عدنان بن سلمان الدريويش

الشخصية النرجسية هي الشخصية التي تشعر بالعظمة والكِبر، وهي دائمًا تتمحور حول ذاتها ونفسها، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"؛ رواه مسلم.

والنرجسية من القضايا التي يمكن علاجها والتعامل معها، خاصة إذا تم اكتشاف علاماتها مبكرًا عند الأطفال، ومن علاماتها: حسد الآخرين، أو اعتقاد أن الآخرين يحسدونهم، الشعور بالاستحقاق، السلوك المتغطرس، الميل إلى التقليل من شأن الآخرين، التفاخر والمبالغة في تقييم النجاح، الحاجة المفرطة إلى الاهتمام والإعجاب، الصعوبة في التعاطف مع غيرهم.

تقول أم روان: ابنتي تبلغ من العمر 16 سنة، تحب المدح والثناء بطريقة مشمئزة، وتغضب كثيرًا إذا عملت شيئًا ولم نمدحها، وهي متكبرة علينا جميعًا، ترى أنها محسودة من الجميع، وتقلل من شأن الآخرين، تعبت معها كثيرًا، نصحتها وذكرتها بصفات النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، كيف أتعامل معها؟

على الآباء والأمهات قبل الحكم على أولادهم بالنرجسية أن يعلموا أن الثقة المفرطة بالنفس وبعض السلوكيات السلبية المزعجة لا تعني بالضرورة أن المراهق مصاب بالنرجسية، أو أنه سيكون في المستقبل نرجسيًّا، بل علينا كمُربِّين أن نركز على تربيته وتعليمه السلوكيات الإيجابية وتوجيه المشاعر السلبية لديه إلى مشاعر إيجابية.

وعلينا كمُربِّين أن نحذر من تنشئة مراهقين يحملون صفات نرجسية بسبب سلوكياتنا معهم؛ كإهمال التربية الإيجابية أو الإساءة إليهم، أو إيهامهم بتوقُّعات غير حقيقية عن أنفسهم في المستقبل، أو تضخيم الإنجازات الصغيرة والعادية لديهم، أو تربيتهم على عدم تحمل المشاعر السلبية تجاه أنفسهم، قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ عليهم وهو مسؤولٌ عنهم، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلِها وولدِهِ وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجلِ راعٍ على بيتِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِهِ"؛ أخرجه البخاري.

وللتعامل مع المراهق النرجسي أنصحكم بالتالي:

  • توقُّع ردود الأفعال السلبية من المراهق؛ إذ إنه من الطبيعي أن تكون هناك ردات سلبية بسبب تعامل المقابل معه أو بسبب سوء التربية أو يكون خطأ منه، قال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ"؛ أخرجه الترمذي.
  • تقدير المراهق واحترام شخصيته، وعدم الإساءة إليه أو الدفاع عن أخطائه، وإنما توجيهه بطريقة تربوية وإيجابية.
  • الاهتمام بعاطفته، وعدم التفرقة بينه وبين إخوانه وأخواته، وإشباعه من لغة الحب؛ كاللمسة والقبلة والكلمة والإشارة.
  • بناء العلاقات الإيجابية مع الآخرين، وتعليمه كيفية التعامل وكسب القلوب، وتفسير ما يشعر به الآخرون من آثار الردود السلبية منه.
  • تربيته على عدم الاتِّكال على أهله في مختلف الأمور، بل عليه تحمل المسؤولية وعواقبها سواء كانت إيجابية أو سلبية.
  • القدوة الحسنة من المُربِّين تجاه المراهق من الأمور المهمة في تغيير شخصيته، فمن طبيعة المراهق تقليد من يحبهم.
  • مساعدته في البحث عن صحبة صالحة ناصحة تساعده في تغيير السلوكيات السلبية.
  • العمل التطوعي ومساعدة الآخرين والتخفيف من معاناتهم يجعله يخرج من التركيز على ذاته إلى التركيز على مساعدة الآخرين، وهو من أهم العلاجات في تغيير الصفات السلبية عند المراهق.
  • وضع حدود واضحة مع المراهق النرجسي، ورفض الوقاحة والكلمات البذيئة والشتائم أو إقفال الحوار معه.
  • التحلي بالصبر معه، وتحمل تقلبات شخصيته ونفسيته؛ إذ إن التغيير يحتاج إلى وقت طويل.
  • استشارة المتخصصين في علاج مثل هذه السلوكيات، وطلب المساندة والمساعدة ممن حول المراهق وتكوين علاقات إيجابية وصحية معه.
  • تذكير المراهق بالآيات والأحاديث وقصص السلف الصالح والأجر المترتب على احترام وتقدير الآخرين، كما قال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"؛ أخرجه البخاري.

أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن يجعلهم هُداةً مهتدين على سيرة حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

JoomShaper