لها أون لاين
"العناد" ظاهرة يتميز بها كثير من الشباب والفتيات المراهقين على حد سواء، وربما تتصف بها  العديد من الفتيات نظراً لسوء "التربية" أو "أسلوب التنشئة" الخاطئ الذي يكرس لمفهوم "لا" لدى هؤلاء الفتيات، أو يشجعهن على التمرد واستخدام "العناد" في حياتهن، كما أشار بذلك بعض المختصين.
وفي هذا التحقيق نرصد هذه الظاهرة أسبابها ودواعيها، من خلال اللقاء بالفتيات والتقرب من عالمهن.
ربما اختلاف المرحلة العمرية هي السبب
في البداية تقول وفاء أحمد: أنا لا أتعمد التمرد على قرارات والدتي، ولكني ذات شخصية منفصلة ربما يخيل للآخرين بآرائي التي أحب أن أصدرها، ودائما ما تكون مخالفة لأراء والدي ووالدتي أنني أعترض.
وتضيف، السبب وراء "لا" التي يظن البعض أنها تميز شخصيتي نتيجة طبيعية لاختلاف المرحلة العمرية بيني وبين والدتي فهي تمثل جيل مختلف. ولفتت إلى أهمية أن يستوعب الوالدان آراء الأبناء والفتيات تحديدا؛ لأن لكل منهن شخصية مختلفة، فمن الطبيعي أن يعترضن فلهن الحق في الاعتراض.

وتقول شيماء صلاح: "كثير من الفتيات يعترضن ولا يكون اعتراضهن مقتصرا على قرارات الأبوين، وإنما يمتد إلى جميع الناس وسبب هذا الاعتراض يرجع إلى تمرد هؤلاء الفتيات".
وتضيف: إن تمرد الفتيات واعتراض الكثير منهن يرجع إلى المرحلة العمرية التي تعيشها هذه الفتاة.
وأكدت أنها كانت تعترض بسبب وبغير سبب على قرارات أبويها عندما كانت في سن المراهقة، وانتهى ذلك بتخطيها لهذه المرحلة العمرية.

والديّ لا يريدان أن يفهماني
فيما ترى دعاء صالح أنها تتمسك برأيها؛ لأنها تشعر أن والديها لا يفهمونها جيداً، وأنهم لا يعطونها فرصة لتعبر عما تريده ولتشرح لهم وجهة نظرها، وكل ما يعملونه هو الرفض لمقترحاتها وأفكارها وتصرفاتها، مما ينعكس سلباً عليها؛ فتصبح هي أيضاً رافضة لما يقولونه.
وتتابع دعاء قولها: "أريد من والدي أن يمنحاني فرصة لأعبر عن نفسي، وأدافع عن أفكاري، وأن يستمعوا لي قبل أن يمليا علي ما يريدونه، أنا أعترف أنهم أكثر خبرة مني، ولكن لكل إنسان تجربته في الحياة، فلماذا لا يستمعان لي! ولو أنهم فعلوا وتحاورا معي أكيد سأتفهم كلامهما، ولن أعاند  كما هو الحال الآن.

بالحب تحل الأمور
تقول سمية أحمد سويلم ـ أم لـ 3 فتيات ـ: "إن بناتها يعترضن كثيرا على قراراتها، ولكنها بحسب قولها تتعامل بحب شديد يجعلهن يخضعن رغم تمردهن".
وتضيف: أستطيع أن أخضع فتياتي على الرغم من تمرد بعضهن، وذلك بالحب والود، وتذكيرهن بالله وضرورة طاعة الوالدين وأن طاعتهن من طاعة الرب.
وأنهت كلامها، بأن عناد الفتيات مرتبط فقط بمرحلة المراهقة، وغالبا ما يتخليين عنه بعد هذه المرحلة إذا أحسنت الأسرة تربيتهن، وتعاملت معهن بأسلوب تربوي قويم.

كل نصيحة من الوالدين = الرفض والعناد من الفتاة
كغيرها من الأمهات تشكو  (أم إيهاب مطر)  من تصرفات فتاتها فاطمة – 17 عاما - إذ تصر الفتاة دائما على رأيها، تقول أم إيهاب: "إن ابنتها دائماً تجبرها على الاعتراض على تصرفاتها ومواقفها؛ لأنها تقابل كل نصيحة أو طلب بالرفض والعناد، وتؤكد السيدة أن النتيجة الحتمية تكون عناد فتاتها وتنفيذها لأفكارها التي تقتنع بها، بل وتؤمن بها".
وتضيف الأم :"أحاول التفاهم معها دائما؛ لأني أعلم أنها في مرحلة مراهقة إلا أنها لا تتقبل النصح إلا إذا خافت من والدها وهذا شيء مزعج!".

أمي لا تفهمني دائماً غاضبة مني
وتشكو أيضا فاطمة من المحاولات الحثيثة لوالدتها ووالدها لفرض آرائهما عليها، وتقول:"أشعر أنهما يحاولان إلغاء شخصيتي تماماً، خاصة أمي هي تتعمد إملاء تصرفاتها عليّ لا تتحدثي مع هذه الصديقة، البسي هذه الثياب، اهتمي بدروسك وواجباتك، لا تتابعي هذا المسلسل، وغير ذلك" ، وتؤكد الفتاة أنها كلما طالبتها والدتها بتصرف معين عمدت إلى الإتيان بعكسه تماماً؛ لتبرهن لها على ذاتها وقدرتها على اتخاذ القرارات بمفردها، تصمت قليلاً، تشير إلى أن هذه الحالة تزعجها كثيراً وتجعلها دائماً في حالة توتر وغضب ونفور من البيت، وتتمنى الفتاة أن تعدل والدتها من سلوكها تجاهها فتجد طريقة مناسبة للتفاهم معها كما تفعل كل أمهات صديقاتها مع بناتهنَّ، تقول:"أمي لا تفهمني دائماً غاضبة مني".


مرحلة المراهقة بريئة.. والتنشئة هي السبب
ويفسر خالد كمال الخبير النفسي، أسباب عناد الفتيات بقوله: "السبب الرئيس للعناد يبدأ في الطفولة المبكرة ويرجع للتنشئة المبكرة للطفل".
يقول: "التدريب القاسي في مرحلة الطفولة على ضبط الإخراج وهي مرحلة عمرية تبدأ من عام ونصف إلى ثلاث سنوات، إذ يتبع الوالدان أسلوبا قاسيا، وعقاب الطفل عقابا شديدا في كل مرة لا يضبط فيه هذه العملية الإخراجية بحسب رغبة الوالدين.
ويضيف: "يضطر الأطفال إلى أن يضايقوا والديهم أو لفت نظرهم في هذه المرحلة الباكرة ثم يصبح العناد جزاءً من الشخصية التي تكون قد تكونت غالبا عند 7 سنوات.
وذكر أن التنشئة وأساليب تربية الوالدين تؤدي إلى وجود هذه الخصلة عند الأطفال، فيقوم الطفل بالعناد مرة بعد أخرى عندما تطلب منه شيئا ما فنقوم نحن بالنزول عن رغبتنا طاعة لأوامره مرة بعد الأخرى يجد الطفل في أسلوب العناد طريقا للتعامل مع الوالدين والمجتمع المحيط، فيتمسك برأيه سواء كان صحيحا أم خاطئا! ولا يتراجع عنه، متصورا أن هذا نوع من الضعف والخضوع للآخرين.
ولفت إلى أن شخصيات الفتيات اللائي يقلن "لا" تتسم بعدة سمات أخرى، مثل: أن تكون موسوسة ومنظمة ونظيفة، ومن الصعب تغير النمط السلوكي في مراحل متأخرة في المراهقة أو الشباب بدون تدخل من العلاج النفسي، سواء بمساعدة أخصائي نفسي "مدرس" أو طبيب نفسي حيث يتطلب الأمر الغوص في الشخصية وتعديل السلوك من جذوره، ولكن بصفة عامة وكإجراء بسيط من الوالدين.
وينصح الخبير النفسي الوالدين ألا يظهروا ضيقا بالأمر، وأن يظهروا أن الأمر لا قيمة له، فهذا يجعل الفتاه تشعر أن عنادها قد يجيء بنتيجة، فعدم الاهتمام يكون له أثر كبير في تعديل هذا السلوك عند الفتاة، حيث تصل إليها الرسالة ومفادها أن عنادك لا يهمنا في شيء وهذا في حد ذاته قد يعدل من السلوك إلى حد ما.


ضرورة تفهم الأهل
رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر د. أسامة حمدونة يقول في حديث لـ (لها أون لاين) :"إن عدم تفهم الأهل للمرحلة التي تمر بها الفتاة المراهقة سبب ولادة مشكلات العناد لدى المراهقات اللواتي تكوّن لديهن مفهوم جديد عن ذاتها وخصوصيتها، ويؤكد د. حمدونة أن الفتاة في هذه المرحلة تحاول بشكل أو بآخر أن تمارس المفهوم الجديد عن نفسها، فيصطدم مفهومها عن نفسها مع مفهوم الأهل عنها، فتبدأ بسلوك العناد كظاهرة ناتجة عن عدم قدرة الأهل على تفهم ظروفها.

وشدد د. حمدونة على ضرورة أن يدعم الأهل المفهوم الجديد لدى المراهقة عن ذاتها، موضحاً أن الأهل إذا ما شعروا أن ابنتهم تبدي سلوكيات الكبار  يعمدون إلى دعم تلك السلوكيات والصفات لديها، وعدم معاملتها كطفلة حتى لا يتعارض تعاملهم لها مع المفهوم الجديد الذي كونته عن نفسها، نتيجة التغيرات البيولوجية والتغيرات النفسية التي حدثت لها في مرحلة المراهقة.
وأكد أنه كلما كان هناك انسجام في المفهوم حول الذات بين الفتاة المراهقة وأمها تحديداً وبين الوالدين بشكل عام كلما خفت ظاهرة العناد لدى المراهقة.


عدم جاهزية الأسرة لمرحلة المراهقة
ويوافقه الرأي الأخصائي النفسي د. حسن زيادة ويسوق المزيد من الأسباب لظاهرة العناد لدى الفتاة المراهقة خاصة تجاه أسرتها، فهو يرى أن عدم جاهزية السلطة الأسرية لمرحلة المراهقة؛ يؤدي إلى الصدام والعناد خاصة وأن المراهق مع بداية انتقاله من مرحلة الطفولة إلى النضوج يبدأ في فرض رأيه الشخصي، ويحاول التأكيد عبر كل تصرفاته أنه صاحب القرار في القضايا الخاصة به.
ودعا الدكتور زيادة خلال حديثه مع (لها أون لاين) الآباء والأمهات خصوصاً إلى تفهم التغيرات التي تحدث للمراهق والمراهقة في هذه المرحلة، سواء التغيرات السيكولوجية أو الفسيولوجية، ومحاولة إيجاد أنماط جديدة للاتصال والتواصل بينهم وبين أبنائهم المراهقين، قائمة على الحوار والنقاش، وتبادل الآراء ووجهات النظر بعيداً عن الفرض والإكراه.
شارك في إعداد هذا التحقيق: ميرفت عوف من فلسطين، ومنير أديب من القاهرة.

JoomShaper