لا يكاد يخلو محفل أو منتدى من التعرض لأحوال الشباب وانتقادهم بدعوى أنهم أصبحوا يستهترون بالقيم والعادات، وأنهم أصبحوا يركنون لحياة الدعة والخمول، ولا تحدثهم أنفسهم بأن يبحثوا لأنفسهم عن مستقبل مشرق أو أن يقوموا بعمل يمكن أن يضيف شيئًا للمجتمع. فلماذا لم يعد الشباب يتحلى بروح المسؤولية التي كانت سائدة في الماضي؟ ولماذا أصبحوا هدفًا للانتقادات من الجميع؟ وهل صحيح أن حياة الترف والرفاهية التي وفرها لهم ذووهم أصبحت دافعًا لهم على عدم الاعتماد على النفس؟ "الرسالة" توجهت بهذه الأسئلة لمجموعة من التربويين والمختصين فكانت الحصيلة التالية: الاهتمام بفترة الطفولة بداية يرى المتخصص في المشاكل والاستشارات النفسية الأستاذ علي عشيري أن من أسباب ميوعة الشباب وكثرة هزلهم وعدم جديتهم في أغلب الأمور تكون بسبب اعتمادهم على والديهم أو أقاربهم في البحث عن الفرص الوظيفية وكذلك في حل مشاكلهم، ويقول: هذا هو السبب الذي جعل كثيرًا من شبابنا وبناتنا يعيشون في ميوعة زائدة تؤثر عليهم سلبًا. هؤلاء تناسوا أنه لا بد من الجد والكفاح في هذه الحياة الدنيا، لأنهم لا يقدِّرون معنى الحياة وكل همهم ينحصر في أكلهم وشربهم ومصدر دخلهم، وهذه الأشياء الرئيسة توفرت لهم دون عناء، لهذا نجدهم يتفاخرون بالسلبية وعدم الجدية وكأنهم حققوا إنجازًا فريدًا لم يحققه أحد قبلهم. ونوَّه عشيري إلى أن علاج هذا الموضوع لا بد أن يتم تداركه وبتره من أساسه وبدايات تكونه في فترات الطفولة الأولى، وقال: هذه المرحلة هي مرحلة البناء وباستطاعة ولي الأمر المسؤول عن الشاب أن يعدل الطفل منذ نعومة أظافره، وذلك بتعليمه وإفهامه أن المرء عليه مسؤولية، ويمكن أن يتم ذلك بإعطائه مصروفه اليومي في بداية كل أسبوع وإخباره أن يتعلم الانتظام في حياته، وفي هذه الحالة سيتعلم الطفل أن عليه الجد والاجتهاد في جميع أمور حياته لأن هذا المثال سيغرس في نفسه حب التنظيم والاعتماد على النفس بخلاف الشاب الذي يجد كل شيء جاهزًا من والديه، فهنا يصبح الشاب "مائعًا" وعديم الإحساس بالمسؤولية، وهنا تكمن المشكلة ونرى كثيرًا من المشاكل الناتجة بسبب ذلك. دفعهم لتحمُّل المسؤولية وبدوره يطالب الشيخ علي حريصي الشباب بالجد والاجتهاد في أمور حياتهم وأن يجعلوا كذلك نصيبا معقولًا للمزح والضحك الذي يريدوه، وقال: الدين الإسلامي لا يقيد الحريات، وإنما يضبط حياة المرء ولا يجعلها هكذا بلا حسيب ولا رقيب من أجل مصلحة المرء ذاته.
وأذكر الشباب بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". ونوَّه حريصي إلى أن الأمة الإسلامية تقوم على شبابها الذين هم رجال المستقبل، فعلى جميع الشباب أن يكونوا بقدر المسؤولية التي كلِّفوا بها وألا ينتظروا من أولياء أمورهم أن يتولوا الإنفاق عليهم بعد أن يكبروا أو يبحثون عن واسطة لمساعدتهم وأن يكونوا أهلا للثقة والمسؤولية التي كلفوا بها. واختتم حريصي بنصيحة لأولياء أمور الشباب والأطفال الذين هم شباب المستقبل للانتباه بتقوية شخصية أبنائهم من البداية، وأن يعطوهم ما يريدون وأن يربوهم ويجبلوهم على تحمُّل المسؤولية منذ الصغر كي يكونوا على مستوى المسؤولية عندما يتقدمون في السن.
التأثير السلبي للفضائيات أما المستشار الاجتماعي الأستاذ فيصل المالكي فقد أرجع الأسباب لحياة الترف التي عاشها الشباب منذ الصغر، وقال: هؤلاء الشباب اعتادوا على حياة الدعة والدلال التي عاشوها عندما كانوا صغارًا، للأسف فإن الشباب المستهتر قد ازدادت أعدادهم بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وأرى أن السبب في ذلك يعود لتأثرهم بالأفلام التي يتابعوها والتي تروج إلى أن الشباب يستطيع تطبيق أفلام الأكشن التي يشاهدها في القنوات الفضائية، ويتصور هؤلاء المستهترين أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا عبر بوابة الاستهتار واللامبالاة بأمور الحياة، وكأن هذا هو الإنجاز والمعجزة التي يطمح لها. وبين المالكي أن هؤلاء الشباب ذوو تفكير متقوقع وفي بعض الحالات يصعب انتشالهم من الحالة التي يعيشونها، لأنهم متأثرين بالقصص الخرافية، وكأن الأفضل لهم أن ينصرفوا إلى كتبهم ودراستهم حتى يطوروا من أنفسهم ويحسنوا واقعهم. ولانتشال هؤلاء الشباب من مستنقع التخيلات والأوهام يصف المالكي خريطة الطريق بقوله: علينا أن نوضح لهم بجلاء أن ما يشاهدوه على شاشات التليفزيون عبارة عن خيال وتصورات لا سند لها في الواقع، وأن ما شغلوا أنفسهم به هو مجرد أفكار سطحية وأحلام طفولية.
كذلك ينبغي علينا أن نريهم أن العظماء الذين تركوا بصمتهم على هذه الحياة وأصبحوا يشار إليهم بالبنان لم يفكروا في مثل ما يفكرون فيه بل جدوا وكافحوا حتى وصلوا لمبتغاهم. ومن المهم أيضًا الجلوس مع الشباب والتحدث إليهم ودفعهم للتفكير فيما حققوه طوال سنوات عمرهم وهل يكفي ليكون ثمنًا لما عاشوه أم أن أيامهم قد مضت هباء منثورا ولم تضف للحياة شيئًا جديدًا. ومن الضروري أيضًا أن ننصح الشباب بعدم الإكثار من الهزل والمزاح لأن ذلك جدير بتسفيه الحليم المسدد. وشباب يبررون: حياتنا سهلة فلماذا نقوم بتعقيدها؟؟!! واستطلعت «الرسالة» آراء مجموعة من الشباب وسألتهم عن أسباب الاتكالية واستسهال الحياة، فأجابوا بما يلي: حياة سهلة يوافق الشاب محسن بن ماضي على أن الشباب يستحسن الحياة السهلة ويبرر ذلك بقوله: حياتنا تسير على هذا النحو، فإذا كنا نحصل على ما نريده بالطرق السهلة فلماذا نحاول الوصول إليه بالطرق الصعبة والشاقة.
هذه هي الطريقة التي نشأنا وتعودنا عليها. وسواء اجتهدنا أو تقاعسنا فإن الوضع في النهاية سيكون واحداً في ظل غياب استقطاب المواهب ودعمها. دور الوالدين من جانبه يؤكد فيصل الغامدي وجود اختلاف بين الشباب وأن الناس ليسوا كلهم سواء، ويقول: ليس الجميع سواء ولكن معظم الشباب عندما يجدوا الحياة ميسرة لهم ويستطيعوا الحصول على كل ما يريدوا بسهولة ودون أن يبذلوا أي مجهود فهنا توجد الاتكالية التي نراها عند أكثر من 90% من شبابنا. كثير من الآباء يضرون بأبنائهم بعدم نصحهما، ومن المفترض أن تقام بعض الدورات التدريبية لهؤلاء الشباب حتى لا يكونوا عبئا على أهلهم ومجتمعهم. فشل جزئي عبد اللطيف الفارسي: قد تكون التربية من أهم الأسباب، ولكن إن كان الشاب غير مبالي في بعض الأمور فهنا لا نستطيع الحكم عليه بأنه فاشل، فمن يفشل في مضمار معين يمكن أن يكون ناجحاً في غيره.