عبير النحاس
ليومين فقط كنت ألمح في عيني طفلي ذلك البريق دون أن أعرف مصدره, وكنت أرى حركة غير معتادة قد اجتاحت جسده.
طفلي في السابعة عشر من عمره و قد فاقت قامته قامتي طولاً, لكنه سيبقى طفلي و لو بلغ السبعين, فما زالت صورته وهو في حضني ترافق مخيلتي مهما تغيرت الصورة في الواقع.
وبما أنني أم قد رصدت لأولادها الكثير من وقتها وفكرها فقد شغلني البريق وشُغلت به, ولم أقترب من حرَم خصوصية الشاب اليافع فقد كنت أنتظر قدومه نحوي بنفسه. عندما اضطررت لتسجيله في تلك المدرسة الثانوية المختلطة كنت أرجو أن يكون عصيا على الوقوع في مثل ما وقع به, فقد كانت شُحنة الخوف من الله - تعالى - والخشية على أعراض الناس حاضرة في كل حديث نتبادله معا, وكنت أُذكره دائما بأن ما يفعله مع بنات المسلمين سيُفعل مع إحدى البنات في عائلته يوما ما, وقد مضت السنة الأولى والثانية بسلام, بل كان هو فيها طبيب القلوب لغيره من الشبان, وكان الناصح الأمين والمستشار المؤتمن لكل القصص التي يتم عرضها عليه وكان يحكيها لي فأستفيد منها كمادة أدبية, وأُقدم له بعض النصْح من وجهة نظر أُنثوية,  ونقرر معا الحلول والطرق المناسبة ليخبر بها من استشاره.
وبدا الأمر مختلفا هذه المرة, فطبيب القلوب قد وقع في ما حذرَ وحذرتُ منه, وبدا البريق في عينيه يخالطه هم وحزن واضح لا تخفيه عن قلبي تلك المهاتفات لأصدقائه أو زيارته لهم وزياراتهم لمنزلنا, وكنت أرقبه من بعيد وأرى اجتماعاته الطويلة بأخته التي تصغره بعام وأُدرك أنه يبثها أسراره فأستدير مبتعدة آسفة على طيران عصفوري الجميل من بيت صداقتنا معا.
بالتأكيد لم تكن فكرة المدرسة المختلطة ترضيني وكنت أُدرك خطورة هذه السن, ولم أكن لأبحث عن مثلها ولكنها الظروف التي تحكم على البشر وتقودهم نحوها قوانين الأماكن التي يعيشون فيها, وكنت أدرك أيضا أن امتحانا كهذا لا بد وأن يخوضه كل الأولاد يوما في جامعاتنا, ولا فرق بين ما هو فيه وما سيراه في الجامعة سوى أنه ما زال في عمر أشد خطرا وأكثر عُرضة للانفعالات والتصرف الطائش.
وحدث ما انتظرته واقترب مني أخيرا, وابتسم عندما أخبرته أنني أرى ملامح محب أو عاشق على وجهه, وقرأ علي قصيدة نظمها في ما يعانيه من صراع بين ما يشعر به وما يريده ويدرك صحته, وابتسمت لجمال ما نظم, وأخبرني أن القصة بدأت بنظرة, وكان وجهه يطفح كل حين بلون وردي محبب جميل, وأخبرني أنه خان نفسه بنظرة عندما طلب منه زميله رؤية صبيَّة كان أحد زملائه يحاول غوايتها, وأخبرني أنه كان مُعجبا بتعففها وعزة نفسها, وأخبرني أنه وقع وأن قلبه خفق من تلك النظرة.
كنت ألمح عذاباته وأنه ما أراد أن يكون عاصيا لله يوما, وكنت أشعر بنبض قلبه أيضا وأدرك أن سهما ساما وصل لقلب صغيري.
ابتسمت له ومسحت رأسه ودعوت له أن ينجيه الله من محنته, وأخبرته أن ما عليه فعله هو أن لا يعيد تلك النظرة, وأن يدعوا الله لقلبه بأن يُفرغ مما لا يحبه له ويرضاه, وأنه لن يحاسبه إلا على ما يقول ويفعل.
طأطأ  مبتسما وقد احمرت وجنتاه, وقال: سأفعل إن شاء الله.
لم أزد على ما قلته, و لم يخبرني هو بشيء, لقد كان الأمر محرجا.
لكنني كنت أرى ارتياحا في نفسه وروحه, وأخبرتني بعدها ابنتي - التي تبادله ويبادلها الأسرار- أنه انتهى من حالة الحب تلك, وسقطت من عينه تلك الصبية, عندما تركت بعضا من العفاف.

JoomShaper