كل فتاة تحلم بحلم التغيير، فالفتاة تريد دائمًا أن تجمل من نفسها، فتبحث عن التغيير في ملابسها، تنوع من تسريحة شعرها وهكذا، ولكن هناك تغييرًا تغفل عنه الكثير من الفتيات، ألا وهو تغيير النفس إلى الأفضل.
فنحن الآن نودع الأيام الأخيرة من شهر عظيم ألا وهو شهر شعبان وهو شهر يغفر الله في ليلة النصف منه فيه الذنوب لأهل الأرض إلا المشركين والمتشاحمين، ولا تزال هناك فرصة مواتية لكل فتاة تريد أن تقترب خطوة من الله تعالى بأن تستغل ما تبقى من هذا الشهر من استعدادًا لخير الشهر وسيد الأزمان شهر رمضان.
شعب التغيير:
إنكِ أيتها الفتاة إن جلستِ مع نفسك ستجدين أن هناك الكثير والعديد من فروع الخير التي يمكنكِ من خلالها أن تتقربي إلى الله تعالى، فمن هذه الشعب:
1. القرآن خير شفاء:
(يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا ربِّ حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده؛ فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارضَ عنه) [صححه الألباني]، بهذا الحديث يضع لكِ أيتها الغالية النبي صلى الله عليه وسلم المعادلة التي يجب أن تسيري عليها، فالقرآن فضله عظيم وثواب جزيل يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة؛ ريحها طيب وطعمها طيب) [متفق عليه]، فهي بين الناس عظيمة فـ(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين) [رواه مسلم].
وإليكِ عزيزتي هذه النصيحة في موقف عملي قام به الشيخ عبد الحميد البلالي، تبين مدى أهمية القرآن للواحد منا، يحكي هذا الموقف بنفسه ويقول: (رجل ذو منصب عال، في مؤسسة من أكبر مؤسسات الدولة، والمال ينبع من بين يديه ومن خلفه، ومع كل ذلك فلِمَ هذا الضيق الشديد الدائم؟!
جاءني بتواضع جم إلى مكتبي، وقرب مني، وخفض صوته كي لا يسمعه أحد، قائلًا: أحس بضيق شديد في صدري، وبذلت كل شيء في تشتيته فلم أستطع، فالسفر إلى أجمل بقاع العالم، وسماع الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، وشراء ما تلذ به الأعين والأنفس لم يفعل شيئًا في إزالة هذا الضيق، فقد يزيله مؤقتًا، ولكن لا يلبث أن يعود بسرعة لأي خبر سيئ أسمعه، أو تعامل لا يعجبني، فبالله عليك ماذا أفعل؟!
قلت له: هل تقرأ القرآن؟
قال: لا.
قلت: هل تذهب إلى المسجد؟
قال: لا.
قلت: لقد جربت سماع الأغاني والموسيقى الكلاسيكية، وزيارة أطباء النفس، والسفر، وغيرها من الأمور فلم يغير من هذا الضيق شيئًا، بل إنه ازداد يومًا بعد يوم، فهلا جربت ما أقول لك؟
قال لي: لا أعدك بالصلاة في المسجد أو الصلاة، ولكنني أستطيع أن أبدأ بما هو سهل علي وهو قراءة القرآن.
غادرني صاحبي شاكرًا للنصيحة، ثم عاد في اليوم الثاني مهلل الوجه، مبتسمًا ابتسامة جعلت وجهه كله يبتسم.
قلت له: بشر، ما الخبر؟!
قال: ذهبت للبيت وتوضأت، ثم فتحت القرآن وابتدأت بالقراءة في الصفحة الأولى، وما زالت الضيقة لم تغادرني، فزدت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وأنا أحس بأن جبلًا ضخمًا بدأ ينزاح رويدًا رويدًا عن صدري، حتى تسلل الفرح إلى داخلي، وشعرت براحة وطمأنينة لم أشعر بها طيلة حياتي، فقمت وصليت ركعتين لله) [رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(21-22)].
2. الصلاة أول الحساب:
إنكِ عندما تجيئين يوم القيامة وتقفي بين يدي مولاكِ، فأول ما ستحاسبين عليه هي الصلاة، فإذا صلحت كان ما بعده صالح، وإذا كانت غير ذلك، فستكون العواقب إلى جهنم والعياذ بالله.
وكيف يترك المرء هذا الثواب العظيم الذي جعله الله تبارك وتعالى في الصلاة، وكيف يُعقل أن يفرط المرء في تلك الراحة النفسية، (فالصلاة مصدر متجدد للطاقة الروحية والزاد وقد توزعت أوقاتها على الليل والنهار لمواصلة التزود وتجديد الرصيد من الزاد، ففيها يلقي الإنسان بعناء الحياة ليقف بين يدي الله في خشوع وخضوع، وركوع وسجود، يقرأ ويسمع كلام الله ونسبحه ونعظمه، وندعوه ونستغفره، وكأن الصلاة معراج لأرواحنا تعرج إلى الله بعيدًا عن جواذب الأرض وفتن الحياة) [زاد على الطريق، مصطفى مشهور، ص(73)].
وإن أول ما تحافظين عليه أيتها الأخت الحبيبة، هي الفرائض فيقول تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]
ويكون ذلك بأن تصلي أول ما تسمعين المؤذن يؤذن, وليس شرطًا أن تصلي في جماعة، فصلاة الجماعة هي واجبة في حق الرجال، وليست واجبة في النساء.
وبعد ما تحافظين على الصلوات الخمس، تبدأي في التقرب إلى الله بالنوافل والإكثار منها في شعبان، فالفتاة التي تأتي بالفرائض قد سارت في طريق الفلاح، غير أن من تأتي بالتطوعات والنوافل أفلح منها في سيره، وأعلى درجة وأكثر قربى، وهنا يرتسم لنا معلم آخر من معالم تربية الصلاة، لكن الحديث هنا عن صلاة النوافل، إذا أنها تربي الإنسان على السعي نحو الكمال، وإتقان العمل وجبره ليخرج على أكمل وجه وبأحسن حال، وخير دليل على ما ذكرناه الآن, أن الله تبارك وتعالى أخبر عن ذلك، فبين سبحانه أن مؤدي النوافل إنما يصل لمرتبة أعلى وأسمق من مؤدي الفرائض فحسب، (فمؤدي الفرائض كاملة محب لله ومؤديها وبعدها النوافل محبوب نم الله؛ يدل على ذلك الحديث الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه وتعالى وفيه " ... وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أ حبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه [رواه البخاري]) [الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله، عبد العزيز مصطفى، (38)].
3. الصوم جُنة:
إن ثالث القربات التي يمكنكِ أن تعودي نفسكِ عليه في رمضان، هو الصيام، فأنتِ مقبلة على 30 يوم من تعب الجسد مع لذة الروح والقلب كل ذلك من أجل الله تعالى، فيجب أن تتعودي من الآن على الصيام.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصوم في شعبان فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: (قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان، قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم). [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1022)].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان) [رواه البخاري].
فالصيام بطبيعته يربي النفس على تقوى الله عز وجل، فمن يرد أن يفز بالتقوى فعليه بالصوم، فهو(وسيله لتقوى الله -عز وجل- بفعل الواجبات وترك المحرمات) [مختصر الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم بن عبد الله، ص(82)].
ماذا بعد الكلام؟
إن كلامنا حتى يأخذ شيئًا من الواقع العملي لابد لكي أيتها الأخت الغالية، أن تأخذي خطوة على درب الأتقياء لله تعالى، وتفوزي بأجر هذا الشهر العظيم:
1.صلي لله ركعتين تنوين فيهما التوبة لله عز وجل، فإن من يريد الاستفادة من رمضان حق الاستفادة، يجب أن يدخله وهو قد خفف حمل الذنوب والمعاصي، وما أحلى هذه الكلمات تناجين بها ربك:
أنا إن تبت منانـــــــــي وإن أذنبت رجانــــــــي
وإن أدبرت نادانــــــــي وإن أقبلت أدنانــــــــي
وإن أحببت والانـــــــي وإن أخلصت ناجانـــــي
وإن قصرت عافانــــــي وإن أحسنت جازانـــــي
حبيبي أنت رحمانــــــي
إليك الشوق من قلبـي على سري وإعلانــــي
فيا أكرم من يرجــــــى وأنت قديم إحسانــــي
وما كنت على هـــــذا إله الناس تنسانــــــي
لدى الدنيا وفي العقبى على ما كان من شانــي
حبيبي أنت رحمانــــــي
2. ضعي لنفسك وردًا يوميًا من القرآن، تقرأين فيها على سبيل المثال ربعًا.
3. احرصي على الصلاة في أول وقتها، بأن تقومي فتوضأي ثم تصلي، حين تسمعين الأذان.
4. أكثري من الصوم في هذا الشهر الكريم، حتى يكون أتم استعداد لشهر رمضان.
المصادر:
· رسائل سريعة إلى الشباب والشابات، عبد الحميد البلالي.
· مختصر الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم بن عبد الله.
· الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله، عبد العزيز مصطفى.
· زاد على الطريق، مصطفى مشهور.
مفكرة الإسلام