مدحت الأزهري

ينفق الكثيرون قدرا من مالهم -قل أو كثر- لممارسة هواياتهم بقصد التسلية والاستمتاع وقتل الوقت ليس إلا، ولكن هل فكروا في تحويل هذه الهوايات إلى فرصة عمل؟!
مع تفاقم موجات الغلاء وانتشار البطالة وندرة فرص العمل ذات الدخل المعتبر وتفاقم الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية أقدم بعض الشباب على ذلك بالفعل، ونجحوا في توفير مصدر دخل، تحولت معه الهواية إلى متعة وفائدة مادية في آن واحد.


أحمد جمعة وأسامة البارودي ومصطفى عبد الواحد ومحمد مصطفى وصادق الوراقي نماذج من هؤلاء الشباب، نجح الأول في تحويل هواية السفر والترحال إلى العمل كوكيل لكبرى شركات السياحة ووكلاء السفر باليابان، فيما استطاع الثاني تحويل هوايته الفنية إلى منتجات من فن الأركيت يبيعها لمحلات الهدايا، وقاد حب الخامس للتجارة إلى هجر العمل الحكومي والتحول إلى إنتاج وتسويق ملابس الأطفال بالأحياء الشعبية، وأصبح الثالث صاحب محل لبيع العطور مستغلا هواية تركيب العطور، واستثمر الرابع حبه للزهور وتنسيقها في صنع باقات من الورد الصناعي.

 

مسافر زاده الخيال

صاحب التجربة الأولى أحمد جمعة بدأت قصته عندما واتته فرصة السفر لليابان مرافقا لأخته التي حصلت على منحة لدراسة الدكتوراه.

لم يجد جمعة هناك ما يشغل به فراغه بعد أن أعياه البحث عن عمل دون جدوى وتبخرت أحلامه الوردية في الثراء السريع.

ومن باب تمضية الوقت عكف على تعلم لغة أهل البلاد، وأتاح له ذلك القدرة على تجاذب أطراف الحديث معهم، والذي لم يكن يخرج عن حضارة بلاده وجوها الدافئ والمقارنة بينها وبين حضارة اليابان، حتى جعلهم يتشوقون لزيارة مصر.

ويمضي جمعة ساردا قصته: في ذات مرة سألني أحدهم عن الوكالات المتخصصة في السفر والسياحة، وحصلت من إحداها على كل المعلومات اللازمة وبعض المطبوعات الإرشادية وقدمتها لسائلي في اليوم التالي.

كان إعجاب الرجل بنشاط جمعة نقطة فارقة في حياته، فقد فاجأه بعد أسبوع برغبته في التعاقد، وسأله عن التخفيض المسموح به للمجموعات السياحية.

لم يكن جمعة حينها على علاقة بوكالة السفر اليابانية، وكان كل ما يربطه بها أنه يحصل منها على معلومات يمد بها صديقه الياباني.

ولكنه عندما عاد للوكالة ليحصل منها على إجابة عن سؤال صديقه الياباني أعجب مديرها باهتمامه، ورأى في ذلك ميزة مهمة يتطلبها العمل بفريق التسويق لديه.

عرض بالفعل صاحب الشركة على جمعة العمل، فاندفع بحماس منقطع النظير وسط التجمعات المهنية المختلفة حتى تجمع لديه 15 راغبا في زيارة مصر.

عرض عليه صاحب الشركة مرافقتهم إلى مصر، فهو أدرى بشعابها، وتوالت زياراته بعد ذلك بمرافقة الأفواج السياحية التي يقوم بجلبها، وأصبح وكيلا بالعمولة لكبرى شركات السياحة ووكلاء السفر باليابان.

ومع اعتراف جمعة بأن الصدفة لعبت دورا في قصته فإنه يقول لـ"إسلام أون لاين": "لولا عشقي الفطري للسفر والترحال لما نجحت".

ودأب جمعة منذ أن كان طالبا بالجامعة على تنظيم رحلات لزيارة المناطق السياحية بمصر.

ويضيف: "ساعدني ذلك أثناء عملي مع الوفود الأجنبية".

فن مربح

تفاصيل قصة الشاب الثاني أسامة البارودي تتفق في أشياء وتختلف في أخرى مع القصة السابقة.

فجمعة صاحب القصة السابقة لم يكن يعمل وقادته الصدفة لعمل يتفق مع هواياته، أما أسامة فيعمل بالفعل في وظيفة حكومية، لكن دخلها المحدود جعله يستثمر هوايته الفنية في إبداع نماذج من (فن الأركيت) ليبيعها لمحلات الهدايا.

وتتشابه القصتان في أن الصدفة هي التي قادتهما لاستغلال الهواية في عمل مجد ماديا.

فأسامة بعد أن ضاق ذرعا من كثرة الأعمال الفنية التي تملأ بيته، حتى أنه لم يعد به مكان خال، لجأ إلى التخلص من بعضها بإهدائها إلى أصدقائه ومعارفه، وكان والد أحدهم يملك متجرا للخردوات فعرض عليه أن يعرضها بمتجره، وبدأت مشغولاته تختفي من منزله رويدا رويدا ويمتلئ في المقابل جيبه بالمال، شجع ذلك أسامة على الإكثار من أعماله الفنية ورفع ثمنها لتحقق له دخلا صافيا يعادل ثلاثة أمثال دخله من عمله الحكومي.

"التجارة شطارة"

نفس الدافع الذي كان عند أسامة هو الذي قاد صادق الوراقي إلى التمرد على عمله الروتيني بأحد البنوك، وجرفه حبه للتجارة إلى شراء ماكينة حياكة بالتقسيط وثوب قماش، وشجع زوجته على تفصيل بنطلونات للأطفال الرضع ليبيعها بنفسه في ميدان العتبة "وسط القاهرة".

غير أنه تعب من ملاحقة شرطة البلدية وتضييقها الخناق على الباعة الجائلين، ولأن "التجارة شطارة" كان صادق جاهزا بالبدائل، فلجأ لتوزيع إنتاج زوجته على المحال والعربات الثابتة والمتنقلة والأرصفة بالأحياء الشعبية.

واتسع نشاط صادق شيئا فشيئا حتى صار واحدا من أكبر منتجي ومسوقي ملابس الأطفال بالأحياء الشعبية.

عطر بلدي

وتبدو قصة مصطفى عبد الواحد مختلفة إلى حد ما، فهواية تركيب العطور لم تكن موجودة عنده بالفعل، ولكن الظروف هي التي وجهت نظره تجاهها.

فعندما اقترب عرس صديق مصطفى فكر في إهدائه زجاجة عطر لأنه محب للعطور.

هال مصطفى أثمانها الباهظة التي لا يقدر عليها بموارده المحدودة، وأخبره البائع أن بإمكانه شراء مثيل لها مركب يدويا بثمن زهيد في مقدوره.

ذهب مصطفى إلى المحلات التي توفر شبيه العطور الأصلية، لكن لم يرقه البديل، فأخبره البائع أنه بمقدوره أن يرفع الثمن قليلا لقاء رفع تركيز زيت العطر الخام، وجعل له الخيار بين عدة تركيزات حتى توصل لأقرب شبيه للعطر الأصلي بثلث ثمنه تقريبا.

من يومها راق له أن يستثمر وقت فراغه في تقليد ماركات العطور العالمية وفك شفراتها، وتردد على البائع يساعده في عمله بلا أجر مادي حتى تعلم منه أدق تفاصيل تركيب العطور.

وكان كلما نجح في تقليد أحدها اشتد شغفا في تقليد آخر حتى لم يعد يستعصى عليه أي تركيب، بل كثيرا ما كانت تركيبته تروق للزبائن أكثر من العطر الأصلي ذي الماركة العالمية.

وابتكر مصطفى العديد من التركيبات الخاصة به وانهالت الطلبات على صديقه البائع وذاع صيت متجره، فعرض عليه أن يشاركه خشية أن يتركه بعدما اكتسب تلك الخبرة الواسعة واتسع نشاطهما ونجحا في عقد بعض الصفقات لتصدير إنتاجهما إلى بعض الأسواق العربية.

لغة الورد

أما محمد مصطفى فقدم نموذجا آخر للهوايات المربحة، حيث استثمر حبه للزهور وتنسيقها في صنع باقات من الورد الصناعي وبيعها لمتاجر الزهور والمكتبات والخردوات مما در عليه دخلا كبيرا ساعده على تحويل مجرى حياته.

ويقول إن صنع باقات الزهور الصناعية هواية بسيطة لا تتطلب غير مقصف وشمع ومسدس شمع وأفرع من الورد الصناعي مختلف الأشكال والألوان وإلمام بقواعد فن تنسيق الزهور.

وتبدأ باختيار شكل وحجم الباقة وانتقاء أفرع الزهور المناسبة وتهيئتها بالمقصف وفقا للطول المطلوب ثم تعريض الشمع لمصدر حراري ليتحول إلى شمع سائل فيصب في الوعاء ويترك دقيقة ليتحول إلى شمع لدن وعند هذه المرحلة تزرع الزهور داخل الوعاء وفق التنسيق المراد ويترك الشمع ليجف.

وتتطلب هذه الهواية -كما يؤكد محمد- حسا فنيا خاصا، وإن كان يمكن ممارستها بتقليد صور للباقات.

واستطاع محمد تنمية هوايته من خلال حضور معارض تنسيق الزهور، وكذلك من خلال الإنترنت، حيث انضم لمجموعة من الهواة يتبادلون فيما بينهم أحدث التصميمات والأخبار والمعلومات عن الزهور حتى صار خبيرا بأنواع الزهور ومواسمها وألوانها وأسمائها وروائحها وأسعارها.

وساعده ذلك للتحول إلى تنسيق الزهور الطبيعية أيضا، واستطاع تكوين خبرة واسعة بالمجال حتى إن بعض المحال تطلبه ليقوم بصنع باقات للمناسبات السعيدة لحسابها، كما توفده مندوبا عنها لتلبية احتياجات بعض زبائنها من ذوي الأذواق الراقية.

أساس التنمية

ويرى د. يوسف إبراهيم، مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، في هذه القصص تأكيدا على حقيقة أن داخل كل فرد منا مهما تواضعت قدراته وإمكانياته طاقات كامنة.

ويقول د. يوسف إن اكتشاف هذه الطاقات وتزكيتها هو الطريق الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة للفرد بما يعود عليه وعلى مجتمعه وعلى البشرية كلها بالنفع.

ويضيف أن الفرق بين الأمم الغنية والفقيرة هو مدى قدرتها على إتاحة البيئة المناسبة لإطلاق أو إخماد هذه الطاقات.

وينصح د. يوسف كل فرد أن يبحث داخل ذاته عن الهواية التي يعشقها ولا يخجل من عرض إنتاجه منها على الآخرين بمقابل أو بدون.

 

إسلام أون لاين

JoomShaper