دار هذا الحوار بين باهر وخالد:
خالد: وأخيرًا انتهينا من الامتحانات، وجاء الصيف وحان وقت الترفيه.
باهر: نعم، لقد تعبنا كثيرًا في المذاكرة ونريد أن نرفه عن أنفسنا.
خالد: في الغالب سأقضي وقتي في التنزه مع الأصدقاء ولعب كرة القدم, والذهاب إلى القرى السياحية.
باهر: ولكن، أليس هذا زائد عن الحد.
خالد: بمعنى؟
باهر: أنا أتفق معك أننا قد تعبنا كثيرًا في الامتحانات، وسهرنا كثيرًا ونريد أن نرفه عن أنفسنا من خلال اللعب والذهاب إلى القرى السياحية، ولكن يجب أن نستثمر أيضًا هذه الإجازة في عمل أشياء مفيدة، فهذا كنز ثمين لا ينبغي أن يضيع.
خالد: أنا سأثتثمر وقتي في الترفيه، ما الخطأ في ذلك.
باهر: الترفيه لاشك أنه يجدد النشاط ويكسب الإنسان قوة تدفعه لمعاوده العمل، لكن لا ينبغي أن يكون غاية في حد ذاته، وإنما هو وسيلة.
خالد: أنت ماذا ستفعل في الإجازة؟
باهر: أريد أن أحفظ 3 أجزاء من القرآن، وأن أمارس رياضة الكونج فو، وأريد عمل مشروع خيرى لتوزيع الملابس القديمة على الفقراء، بجانب الترفيه أيضًا.
خالد: أهداف جميلة، أريدك أن نجلس معًا لنتفق على تنفيذ هذه الأهداف سويًا.
باهر: حسنًا، لا مانع في ذلك أبدًا.
أهمية الوقت:
الوقت نعمة وأمانة يضيعها كثير من الناس فيقول صلى الله عليه وسلم ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) [رواه البخاري].
وللوقت خاصية، وهي إنه إذا ذهب لم يرجع، وهذا يدفعنا لاستغلال كل لحظة منه، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) [رواه البخاري].
ويكفي أن الله تعالى أقسم في كتابه بالأوقات، من ليل ونهار، وفجر وعصر، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله (أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر الذي هو الدهر وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم الله عز وجل به على أن الإنسان كل الإنسان في خسر إلا من أتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر) [شرح ثلاثة الأصول، محمد صالح العثيمين، ص(25)].
حال الناس في الإجازة:
بمجرد ما تبدأ الإجازة، وتنتهي الامتحانات؛ نرى حالًا عجيبًا من شبابنا؛ فهذا يقضي يومه كله في النوم، كأنه ينتقم من النوم لأنه فارقه قليلًا أيام الامتحانات.
وهذا آخر يقضي جل وقته في الألعاب الإلكترونية على جهاز الكمبيوتر؛ أو على جهاز "البلاي ستيشن"، يكاد لا ينصرف عن اللعب إلا في أوقات النوم والطعام.
وهذا ثالث نراه قد اعتكف على المقاهي، لا يترك مقهى إلا يدخله مع أصدقائه، ويمكث هكذا طوال الإجازة.
وهذا رابع يجلس أمام التلفاز لمتابعة أحدث الأفلام والأغاني فيجلس أمام التلفاز طوال اليوم لا يفارقه في ليل أو نهار.

عوامل ضياع الإجازة:

وحينما يسأل كثير من الشباب عن سر تضييع أوقاتهم بهذه الطريقة المحزنة، نجد كثيرًا من الإجابات تتمحور حول وجود وقت كبير من الفراغ لابد أن يقتل "على حد تعبير الشباب"، وتجد هذا الشاب يعبر لك عن ملله الشديد من إجازته، وهذا أمر لاشك يستحق وقفة؛ فـ(لماذا لم تمثِّل تلك المشكلة عائقًا أمام عظماء الأمة على مَرِّ العصور، بدءًا من جيل الصحابة الكرام ومرورًا بالتابعين وتابعيهم، وانتهاءً بكل رجل أو امرأة ترك أثرًا في هذه الأمة؟!
فلم نقرأ يومًا أن صلاح الدين كان يشتكي من فراغ وقته، ولا أتانا نبأ قطز يتحسر على أوقات قضاها لم يُزِد فيها شيئًا، ومن قبلهما صحابة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لم نسمع أن أحدهم كان يشتكي من ضياع عمره بلا فائدة) [سارق الأعمار، محمد السيد عبد الرازق، ص(5)]، فهيا نتعرف سويًا على العوامل التي تسبب الفراغ وتقتل الأوقات بلا فائدة، عساها أن تكون نقلة على طريق استغلال الإجازة:
العامل الأول: ضياع الهدف:
فإن سألتك الآن وبعد نهاية الامتحانات مباشرة: (هل لك أهداف من الإجازة؟)، فأجبت بـ(لا)؛ فلا عجب أن تضيع منك الإجازة.
فقد (أجرت جامعة بيل الأمريكية دراسة حول عدد الطلاب الذين لديهم أهداف قد كتبوها، ورسموا خططًا لإنجاحها، ووجدت أن 3% من طلاب السنة الأخيرة في الجامعة قد فعلوا ذلك، وبعد عشرين سنة توبعت الدراسة بالاتصال بأولئك الطلاب الـ 3% للنظر في وضعهم المالي والاجتماعي؛ فوجد أن هؤلاء الـ 3% الذين كتبوا أهدافهم يحصلون ماليًّا على ما يعادل دخل الـ (97%) الآخرين!) [رسائل سريعة للشباب والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(69)].
وفي قصة (أليس في بلاد العجائب) عندما (سألت (أليس) القطَّ (تشيتشاير) عن الطريق، فتقول: من فضلك هل لي أن أعرف أي طريق أسلك؟
فرد القط: يتوقف هذا إلى حدٍّ بعيد على المكان الذي تريدين الذهاب إليه.
تقول أليس: إنني لا أعبأ كثيرًا بالمكان.
يرد القط: إذًا؛ فلا تهتمي كثيرًا أي الطرق تسلكين) [صناعة الهدف، هشام مصطفى، صويان الهاجري وآخرون، ص(87)].
العامل الثاني: ضعف الهمة:
وهنا أخص بالحديث شاب انتهى من امتحاناته، ويستطيع أن يضع لإجازته أهدافًا، ولكن للأسف فالإجازة في مخيلته هي الراحة والسكون، والسهر بالليل والنوم بالنهار حتى العصر ثم التنزه مع أصحابه ثم الرجوع إلى بيته والسهر أمام التلفاز حتى الفجر ثم ينام مرة أخرى وهكذا كل يوم على هذا الحال.
وعلى العكس فإن (من سَمَت همته عن الدنايا وتطلع إلى معالي الأمور؛ فلن يكون هناك متسع في حياته لينشغل بالتافه من الأمور، أو الدون من المشاغل، وعلى العكس من ذلك؛ فمن حامت همته حول سفاسف الأمور، فلن يعدم فراغًا هنا أو هناك، فلا تقوى همته على الانشغال بالعظائم وصرف الأوقات والأعمار فيها، وإنما تزين له همته الضعيفة توافه الأمور، فينتقل من فراغ إلى فراغ) [سارق الأعمار، محمد السيد عبد الرازق، ص(10)].
العامل الثالث ـ البعد عن الله:
(ثم يأتي خاتمة الأسباب التي تملأ حياة الكثيرين بالفراغ، إنه ضعف الإيمان والبُعد عن الله تعالى، فمن عرف ربه خير المعرفة وأدرك حقيقة الدنيا؛ عرف أنه مسافر إلى ربه وزاده هو عمره، فيجدَّ في العمل ويصرف أوقاته فيما يعود عليه بالنفع والفائدة.
أما البعيد عن ربه ومولاه، الذي تعلَّق قلبه بالدنيا وغرَّته زينتها، فهو المغرور المخدوع الذي اشتهى الزائف من الزخارف والحلي، وانشغل بها عن حقيقة رحلته إلى ربه، ولم يعلم أن الدنيا وسيلة وليست غاية، ومن الحمق أن يعمينا انشغالنا بتحصيل الوسائل عن غاياتنا المنشودة) [سارق الأعمار، محمد السيد عبد الرازق، ص(12)].
كيف السبيل؟
إننا حينما ننصحك أيها الشاب بضرورة استغلال إجازتك فإننا لن نتركك هكذا دون أن نرشدك إلى الوسائل العملية التي تساعدك على استثمار هذه الإجازة أفضل استثمار، وقد حاولت قدر الإمكان أن أُنوع من الأهداف والأعمال؛ لأن (مشكلة الفراغ في الحقيقة مشكلة كبيرة، فعندما يفرغ المراهق ولا يجد بين يديه شيئًا يشغله؛ تجده يحاول ملء هذا الفراغ بما يشتهي وهذه مشكلة، ونحن نفهم أن القراءة وحدها مثلًا هي السبيل لملء وقت الفراغ، ولكن تختلف ميول واهتمامات المراهقين من واحد إلى آخر ومن جنس إلى آخر، وأهم ميول الشباب في وقت الفراغ: القراءة والمشاهدة وممارسة اللعب) [مراهقة بلا أزمة، أكرم رضا، ص(228)].
أولًا ـ مع النفس:
الجانب الإيماني:
·    المواظبة على الصلوات الخمس، جماعة في المسجد.
·    المواظبة على ركعة الوتر.
·    المواظبة على قراءة ربعين من القرآن.
·    تحديد هدف واضح لحفظ مقدار معين من القرآن الكريم.
المواظبة على حضور مجلس من مجالس العلم، وليكن من أهداف حضورك البحث عن رفقة صالحة تعينك على طاعة الله جل وعلا.
الجانب الإيماني:
وليكن لك مشاركة جادة في جانب الأعمال الخيرية، فيا لها من أعمال تملأ الأوقات وتملأ الموازين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم يا لها من أعمال تملأ قلبًا سرورًا وسعادة، وهكذا حال فاعلي الخير وباذلي المعرف، تجد السعادة لا تفارق قلوبهم والبسمة لا تذهب عن وجوههم، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
الجانب الثقافي:
هناك قنوات تبث بعض الأفلام الوثائقية المفيدة والبرامج النافعة، فما أفضل أن تشاهد أحد هذه الأفلام العلمية والبرامج النافعة.
الجانب الترفيهي:
خصص وقتًا معينًا يوميًّا، وليكن من بعد صلاة المغرب، واجعله وقت الترفيه؛ تخرج فيه مع أصدقائك، تذهبون للعب الكرة، أو لممارسة بعض الألعاب الإلكترونية.
ولا تنسي أبدًا أن جزءًا كبيرًا من السعادة والنجاح يكمن في الحفاظ على الجسد السليم، فحافظ على ثماني ساعات يوميًا للنوم، وثبات موعد وجبات طعامكِ الثلاثة.
ثانيًا ـ مع الآخرين:
خصص يومًا في الأسبوع للخروج مع أسرتك في نزهة عائلية ولو كانت إلى مكان قريب.
خصص يومًا كل أسبوع لزيارة أحد الأقارب من جهة والدتك أو والدك، وإن لم يمكنك الزيارة فاجعله حديثًا عبر الهاتف تتفقد فيه أحوالهم.
وما أحلى أن يكون خير الختام بكلام قيم للإمام ابن القيم رحمه الله، ينصح فيه الأمة وخاصة الشباب بضرورة استثمار الوقت وعدم تضييع هذا الكنز العظيم، فيقول رحمه الله: (إن السَنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة؛ فثمرته شجرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية؛ فثمرته حنظل) [الفوائد، ابن القيم، (1/164)].
المصادر:
·       شرح ثلاثة الأصول، محمد صالح العثيمين.
·       الفوائد، ابن القيم.
·       مراهقة بلا أزمة، أكرم رضا.
·       سارق الأعمار، محمد السيد عبد الرازق.
·       صناعة الهدف، هشام مصطفى، صويان الهاجري وآخرون.
·       رسائل سريعة للشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.

 

مفكرة الإسلام

JoomShaper