عدنان بن سلمان الدريويش
يعيش الإنسان عشرات السنين وهو لا يعرف حقيقة ذاته بوضوح، ولو عرف إمكاناته وهواياته وقدراته واهتماماته، لتغيَّرت حياته وزالت عنه كثير من المصاعب وزادت فرصته في الإبداع، ومعنى الاهتمامات هي استعداد الإنسان لبذل أقصى جهد نحو عمل أو نشاط معين، والاستمرار فيه لأطول فترة ممكنة بحب وشغف.
جاء في صحيح الترمذي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "أمرَني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ أن أتعلَّمَ لَهُ كتاب يَهودَ، قالَ: إنِّي واللَّهِ ما آمَنُ يَهودَ علَى كتابي، قالَ: فما مرَّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حتَّى تعلَّمتُهُ لَهُ، قالَ: فلمَّا تَعلَّمتُهُ كانَ إذا كتبَ إلى يَهودَ كتبتُ إليهِم، وإذا كتَبوا إليهِ قرأتُ لَهُ كتابَهُم"، ففي الحديث لما اكتشف الرسول صلى الله عليه وسلم مهارة زيد وقدراته واهتماماته، استثمرها وطوَّرها بما ينفعه وينفع المجتمع.
تقول أم سليم: ابني يبلغ من العمر أربع عشرة سنة، يعيش في فراغ كبير، بين ألعاب السوني والأجهزة الإلكترونية وبين النوم، ما فائدة اكتشاف ميوله واهتماماته، لأقوم أنا ووالده بتنمية هذه الميول لديه والاهتمام بها؟
تشغل المراهقين من شباب وفتيات اهتمامات كثيرة، منها ما يكون ظاهرًا للأسرة، ومنها ما يكون خفيًّا ويحتاج إلى اكتشاف، وتختلف الاهتمامات من جيل إلى آخر، فما كان مناسبًا لجيل الآباء اختلف كليًّا عن جيل الأبناء؛ لذا كان على الآباء والمُربِّين الاهتمام بميول واهتمامات الشباب والفتيات واكتشافها ثم تطويرها؛ لأنها تساعد في النمو الجسماني والنفسي والعاطفي والعقلي، ومن فوائد الاهتمامات والهوايات على المراهقين:
- القدرة على مواجهة التوتُّر والقلق والاكتئاب؛ حيث إن بعض الأنشطة الترفيهية والرياضية تمدُّ المراهق بمشاعر إيجابية للتعامل معها مثل ممارسة السباحة والرسم والمشي.
- تتطلب بعض الاهتمامات تحديد أهداف ومتابعة في التقدم، مثل حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية؛ لذا عند الانتهاء منها يشعر الشباب والفتيات بالإنجاز مما يحفزهم للتقدم.
- بعض الاهتمامات والهوايات طريق لإشباع الرغبة المكبوتة عند المراهق، مثل لعبة الكراتيه فيها تنفيس عن الرغبات العدوانية، وفيها الدفاع عن النفس ضد المتنمرين.
- الهوايات تعطي فرصة لإشباع رغبة التملُّك، خاصة عندما تكون الهواية لها آلة معينة لممارستها مثل هواية الدرَّاجة أو كرة القدم أو مضارب التنس، هنا نجد المراهق حريصًا جدًّا عليها وعلى عدم تلفها.
- الهوايات والاهتمامات تزيد من فرصة الاندماج الاجتماعي ومن التعرف على الأصدقاء؛ لأن معظم الألعاب الجماعية لا بُدَّ من ممارستها مع الآخرين.
- الالتزام بالقوانين وكبت جماح النفس عند الفوز والخسارة؛ لأن الالتزام بالقوانين يساعد المراهق على تشكيل شخصيته واحترام حقوق الآخرين.
ولكي ننجح كآباء وأمهات ومُربِّين في اكتشاف وتطوير ميول واهتمامات الشباب والفتيات علينا بالتالي:
- عدم فرض اهتمام أو هواية على المراهق هو لا يرغب فيها؛ وإنما توجيه نظره لبعض الاهتمامات المفيدة لنفسه وجسده مع ذكر السلبيات والإيجابيات.
- توفير الأجهزة والمكان المناسب لممارسة هواياته، مع وضع خطة زمنية تراعي الصلوات والدراسة ومتطلبات الأسرة وممارسة الهواية.
- تحذيره من الهوايات المدمِّرة لشخصيته ودينه ومجتمعه، مثل الألعاب الإلكترونية القاتلة أو التفحيط بالسيارات.
- التحاقه بمراكز آمنة ومرخصة من الدولة، وتعريفه ببعض الأصدقاء الصالحين والناجحين حتى يعينوه على ممارسة هواياته في أمن وطمأنينة.
- تعريف المراهق بخطورة الهواية التي يمارسها والحذر من المغامرات المتهورة، مثل تربية الحيوانات أو الدفاع عن النفس، ومعرفة الضوابط المناسبة لها.
- الحذر من أصحاب السوء؛ لأن بعض الهوايات تتطلب الاختلاط مع ممارسي الهواية والتواصل والسهر والسفر معهم مهما كانت أخلاقهم.
- احترام المراهق وهواياته واهتماماته ومناقشته والحوار عنها؛ لأنها ستكون فرصة للتعرف على شخصيته وبناء القيم والأخلاق فيه.
- الاستعانة بمختص في التطوير للمساعدة في اكتشاف وتحديد الهوايات والاهتمامات وآلية تطويرها.
أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن يجعلهم هداة مهتدين على سيرة حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.