلاج النفسي الدكتور أحمد عيد الشخانبة وبشكل كبير من الآثار النفسية التي قد تعود على سلوك الطفل أو اليافع من الألعاب الإلكترونية، خصوصا ممن لم يتجاوز عمرهم الثمانية عشر عاماً.
ويبين الشخانبة أن قدرة الطفل على التمييز بين العالم الخيالي والعالم الواقعي تكون ضعيفة في فترة معينة من عمره، وبالتالي، هؤلاء الأطفال قد يكونون بالفعل فريسة سهلة للوقوع تحت تأثير تلك الألعاب التي تستحوذ على عقلهم، وبخاصة ممن لا يوجد لديهم محددات وضوابط في الوقت والكم الذي يجلسون فيه للعب عبر الهواتف الذكية، وبعيدا عن الأهل.
العالم الخيالي قد يكون مليئا بالمفاجآت التي تستحوذ على اهتمام الطفل أو اليافع بحيث يرى فيها بحثا عن كنز مدفون أو مغامرة قد يرى إنها فقط في العالم الافتراضي، كما يبين الشخانبة، وهو ما قد يدفعهم بعد فترة من الوقت والانغماس في هذه التفاصيل إلى أن يطبقوها على واقعهم الحقيقي، والخروج للبحث عن مغامرين ومغامرات جديدة، كما حدث مع القضية الأخيرة لطفل "سحاب".
ومن ناحية أخرى؛ الخطورة التي قد تؤثر على المسار التربوي والأخلاقي للأطفال في حالة ارتكبوا مثل تلك الأفعال، وتتمثل بالخروج دون علم الأهل أو ممارسة الألعاب الخطيرة ذهنياً وجسدياً. لذلك يؤكد الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة أن التطورات التي حدثت في المجالات التقنية والرقمية أدت إلى تطور مذهل في مجال الألعاب الإلكترونية وشهدت انتشارا واسعا ولكل مكان في العالم.
هذا الأمر انعكس على الاستخدام الواسع للأطفال، وفق النوايسة، من دون رقيب أو حسيب، وقد عملت بعض الشركات التي طورت هذه الألعاب على ربط الاستخدام والفوز بها بحوافز مالية مجزية مما شكل دافعاً قوياً من قبل الصغار والكبار، ومنها اللعبة المعروفة بالببجي، والتي يتجاوز عدد اللاعبين فيها الملايين.
وينوه النوايسة إلى أن الاستخدام غير المفرط لهذه الألعاب قد يكون مفيدا في جوانب تنمية المهارات والقدرات والتركيز والتحفيز وتنمية المهارات العقلية والجسدية، ولكن الاستخدام المفرط لهذه الألعاب يترك أثراً سلبيا كبيراً على سلوك الأطفال في جوانب العزلة والإدمان والتأثير على السلامة والصحة النفسية.
وأثبتت الدراسات النفسية أن الاكتئاب الذي تسببه الألعاب يؤدي أيضا لاضطراب الرهاب الاجتماعي وعدم الثقة ومخاوف من مواجهة أي حدث اجتماعي، عدا عن ضعف الثقة بالنفس. وعادة ما تؤثر السيطرة النفسية والذهنية لهذه الألعاب على الأطفال إلى توجييهم حسب الأسس النفسية التي بنيت عليها ومنها التواصل المكاني والزماني على غرار ما حدث مع الطفل الذي غادر من سحاب الى الجفر نتيجة متطلبات هذه اللعبة.
وتتفق العشرات من الدراسات النفسية السلولكية حول تأثير هذا الأمر على الأطفال، والتي يمكن حصرها بـ "إصابة الأطفال بالتوحد نتيجة العزلة واضطرابات نفسية وشخصية وانفعالية، كما يمكن أن تقود إلى الادمان، والابتعاد عن المشاركة والتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، بالإضافة إلى تحول بعض السلوكيات إلى عدوانية وتحريض على العنف، التشتت وانعدام التركيز، والأرق الذي يزداد يوماً بعد يوم".
وتتكرر الأحداث السلبية المرتبطة بهذه اللعبة ومتطلبات تنفيذها بشكل يؤذي حياة الأطفال، كل ذلك يتطلب رقابة صارمة من الأهل على نوعية الألعاب والزمن الذي يقضيه الأبناء عليها ولا بد من توعيتهم بالمخاطر الناتجة عن الاستخدام المفرط لها، وعلى الجهات المختصة فرض رقابة صارمة على محتوى هذه الألعاب وحجب ما يؤدي للضرر النفسي والاجتماعي على الأطفال.
ويعتقد الشخانبة أن التأثيرات النفسية لها عواقب وخيمة على الطفل والأسرة والمجتمع فيما بعد، وقد تخرج على هيئة مشاكل صحية "جسدية ونفسية" من اكتئاب وخوف وقلق وترقب، وردود أفعال غير منطقية أحياناً، لذلك يتفق مع النوايسة في ضرورة أن تقوم الجهات المسؤولة في الدولة على وضع رقابة شديدة وصارمة على الألعاب التي يتم تداولها في الهواتف الذكية، وخاصة المثيرة للجدل منها وأن تخضع للرقابة حينما تتعلق بالأطفال.
ولا يستثني الشخانبة الدور الكبير للأهل في هذا الشأن، الدائرة الأقرب للطفل في مجال استخدام الهواتف الذكية والألعاب وكل ما يتابعونه، كما لا يخلي في ذات الوقت المسؤولية الأخلاقية للشركات المنتجة لتلك الألعاب، كأن يتم التحذير بشأنها في حال استخدمها طفل أو ممن هم دون الثامنة عشرة، بأنها قد تؤثر على سلوكهم.