منى أبو حمور
جحود ونكران ومشاعر سلبية يشعر بها عبد الله خالد (16 عاما) تجاه والديه، الأمر الذي أثار استياءهما وأوجد فجوة كبيرة بينهما، خصوصا مع عدم فهم هذا التغير الذي طرأ بوقت قصير.
غياب الرضا عن جهود والديه ورفضه لملاحظاتهما بشأن دراسته وحياته اليومية والممنوع والمسموح ومقارناته الدائمة بحياة أصدقائه، كلها أمور فاقمت من الفجوة، ليصبح كل ما يسمعه منهما ثقيلا على مسامعه، فيجد نفسه يلجأ إلى الغرباء كملاذ.
بعيدا عن والديه، يشارك عبد الله همومه ومشاكله الدراسية والشخصية لأصدقائه، وفي الوقت نفسه يواجه والديه بعبارات قاسية مثل "شو عاملين الي إنتوا" و"لا تحملوني جميلة بالمصروف والدراسة"، "أنا مش عايش نص اللي أصحابي عايشينه"!.
تصف والدة عبدالله هذه الحالة بأنها نكران لجهود والديه، حيث لا يقدر الوقت والطاقة اللذين يبذلانهما لضمان حياة كريمة وتعليم لائق له، مما يثير قلقها ويزيد تفاقم هذه الحالة مع الوقت.
يتشارك خالد مع والدة عبد الله بالمعاناة ذاتها، حيث يتعامل ابنه البالغ من العمر 17 عاما معه ومع والدته بحساسية عالية، يعتقد أنه يستحق معاملة خاصة عن باقي إخوته، ويتحدث دائماً عما يفتقده ويملكه أصدقاؤه، بعيدا عن الرضا والقناعة لما لديه. وبالإضافة إلى ذلك، يستمر في رفض التدخل في حياته والحديث عن الدراسة.
ويقول خالد "في كل مرة يخطئ بها يرفض أن يتحمل مسؤولية أفعاله، وغالبا ما يلوم الآخرين على أخطائه".
تحت عنوان "لماذا ابني المراهق جاحد جدا؟"، نشر موقع "بارنتنغ فور برين" نصائح للتعامل مع هذا النوع من المراهقين، ومنها: عدم طلب الامتنان؛ فهو عاطفة يجب الشعور بها من أجل التعبير عنها بشكل حقيقي. وإذا كنت تريد أن يكون ابنك المراهق ممتنا، فلا يمكنك المطالبة بالامتنان، إلا إذا كنت تريده أن يقول "شكرا" بلا شعور.
وأشارت الدراسة أيضا إلى تجنب إلقاء اللوم على ابنك المراهق. وبدلا من ذلك، اطرح أسئلة تحضه على التفكير، وساعده على فهم ماهية المشكلة، واشرح بلطف لماذا من الجيد تقدير ما لديه.
إلى ذلك، يطور الأطفال التنظيم الذاتي عندما يكون آباؤهم مستجيبين ودافئين. ويعد التدريب على المشاعر من جانب الآباء، أيضا، وسيلة فعالة لتعليم تنظيم المشاعر. ومن المهم توجيه الشكر إلى الابن على جهوده، فهو أفضل طريقة لتعليمه الامتنان.
من جهته، يشير اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن المراهقة هي مرحلة البناء والاستقلالية في الشخصية والذات والإحساس بالوجود، وتختلف فيها تركيبة الجسم وطريقة التفكير.
والمراهقة، بحسب مطارنة، حالة مختلفة يختبر فيها مشاعر مختلفة، وتكمن المشكلة في عدم وعي الأهل لهذه المرحلة، فيبدأ النكران والجحود حيث يبدأ المراهق بمرحلة الفطام الاجتماعي مع الأم والأب.
المراهق في هذه المرحلة يلجأ لاستكشاف الأمور الغريبة واختبارها؛ كالتدخين والعلاقات العاطفية، ويصبح أكثر ميلا للأصدقاء ويرفض الأوامر والتعليمات وتتولد لديه ردات فعل عكسية، وفق مطارنة.
في هذه المرحلة، يبتعد عن والديه ويصبح أكثر ميلا للأشخاص الغرباء، ولكن عدم فهم الأهالي لطريقة التعامل مع أبنائهم المراهقين والخصائص النمائية يزيد الأمر سوءا، فهم يجهلون كيفية التعامل والأسس السليمة في العلاقة.
ويقول مطارنة "الأصل أن يتقبل الأهالي المراهق وأفكاره ومفاهيمه، وأن يحاولوا التقرب منه من خلال أصدقائه والحوار معهم، وعليهم إظهار الحب والاهتمام وإعطاؤه مهام ومسؤوليات، عندها يبدأ التجاوب مع الأهل".
طبيعة العلاقة بين المراهق وأسرته أحيانا تقوم على العناد والنكران تجاه كل ما يقدم لهم، وقد يبتكرون أفكارا جديدة للعناد في ظل العولمة والعالم المفتوح، حيث يلتقط الابن أفكارا وتصرفات جديدة، فيكون الأب في مكان وهو في مكان ثان، وكل منهما يفكر بطريقة مختلفة.
لذا، على الأسرة أن تتفهم وضع المراهق وتتقرب منه وتحاول تقبل أفكاره وشخصيته الجديدة وتحفيزه وتعزيز شخصيته والتقرب من عالمه الخاص ومن أصدقائه حتى لا يقع في المشاكل، مع ضرورة المتابعة بشكل دائم ومناقشته بالحوار والإقناع.
وتتميز فترة المراهقة، بحسب مطارنة، بتغيرات هرمونية وإدراكية وعاطفية كبيرة يمكن أن تؤثر في نظرة المراهق إلى الحياة والتفاعل مع الآخرين. ويعد تأثير الأقران أيضا عاملا مهما، إذ غالبا ما يعطي المراهقون الأولوية لآراء أقرانهم.
وتبقى تربية المراهق مهمة مليئة بالتحديات والتقلبات، لكون هذه المرحلة العمرية تعد فترة حرجة من التطور تتسم بالسعي إلى الاستقلال وبناء الهوية.
وغالبا ما يشعر الآباء بخيبة أمل عندما يلاحظون أن ابنهم المراهق "ناكر للجميل" لا يدرك معنى الامتنان وأثره في الحياة.
لذا، فإن التعامل مع المراهق أمر يتطلب الصبر والتفاهم والرحمة.