محمد شلبي محمد شلبي
كفانا خداعًا للنفس، نحن لسنا في نادٍ فلسفيٍّ نتلاعب فيه بالأعذار النفسية، والتغيرات البيولوجية، كأنها قوًى قهرية تُعفي الإنسان من الحساب، متى صار العناد والتطاول، والتخريب والسخرية، وازدراء القيم "سلوكيات طبيعية"؛ لمجرد أن مرَّت على صاحبها سنواتٌ، يَدْعُونها المراهقة؟ تقليدًا لتلك التربية الغربية الحديثة التي تُحسن التبرير، وتُسرف في التفهُّم حتى يفلت الحبل من يد الجميع.
البالغ الراشد المكلَّف الذي يَدْعُونه المراهق ليس آلةً مُنفلتة بلا كوابح، هو مسؤول، بل هو محاسبٌ أمام الله قبل أن يُحاسب أمام والديه أو مجتمعه، فإن كان الله سبحانه يحاسبه على أعماله بعد البلوغ، فمن نحن لِنغضَّ الطرف عن خطاياه بحجة "المرحلة العمرية الحرجة"؟
عندما كسَّر إبراهيم عليه السلام الأصنام، كان فتًى، وعندما استعصم يوسف عليه السلام عن الخطيئة، كان شابًّا غضًّا، فلم تُخرجه مرحلته العمرية الحرِجة عن جادَّة الصواب، ولم تجرَّه التغيرات النفسية إلى الظلمة، العقل حاضر، والإيمان ضابط، فمنِ ادَّعى العجز، فليتحمل مسؤولية الكذب على فطرته.
ثم انظر حولك في صفحات السيرة، لترى الفطرة السويَّة والتربية الراشدة؛ أسامة بن زيد كان عمره 17 سنة عندما قاد جيشًا فيه شيوخ الصحابة، معاذ بن جبل فقيه الأمة وهو ابن عشرين، أرسله النبي قاضيًا ومعلِّمًا لأهل اليمن، زيد بن ثابت أتقن السريانية في أقل من عشرين يومًا وعمره 13 سنة، وكان أحد كتَّاب الوحي، عبدالله بن عمر كان يطلب الإذن للجهاد وعمره 13، ويُرَد لصغره، ثم يقاتل في الخندق وعمره 15، علي بن أبي طالب ينام في فراش النبي ليلة الهجرة، وهو فتًى صغير، ومصعب بن عمير يترك نعيمَ مكةَ، ويصبح أول سفير للإسلام، وهو ابن 19 عامًا فقط، كانوا فتيةً آمنوا بربهم فزادهم هدًى.
الحقيقة البسيطة: الابن يتمرد إذا نشأ على التسيُّب، ويُشيطَن إذا تربَّى على التدليل، ويثور إذا غاب عنه التوجيه الصارم المحب، أما إذا أحسنَّا زرع القيم منذ نعومة أظفاره، فلن يحتاج إلى المقامرة في سن الشباب.
دعونا نكفَّ عن تعليق فشلنا التربويِّ على شماعات بيولوجية نفسية مستوردة من تجارب ثقافات لا تُشبهنا، نحن لسنا دعاةَ عنفٍ أو قسوة على الأبناء، لكننا أيضًا لا نُربِّي على الانفلات، فليكن العقاب تربويًّا، والتعلم من الخطأ جزءًا من المنهج، والمسؤولية موزَّعة بعدلٍ، والحرية مضبوطة لا منفلتة.
الابن الذي بلغ الحُلُمَ يحتاج أن نكون قريبين لا خانقين، واضحين لا مترددين، صادقين لا مخادعين، يحتاج إلى قدوة أكثر من احتياجه إلى موعظة، وإلى محبة لا إلى تصفيق لكل خطأ، أمَّا أن نرفع عنه المسؤولية بحجة أنه مراهق، ثم نطالبه فجأة بأن يكون رجلًا صالحًا، فهذا عبث تربوي لا يليق بديننا ولا مجتمعنا.
في ديننا، من بلغ الحلم فهو مسؤول، والبلوغ ليس مرحلةَ عبورٍ آمِنة، بل هو نقطةُ حسابٍ، وبدء تكليف، فربُّوا أبناءكم على أن يكونوا رجالًا ونساءً منذ لحظة إدراكهم، لا أن يظلوا أطفالًا حتى وهم يرتكبون الجرائم باسم "المراهقة".
من يدعونه المراهق مسؤول، هذه هي الحقيقة، وما دون ذلك خداع تربوي معسول، سيقودنا جميعًا إلى الندم.