طارق مصباح
يرجعها بعضهم إلى الموضة، وآخرون يقولون إنها العولمة، وينبري بعض آخر ليقول: لا تقصروا أولادكم على آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. لكن من الناس من يستاء مما يلبس بعض الشباب ومما يتصرفون. نحن نتكلم على ملابس يرتديها بعض الشباب تحمل رموزاً وعبارات مسيئة أو خادشة للسلوك العام في المجتمع، وقد لا يعرف لابس هذه الثياب ما تعني الرموز والعبارات التي يحملها ثوبه.. فتعالوا نرَ هل تستحق هذه الملابس الضجة التي تثار عليها؟ وما نتائج ارتدائها في مجتمعنا؟ وما أضرارها إن كانت مضرة أو منافعها إن كانت نافعة؟دعوة للشذوذ والميوعة ذات مساء توجهت وأسرتي الصغيرة إلى ''هايبر ماركت'' لشراء ملابس شتوية لطفلتي الصغيرة، فوقعت عيني صدفةً على إحدى الفانيلات التي تناسب بنات لا تتعدى أعمارهن العاشرة وعليها صورة تنافي قيمنا وتدعو إلى الانحلال والتفسخ الأخلاقي.
راعني هذا المشهد ودعاني لزيارة المزيد من الأسواق، وسؤال الأهل والمعارف والمواطنين، والبحث في هذا الموضوع لمعرفة حدوده في مملكتنا، ثم تواصلت مع بعض المسؤولين وأهل الرأي والمشورة والحل والعقد. التقيت شباباً في إحدى الأسواق، وسألتهم إن كانوا شاهدوا الفانيلات التي تحمل الصور أو العبارات المسيئة أو الخادشة للحياء، فأجابني فلاح محمد (طالب جامعي/ 21 سنة) أنه رآها ولبسها أحد الطلاب في الجامعة فنبهه زميل له أن يتركها.. كانت تلك الفانيلة برتقالية ومكتوب عليها أربعة حروف هي مختصر لجملة سيئة تدعو إلى الشذوذ ومعروفة عبر المواقع الإلكترونية. لكن زميله جمال مبارك (طالب جامعي/ 21 سنة) أكد أن هذه البضاعة يمكن العثور عليها في بعض المحال الكبيرة أو الصغيرة جداً، وتهدف إلى هدم القيم والاستهانة بالدين، على حد قوله. وتساءل زميلهم باسم علي (طالب جامعي/ 21 سنة) عن صور الحشمة والعفاف التي غابت عن الكثير من ملابس الفتيات والشباب والتي أصبحت توصف بأنها ''تخلف وعصبية وتأخر''! وقال جمال علي (طالب جامعي/ 21 سنة) باستياء واضح: إن كثيراً من ملابس الشباب هذه الأيام تشبه ملابس البنات ببريقها وزخرفتها وهي تولد شعوراً بالميوعة لمن يلبسها! أوقفوا هذا الغزو تركت هؤلاء الشباب لأتجه نحو أحد أولياء الأمور لأرى من أية زاوية ينظرون إلى هذه القضية التي وصفها أحدهم بأنها ''كارثة على السلوك المجتمعي''؟ أحدهم كان مع أسرته في أحد المحال فاقتربت منه وسألته عن الملابس التي أحدثت كل هذه الضجة، فالتفت إليّ مبتسماً وقال: إذا سألتني عن ملابس الأطفال فأنا أقول لك إن بعض ملابس الشباب والفتيات أيضاً عليها عبارات ورسوم وشعارات لا نعرف معناها ومغزاها وإلى ماذا تدعو، ففي إحدى المرات اشتريت لولدي الصغير بلوزة عليها شعار اعتقدت أنه لناد، ولكن بعد أن بحثت عن معاني ألفاظه عبر الإنترنت تبين لي أنه تابع لمنظمة تدعو إلى الشذوذ والفاحشة. وتساءل: أين المسؤولون من مراقبة هذه المحال؟ إن كثيراً من المحال تبيع هذه البضاعة جهاراً نهاراً.. وفي هذا خدش للحياء، فمن المحزن والمخزي ما نلاحظه من ملابس عليها عبارات متقاربة بحجم صغير وعندما نحاول قراءتها يتبين لنا أنها عبارات غير لائقة، نتمنى من المسؤولين المعنيين إيقاف هذا الغزو الفكري والثقافي الذي نتعرض له والتقليد الأعمى لكل ما هو مستورد من الخارج لأننا بالفعل قلقون على شباب المملكة فهم عمادها ومستقبلها الواعد وهذه الأمور تهدم ولا تبني والمستفيد منها أشخاص لا ضمير لهم ولكنهم يعبدون الدينار والدرهم ولا تهمهم مصلحة الوطن ولا أهله. ملابس منافية للأدب إلا أن المواطنة عالية سالم (ربة بيت/ 45 سنة) وصفت ظاهرة تنامي انتشار الملابس التي تحمل معاني فاضحة، من دون أن يتنبه بعض الناس إليها، بأنها نذير خطر في حياة أبناء مجتمعنا المحافظ، لذا فإنها وإن جاءت من بلاد الموضة إلا أنها مقززة للنفس السوية ومنافية لأبسط قواعد الأدب الاجتماعي والذوق السليم الذي يتحلى به المواطن المسلم في بلادنا العربية، فهي إن كانت مقبولة هناك، فإنها غير مقبولة عندنا تحت أي مسمى أو مسوغ. نصيحة ودعوة ووجه الموظف الحكومي جابر العبدالله (50 سنة) نداءً تربوياً إلى إخوانه قائلاً: إن أعداء الأمة علموا أن الشباب هم عماد أمتنا فبصلاحهم يصلح المجتمع وبفسادهم تنهار الأمم وتندحر فهم بناة المستقبل والجيل الذي يمثلونه هو نواة قادة المستقبل لذا عملوا لتمييعهم ونشر الفتن الأخلاقية التي تنحدر بهم نحو سفاسف الأمور، وعليه فأنا أدعو أبنائي وبناتي إلى التقيد بلبس الملابس التي تحمل الطابع العربي والابتعاد عن التشبه بغيرهم من أهل الملل الأخرى ناهيكم عن لبس أي لباس يحمل ألفاظاً مجهولة المعنى أو صوراً غامضة توحي بدعوة إلى أي منكر أخلاقي. الشريعة حذرت ولتوعية الشباب والفتيات بخطورة ارتداء مثل هذه الملابس والإكسسوارات التقيت عضو رابطة علماء مجلس التعاون الخليجي الشيخ علي مطر الذي قال إن الأصل في الملابس الإباحة، إلا ما نهت عنه الشريعة الإسلامية، كالملابس التي لا تستر العورة، أو تلك التي فيها تشبُّهٌ بغير المسلمين، كأن يرتدي المسلم ملابسهم الخاصة بهم وبشعائر أديانهم، إذ حذر رسول اللَه صلى اللَه عليه وآله وسلم عن التشبه بقوله: ''من تشبه بقوم فهو منهم''، أو تشبه الرجال بالنساء وبالعكس لما ورد في صحيح ابن حبان ''أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل''، وقال إن الشريعة منعت كل ما يتعارض مع عقيدة المسلم وأخلاقه وسمته، ويؤدي إلى الرذيلة والفاحشة، مثل تلك الملابس التي تحمل صوراً قبيحة أو عبارات ممجوجة تتنافى مع أبسط سلوكيات الإنسان السوي وقواعد الذوق العام، وتتعارض مع الأخلاق والفضيلة، فبعض العبارات والصور تدعو إلى ممارسة الفجور والفاحشة، أو تعاطي المسكرات والمخدرات والتدخين، وبعضها رموز لأديان ومعتقدات وثنية،... إلخ. اختيار الملابس ودعا مطر إلى ضرورة اختيار الملابس بدقة عند شرائها، لأن هناك من يشتريها وهو يجهل معنى تلك الصور والرموز والكتابات، موضحاً خطرها ومبيناً أن ارتداء هذه الملابس فيها تقليد ومتابعة للكفار، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك في قوله ''لتتبعن سننَ من كان قبلَكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحرَ ضبٍّ تبعتُموهم''، وقد قال الله تعالى ''فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ''. الإمساس والإحساس وحول الأثر الاجتماعي المترتب على انتشار هذه البضاعة زاد مطر بقوله إن لهذا كله تأثيراً على المدى القريب والبعيد، منها أن الشباب يعتادون على تلك العبارات ويألفونها، فيقل إنكارها، فكما قيل مع كثرة الإمساس يقل الإحساس. وأضاف: إن هذه الملابس تؤدي إلى الميوعة والتجرؤ على المنكرات، ونشر السوء في المجتمع، بدليل قول الله تعالى ''إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون''. هبت رياح العولمة للظاهرة أبعاد اجتماعية، فهي تبدأ بحالة قبول نفسي تتبعها سلوكيات اجتماعية، هذا ما نستشفه من كلام الشيخ علي مطر، ولكن هل لهذا التصرف تفسير نفسي؟ التقيت رئيس قسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة البحرين الدكتور شمسان المناعي فأرجع أسباب هذه المشكلة إلى العولمة، وقال: إن هذا الأمر يحزّ في أنفسنا كآباء وأولياء أمور ولعله من آثار العولمة التي (ما خلت شي إلا ودخلت فيه) فرياح العولمة أثرت حتى على ملابس الأطفال والشباب بجنسيهما، وهذه العبارات تخل بقيم المجتمع البحريني وآدابه وأخلاقه. الآثار النفسية والاجتماعية وعن الأثر النفسي التي تشكله هذه الأنواع من الألبسة قال المناعي إن هذا اللباس ليس فقط لستر الجسم وإنما سيحدث اتجاهاً يتبناه الشاب أو الفتاة لأنه يدعم هذا النوع من الاقتداء ويوجهه نحو التقليد العملي. وأضاف أن من يلبس تلك الملابس سيتبنى غداً منظومة قيمية تنافي السلوك المجتمعي والثقافة البحرينية، وهنا مكمن الخطر على أبنائنا! وهذا ما سينعكس سلباً بلاشك على مؤسسات المجتمع وبخاصة الأسرة، في حين إن المجتمع البحريني ثقافته عربية إسلامية وإن مثل هذه الثغرات ستسمح بتغيير النمط الفكري بنحو ينافي القيم الأصيلة للمجتمع. ودعا المناعي الأسرة والوالدين بخاصة لمزيد من الرقابة القائمة على المعرفة، كما وجه نداءً إلى المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية ووزارة التجارة والجمارك للوقوف في وجه هذه الأمور ليكون سلوك الأبناء إيجابياً يخدم المجتمع ويسهم في بناء الوطن. أمور تنافي الدستور وعن الدور التشريعي لوقف هذه المهازل بحق الأخلاق الحميدة والقيم المحمودة في المجتمع البحريني التقيت عضو مجلس النواب النائب عبدالحليم مراد الذي أكد أنه تلقى شكاوى عديدة من المواطنين بهذا الشأن، كاشفاً عن أنه خاطب أكثر من مرة وزارة الصناعة والتجارة، مؤكداً أن المحال التجارية تحتاج إلى تفتيش دوري مكثف ودقيق على بضاعتها، الأمر الذي يتطلب تعاون التجار وأصحاب المحال مع المفتشين. وقال مراد إن دستور المملكة ينص على أن دين الدولة هو الإسلام وبالتالي فإن كل ما يسيء إلى ديننا بأي صفة من الصفات يجب علينا إبعاده. ولم ينس مراد التطرق إلى دور مجلس النواب في هذه القضية فقال: إننا نحتاج إلى تشريعات جديدة مشددة بهذا الصدد وتشديد العقوبات والجزاءات بمن يعبث بأخلاق شبابنا. وشدد مراد على أن هذه الملابس بما تحويه من صور أو عبارات وألفاظ لا يقبلها العقل ولا العرف ولا النظام، وعلينا محاسبة المسؤولين عن إدخال هذه الملابس وترويجها وإذا زعم بعض الناس أن الملابس تندرج تحت مسمى الحرية فهي ليست كذلك لأنها تعتدي على حريات الآخرين الذين يرون في هذا النوع من الملابس هدماً لقيمهم وثلماً لأخلاقهم وأذواقهم. تجاوزات وتراخٍ النائب جاسم السعيدي أوضح لنا أن مجلس النواب قام خلال الفصلين التشريعيين الأول والثاني بمناقشة هذه القضايا، مبيناً ''أن هذه الأمور لم تغب عن أذهاننا''، مشدداً على أن قيم البحرين وعادات المجتمع الأصيلة تنافي هذه التصرفات الفردية التي يمارسها بعضهم. وأكد السعيدي أن الوقت حان لسن المزيد من التشريعات والقوانين لوقف هذه المهازل التي مازالت مستمرة ونراها بين الحين والآخر بسبب وجود تجاوزات قانونية وتراخٍ من المسؤولين المعنيين، وهذا الأمر سيؤدي إلى فساد إداري وأخلاقي الأمر الذي يستلزم معه الوقوف في وجهه بقوة بحسب الآليات المتاحة لنا. لكننا في الختام نرى أن التطور في مجالات الحياة لا يمكن لأحد إيقافه ولكن علينا أن نوفق بين هذا التطور وبين قيم مجتمعاتنا فما يصح في مجتمع لن يصح في غيره والعكس صحيح، وفي بعض بلاد العرب مثل متداول يقول: ''كُل ما يعجبك والبس ما يعجب الناس''.
عبارات مسيئة وصور فاضحة على ملابس للشباب.. فأين الرقابة؟
- التفاصيل