قلة من يمكنهم القول إننا لم نغضب يوما من شخص ما حد الشعور، وكأننا لا نملك القدرة على تخطي الألم الذي سببه لنا.
قال عالم النفس روبرت إنرايت، الرائد في مجال علم التسامح وأستاذ علم النفس التربوي في جامعة ويسكونسن ماديسون، إذا كانت الحادثة المعنية تسبب لك الضيق المستمر وتؤثر سلبا على حياتك، فهذا هو المكان الذي قد تلعب فيه كلمة التسامح دورا، بحسب ما نشر موقع "سي إن إن عربية".
وسأل إنرايت: "ما طرق التعافي التي اعتمدتها"، وإذا حاولت أكثر من مرة من دون النجاح في تخطي الأسى، أود أن أقترح عليك تجربة إمكانية التسامح.
وقال إنرايت: "لكن هذا الأمر يبقى دوما خيار المسامح". وأوضح إنرايت، الذي يدرس التسامح منذ نحو أربعة عقود، وأحد مؤسسي المعهد الدولي للتسامح غير الربحي، إن كثيرا من الأدلة تظهر أن لهذه المقاربة فوائد نفسية، تشمل الحد من الغضب والقلق والاكتئاب. وللتسامح أيضا تأثير إيجابي على صحتنا، ضمنا انخفاض ضغط الدم، وتحسين النوم، وانخفاض مستويات الالتهاب الناجم عن التوتر، وتقوية جهاز المناعة.
إنرايت الذي عمل مع حكومات أجنبية، وعلى مواضيع الناجين من الاغتصاب، ومرضى السرطان المصابين بأمراض خطيرة، والأفراد المسجونين، والأطفال في المناطق المتضررة من الحرب، قال إن الأمر لا يتعلق بالتسامح والنسيان بل بالتسامح والتذكر. وقال: "تذكروا بطرق جديدة، من دون ضغينة، ومن دون غضب".
وبطبيعة الحال "قول ذلك أسهل من فعله. ولمساعدة الناس على تنمية التسامح بوعي، قام إنرايت، مؤلف الكتب غزير الإنتاج، بتطوير نموذج آلية للتسامح عبر اتباع خطوات لتحقيق ذلك". وقال: "في نهاية هذه (العملية)، أنت من تشفى". وأشار إينرايت إلى أن "التسامح يتحسن كلما مارسته أكثر. وإذا مارست التسامح في المواقف اليومية لعائلتك وجيرانك ومجتمعك، فإنك تتحسن".
ولفت إلى أنه عندما تمارس التسامح بأساليب بسيطة، فإنك في الواقع تبني إعجابا به، وألفة معه. وعندما تواجه أمور الحياة الصعبة، تكون أكثر استعدادا لأنك تعرف المسار، وتحبه. وقال "إن المسار والغفران جزء من حياتك". وفيما يلي أهم نصائح إينرايت:
تقييم الوقت المناسب للتسامح
كيف تعرف متى يحين وقت المسامحة؟ قد يكون ذلك مخالفا لما تفكر فيه. وأوضح إنرايت أنه "إذا كان غضبك شديدا وطويل الأمد، وحاولت كل شيء لتخطيه، فقد تفكر في مسامحة من عاملوك بشكل غير عادل. وقد تترتب على ذلك آثار سلبية علينا مثل الغضب الشديد، والحزن، والارتباك. في بعض الأحيان يمكن أن يستمر الغضب الشديد لأشهر عدة وحتى سنوات عديدة".
ولفت إلى أنه من الطبيعي ألا نتمكن من القفز إلى المغفرة فورا، موضحا "أن المغفرة تحدث عندما تهدأ قلوبنا إلى حد ما، بعدما حصلنا على فرصة للغضب. وبالنسبة لأولئك المستعدين، بعضهم سيكون كذلك، والكثيرون لن يفعلوا ذلك، يجب اختيار طريق المغفرة بحرية، ويمكن أن يكون تعافيا عميقا".
فهم ماهية الغفران
أوضح إنرايت أن التسامح لا يعني تبرير الخطأ، بل التصالح مع الشخص الآخر، أو التخلي عن السعي لتحقيق العدالة. وأوضح "أن المغفرة قوامها التعامل برأفة مع أولئك الذين تصرفوا بشكل غير عادل معك".
يتم الأمر من خلال ثلاث خطوات؛ الأولى عبر تنمية أنماط تفكير جديدة بمرور الوقت بشأن الشخص الذي ألحق بك الأذى.
الثانية، تتمثل بتنمية مشاعر سلبية أقل ومشاعر أكثر إيجابية تجاه الشخص مع الوقت، وهو ما أشار إليه إنرايت بأنه "لا يمكن أن تتكون إراديا".
أما الثالثة فتتم من خلال الانخراط بسلوكيات أقل سلبية وأكثر إيجابية تجاه الشخص. يتضمن ذلك "عدم إلحاق الأذى" بالآخر، وربما حتى استخدام كلمة جيدة خلال التحدث عن الشخص المعني أمام الآخرين.
التسامح يحتاج إلى الوقت
لدى بعض الناس القدرة على المسامحة بسرعة، وحتى بشكل عفوي، لكن بالنسبة لمعظمهم، رأى إنرايت "أن الطريق إلى التسامح يشبه المسار الذي تقطعه كل يوم، ويمكن أن تستغرق هذه العملية وقتا".
وللبدء في هذا المسار، اقترح "دراسة آثار ظلم الشخص عليك، والالتزام بالبدء في مسامحته، توسيع نطاق فهمك له ضمنا معاناته وقيمته المتأصلة، وإيجاد معنى جديد لمعاناتك".