أحاسيس ملتهبة وعبارات حب وغرام وغزل يغلب عليها اللهفة والحنين بين شباب وفتيات لم تسنح لهم الفرصة للقاء أو اختلاس نظرة بسبب التقاليد والأعراف التي تنبذ التعارف، فاكتفوا بغرف الشات؛ للتعبير عن تلك الأحاسيس في إطلالة جديدة لحب من نوع خاص.. هو الحب الالكتروني الذي يبدأ عادة من خلال محادثة عابرة أو دردشة حميمة بين شاب وفتاة ليلتقي بعدها قلبان كل منهما يبحث عن الآخر.. لكن هل هذا حب، أم نوع من العلاقات العابرة التي تتفوق أضرارها على إيجابياتها؟.. تفاصيل ذلك نعرفه عبر قصص هؤلاء الشباب.
تقول «رانيا.م»: الانترنت مهد لي التعرف على شخص جاد في مشاعره يتعامل معي بأسلوب عذب، فرغم أنني توقعت في البداية أن علاقتي به مجرد علاقة عابرة تنتهي فور إغلاق الشات إلا أنني وجدت أن السعادة الحقيقية في استمرار الحديث معه، أعرف كل شيء عنه ويعرف هو الآخر كل شيء عني، ووعدني بأن يتقدم لي للزواج فور حصوله على ليسانس الحقوق هذا العام وتعاهدنا على ألا نتقابل إلا في نهاية العام الدراسي حتى لا يشغل كل منا الآخر عن حلم التفوق والنجاح، وحتى الآن أراها تجربة مميزة من كل النواحي.
تجارب إيجابية
بينما تقول نيفين.أ: كنت أسمع عن صداقات متعددة بين الشباب والفتيات عبر الفيس بوك والشات من خلال زميلاتي في الجامعة، حتى صادفت شاباً يتحدث معي بأسلوب رقيق، ونظراً لنشأتي في جو متدين لم أستطع لقاءه أو مقابلته فكان الانترنت هو الذي يجمعنا معاً طوال الوقت سواء على اللاب توب أو عن طريق الموبايل.
تواصل الفتاة: لم أره سوى مرة واحدة في حياتي، وعندما وثقت فيه، لم يمر يوم على مدار عام تقريباً، إلا وأجلس معه على الانترنت حتى ولو لدقائق فإنها تكون كافية للتعبير عن مشاعر كل طرف تجاه الآخر، بالإضافة إلى تجاذب أطراف الحديث في شؤوننا الخاصة والعامة، لتحقيق مزيد من التفاهم بيننا قبل الارتباط رسمياً بعد انتهائنا من الدراسة الجامعية.
الأمر نفسه ينطبق على أيمن.ع، فلم يشعر بدفء مشاعره إلا عن طريق غرف الشات، ويقول: احتوتني بمشاعرها الرقيقة التي كنت أبحث عنها، تحدثنا في شتى الأمور بجرأة شديدة دون أن نتخلى عن الأدب العام في الحديث، وصراحة اعتقدت في البداية أنها متعة وقتية لي ولها لكن سرعان ما اكتشفت صدق مشاعرها فقررت أن أرتبط بها لنتوج حبنا الالكتروني في نهاية العام.
متعة وقتية
ومن مدارس الحب عبر الانترنت إلى المهازل والفضائح التي سقط فيها العشرات بسبب العلاقات العابرة، حيث تقول ألفت.ب: تواصلت مع أحد الشباب عبر الانترنت لمدة 6 أشهر فعرفت كل شيء عنه، وطلب مني أن أقابله في أحد الأماكن العامة، وعندما استجبت لطلبه رغبة مني في التعارف عليه، فوجئت بإنسان آخر يتعامل بغريزته فقط، حيث حاول تقبيلي بدعوى اننا حبيبان وسنتزوج، ومن وقتها لم أدخل مطلقاً إلى غرف الشات.
في حين سقطت حنان.م في ورطة عندما تواصلت مع زميلها في العمل عبر الانترنت، فقد كان يحتفظ بكل الصور التي ترسلها له كذلك رسائل الحب والغرام وقام أيضاً بتسجيل بعض المحادثات.. تقول: كنا متفقين على الزواج فور العثور على شقة، وعندما تقدم لوالدي رفضه دون إبداء أسباب، متعللاً بأنه متعدد العلاقات، وأثناء ذلك تقدم أحد أقاربي لخطبتي فهددني هذا الزميل بفضح أمري أمام أسرتي وأهل خطيبي ولا أدري ماذا أفعل فأنا من أوقعت نفسي في ورطة بسبب الحب الالكتروني.
صدمة
أما ابتهال. م فكانت تعد الأيام والليالي ليصل حبيب قلبها الطبيب السعودي الذي زار مصر عدة مرات، بعد أن اشتعلت علاقتهما العاطفية عبر الانترنت، وأكد لها أنه يرغب في الارتباط بها والإقامة في مصر أو السعودية، وفي الإجازة الصيفية أبلغها بأنه موجود في أحد الفنادق المطلة على نيل القاهرة مع أسرته التي ترغب في التعرف إليها، تقول ابتهال: عندما شاهدته لأول مرة شعرت أن الحياة فتحت لي ذراعيها وأنني أصبحت على أعتاب الاستقرار وبناء حياة زوجية سعيدة، لكنني صدمت عندما وصلت الفندق للتعرف إلى أسرته، حيث وجدته محاطاً بمجموعة من الشباب من جنسيات مختلفة طالباً مني الجلوس معهم، فغادرت الفندق بسرعة وظللت أبكي على الحب الضائع الذي حطم قلبي بسبب استهتار شاب تلاعب بعواطفي على الانترنت.
حقيقة سوداء
وتحكي مروة. ج عن العلاقة الجميلة التي جمعتها بشاب في الخامسة والعشرين من عمره، لكنها فوجئت بأنه تخطى الأربعين فتقول: تعلمت معه معنى الحب أمطرني بكلامه المعسول، وفي النهاية استيقظت على حقيقة سوداء أنه يقترب من عمر والدي، وأنني المرأة رقم اثنين في حياته؛ لأنه متزوج ولا يستطيع الاستغناء عن زوجته وابنه، فكرهت اليوم الذي سهلت فيه التكنولوجيا الحديثة التعارف والحب عبر الأسلاك.
في حين اصطدم إبراهيم. ط، بغرق ابنته في بحر الحب الالكتروني عبر شبكة الانترنت، فيقول: علمت بالمصادفة عن ابنتي التي تقضي ساعات في غرفتها تقرأ على الانترنت وتتصفح كل ما ينشر عن تخصصها في كلية الصيدلة أنها متعلقة بشاب لم تره ولم تتعرف عليه مطلقاً، لم أضرب أو أعنّف، لكنني طلبت منها الابتعاد عن مثل تلك العلاقات، وتوقعت أنها ستكون على قدر المسؤولية، لكنها في العام نفسه تعرفت إلى شاب آخر بالطريقة نفسها ولا أعرف كيف أمنعها من التمادي في تلك العلاقات العاطفية الالكترونية العابرة.
حب مؤقت
إلى هنا ترى د. إقبال السمالوطي، عميد معهد الخدمة الاجتماعية، أن الحب الالكتروني ثلاثة أنواع: محاولة كل طرف التعرف إلى خبايا وحقائق الطرف الآخر، وينتهي ذلك الحب عندما يصل أحد الطرفين إلى ما يبحث عنه من صفات، في حين يعتبر النوع الثاني من الحب الالكتروني حباً مؤقتاً يحدث فيه تبادل نظرات الإعجاب من أحد الطرفين، فتكون علاقة الحب متبادلة حتى يصلا إلى مرحلة تكون كلمات الحب فيها مكررة ولم يعد هناك أي كلام يقولانه أو مشاعر يصرحان بها وينتهي هذا الحب بانتهاء كلمات الحب والغرام.
وأوضحت أن هناك نوعاً ثالثاً من هذا الحب وهو الحب الناتج عن فراغ عاطفي يتخذه أحد الطرفين وسيلة لقتل الوقت، ويبدأ بإعجاب بما يكتبه الآخر الذي ترمي به الأقدار في طريقه سواء كان بنتاً أو شاباً وينتهي هذا النوع في معظم الأحيان بإشباع غريزة العاطفة فقط ولا ينتهي بزواج، والخاسر الأكبر في هذه المرحلة الفتاة.
علاقات فاشلة
بينما يعترف د. عبدالستار إبراهيم، خبير علم النفس الاجتماعي بالجامعة الأميركية، أن الانترنت أحدث انقلاباً في عالم الحب والرومانسية وفي المفاهيم والممارسات النفسية والاجتماعية التي كانت مستقرة في الأذهان، حتى أصبح الأمر في حاجة إلى مراجعة بعد أن تلاشت نظرات العيون والتقاء العواطف، واقتصر الأمر على الانترنت الذي تحرر من كل قيد أو ضابط اجتماعي أو رقابي بحكم الخصوصية التي يوفرها للشاب والفتاة.
ويؤكد أن المشكلة الحقيقية في الحب الالكتروني تتمثل في اصطناع الحب بين الطرفين، فلا يستطيع أحد أن يجزم بأن الطرف الآخر يحبه أم يتلاعب به، كما أن الصورة التي تكونت عن هذا الشخص عبر المحادثة لا تكون عنواناً لزواج ناجح، لافتاً أن هناك فرقاً كبيراً بين الواقع والخيال، حيث لا يجد الشاب فتاته بنفس الأخلاق أو الجمال أو الالتزام السلوكي، والعكس أيضاً بالنسبة للفتاة، والنتيجة علاقات فاشلة لا تنجو منها سوى زيجات معدودة.
الحب الالكتروني علاقات عابرة لا تخلو من كذب ونفاق
- التفاصيل