أسامة طبش

كان شابًّا بسيطًا، يقطنُ في الريف، حَسَنَ المظهر، يسعى لإعالة نفسه وعائلته، يبيع الخَضْروات والفواكه على قارعة الطريق السريع، تَمرُّ عليه السيارات، ويُلقي أصحابها بنظرات خاطفة عليه دون أن يتوقَّفوا للاقتناء من بضاعته المعروضة من الصباح الباكر إلى غروب الشمس، لا يُفارق مكانه ذاك، وكأن له علاقة وطيدة بموضعه، ثابت لا يتحرك منه، جامدٌ يتجاهلُ ما يحيط به.

كان يُعاني مرضًا مزمنًا، وهو "داء السُّكري"، وزاده "ضغط الدَّم" إرهاقًا على إرهاقه، حينما تُدقِّق في عينيه، تلمسُ خلفهما حزنًا عميقًا، رُبَّما كان يفكِّر في حالته الصعبة، ورُبَّما كان يُخمِّن في إعالة عائلته، إخوته الصغار ووالدته المريضة ووالده المُسن.

تبدو على تقاسيم وجهه ملامحُ البراءة، وهناك من أُوتِيَ هذه الميزة الرائعة، وهي فضلٌ من الخالق، تتماهى معها الأنفسُ البشرية، مُنزوٍّ بنفسه، ولا يُلْقِ باله لمن حوله، يتعاملُ بلطفٍ شديد مع زبائنه على قلة عددهم، ونُدرة توقُّف أحدهم عنده، رغم كثرة السيارات المارَّة على الطريق.

طيِّب النفس، دمثُ الخلق، هادئ الطباع، وهذا هو حال بساطةِ الحياة بالنسبة إليه، تبدو مُملَّة إلا أنها دَيدنُه الذي لا يتغيَّر، شعوره بالوَحدة جعله يفكِّر في نفسه ومستقبله الذي شغلَ باله، تميل القلوب إلى هذا النمط من الشخصيات، ويُواصل بَيع الخَضْروات والفواكه في مكانه ذاك، يَجنيها مِن مَزرعته الصغيرة بجانب بيته في الريف، يَفْلَحُ تراب الأرض بيديه رغم وضْعه الصحي المُتعثِّر.

يُرضي والدَيه ويعيش مع عائلته ويُعيلها، إنسان قانعٌ بقسمة الله له، يتميَّز بالسكينة، وهذه صفة جميلة في كُلِّ إنسان، فالأنفسُ تَنْفِرُ من العصبي ومتقلِّب المزاج، فتحلَّى هو بهذه الصفة، وكان في أفضل المراتب وأرقاها خُلُقًا، يُفكِّر في تجارة أكبر، ويُغادر مكانه المعهود، فيتغيَّر حاله إلى الأحسن، فالتوكُّل على الخالق والسعي المتواصل، يُثْمِرُ في نهاية المطاف ثمارًا يانعة.

JoomShaper