د. حياة با أخضر
نحن مسلمون واجب علينا أن نبتغي الخير لبعضنا، ونحسن الظن ببعضنا، ولكن من وضع نفسه موضع شبهة فلا يلومن إلا نفسه، فأتمنى ويتمنى معي كل مسلم ألا يعين أخاه على سوء الظن به، وبالمقابل ألا يضع نفسه موضع شبهة تعين على ذلك، وعلى المسلم العاقل بالتالي ألا يضع نفسه موضع شبهة وهو على حق، ومن أمامه قد يظن به ظنا سيئا ولو بنسبة ضئيلة فهذا قدوتنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم لما خرج من معتكفه ليرد زوجته أم المؤمنين صفية رضي الله عنها إلى بيتها حدث ـ كما جاء في الصحيحين ـ عن صفية أمّ المؤمنين رضي الله عنها "أنها جاءتْ رسولَ الله صلى الله عليه و سلم تزُورُه في اعتكافِه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدّثتْ عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه و سلم يقلّبُها حتى إذا بلغت بابَ المسجد عند باب أمّ سلمة، مرّ رجلان من الأنصار فسلّمَا على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه و سلم: على رَسْلِكُمَا إنما هي صفية بنت حيي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله و كبُر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه و سلم: إنّ الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم و إني خشيتُ أن يقذِفَ في قلوبكما شيئاً".
إن اللقاء (الحوار) حول قيادة المرأة للسيارة أو غيرها من المواضيع يحضر فيه الضيف المضاد، وكأنه مستعد لمعركة يجب أن يكسبها، ولو بلي أعناق الأدلة ورفض الإحصاءات الرسمية واصطياد كل كلمة لتصبها في ترسانة أسلحتك الموجهة لمن؟ لأخواتك وإخوانك ومن غير اعتذار.
وهنا أطالب كأخت مسلمة ومن بلد واحدة، الضيف الذي اتهم بطريقة غير مباشرة محارمي بأنهم لا يقومون بحقوقي، والدليل الذي استند إليه وجود سائق عندي من 10 سنوات وتزيد، ولم يترك لي فرصة للرد فأقول: لتعلم أنت وغيرك أن محارمي من زوجي وأبي وأخواني يقومون بكل حقوقي، فهم من اختار هذا السائق ومن البلاد وليس من الخارج، وممن يعرفونه جيدا ويعرفون أسرته، ثم هذا السائق يأخذني للعمل أو لمدارس أولادي مثل بقية العاملات؛ لأن زوجي يعمل مدير شركة بمنطقة خارج مكة، وتم الموضوع باتفاقنا تماما، أما بقية مشاويري فيقوم بها زوجي مع إخواني وإن احتجت للسائق لظروف خاصة بهم، فمعي ابني أو بناتي غالبا ولا نتأخر معه ليلا فهل هم فاقدو نخوة ورجولة؟! يوجد الكثير من رجالنا ممن يقومون بحقوق نسائهم أيها الفضلاء.
أيضا كان هناك ترديد في أكثر الحلقة على قضية الحرية الشخصية، وهي مكفولة في الإسلام للكافر والمسلم بضوابط شرعية نفاخر بها العالم أجمع، ولا تستحق المزايدة، ومصطلح الحرية لدينا في الإسلام مضبوط تماما، بينما عند غيرنا من الكفار مصطلح فضفاض يخاط على قدر قائله ثم يضيق عند معارضه.
وأزمة المصطلحات مفتعلة وإلا أليس الفرق بين المظاهرة والمبادرة معلوم بالضرورة لدى العقلاء؟!
فما مفهوم المظاهرة:
إنها تنظيم مسبق لقضية بعينها تصادم النظام القائم خاصة، وقد تصادم المجتمع عامة بوقت معين، وتجميع أعداد لهذا الغرض عبر وسائل متعددة. بينما المبادرة هي مجرد طرح فكرة قابلة للعمل بها ترفع للجهات العليا من إنسان بعينه أو عدد محدد لقضية مقبولة وتساهم في حل معضلة حقيقية، ووضع برنامج إصلاحي متكامل وبصورة هادئة ومنضبطة تراعي القانون العام والعرف السائد.
وأزمة مصطلح الفرضيات أيضا، فالفرضيات هي أساس لكثير من المشاريع الجادة ثم أثناء النقاش كان البناء على حقائق ممارسة في العالم أجمع بإحصاءات وطنية وعالمية وإقليمية وليس فرضيات.
أما التحرش بين الرجال والنساء فهو مصادمة للفطرة التي خلقنا الله بها، وهي ميل الذكر للأنثى لتستمر الحياة، والمرأة التي تخرج للعمل وتقود تسوق وتتعرض فعلا لتحرشات، ولكنها تصمت وتخاف، وهذا من طبيعة النساء غالبا كما صرحت بذلك الكثير من النساء فلماذا نغيب الحقائق؟!
وأيضا مجتمعنا كأمثاله من المجتمعات مليء بالمواطنين الذين انفتحوا على كل شيء، ومعهم من الوافدين الرسميين، ومن وافدين مخالفين، ونقرأ جميعا القضايا المنشورة عن حالات الاغتصاب للأولاد قبل البنات، وللأعداد المهولة لقضايا القبض على المتخلفين الذين يمارسون حتى بيع الرقيق الأبيض! وما برنامج 99 إلا شاهد حي على ذلك، وحتى الدول التي فتحت المجال للاختلاط بكل صوره، وأخرجت المرأة من خدرها إلى جحرها تعاني الأمرين، وهم وضعوا قوانين للتحرش تحتاج إلى قوانين لفرضها وضبطها وثق أنهم لن يفلحوا أتعلمون لماذا؟ لأنهم يحاربون فطرة الله التي لن تتبدل قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)سورة الروم.
ومن يتكلم عن التحرش الجنسي من مؤيدي القيادة يرى أنه تضخيم للأمور، وكأن القائلين بنتائجه يصفون رجال السعودية بأنهم مصابون بسعار جنسي، وأن المعارضين يضخمون الأمور وفي المقابل يجعلون من التحرش الجنسي شماعة كبيرة جدا جدا جدا؛ لتبرير تعليم النساء للصفوف الأولية وغيرها من قضاياهم المصيرية!!
الخلاصة هل يوجد تحرش أو لا؟ ومتى يوجد في نظر هؤلاء؟!
ثم النطق بكلمة المتشددين من غير اعتبار لمعناها وأثرها عند الله وعباده تحتاج لوقفة خاصة جدا؛ لأني سأذكر نفسي وغيري بقول الرسول قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه )) رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (11/ 311): "قوله: (لا يلقي لها بالا) أي: لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا، وهو من نحو قوله تعالى: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم)سورة النور.
فهل هيئة كبار العلماء، وكل من ناقش في قضية مضادة لآرائكم بالأدلة الشرعية والعقلية من المتشددين، والتشدد وهو الغلو ممنوع في الإسلام تماما.
لذا نتساءل بصدق هل أفعال الحبيب صلى الله عليه وسلم وزوجاته رضوان الله عليهن وكل الصحابة والصحابيات رضي الله عنهم جميعا في الأخذ بالورع، وتحريم دخول الرجال على النساء، وعدم الخضوع بالقول من النساء، وسفر المرأة إلا مع محرم وغيرها تشدد وغلو وأنهم كانوا ينظرون إلى المرأة على أنها كوم لحم ؟!
لا تقولوا أدلة ضعيفة وأقوال مردودة، بل هي ثابتة في السنة الصحيحة والسيرة الصحية وقبل ذلك القرآن العظيم.
ثم شماعة التعددية تنسى وتحاربون بضراوة من يخالفكم فأين ما يكتب عن الرأي الآخر وقبوله والتعددية وقبول الاختلاف ومحاربة الإقصاء! هدانا الله.
والطامة الكبرى: الهدم للهرم السياسي في البلاد بلا أدنى توجيه في اللقاء من الضيف، فقول إحدى المداخلات: عن إعلان الأمير أحمد نائب وزير الداخلية لقضية قيادة السيارة وأنه ممنوع بأنه رأي شخصي، ثم تحدي منال الشريف بقولها ( نحن حنسوق ) والأخرى ( لايمكن أسمح لأحد يغير رأي) أين أنتم من هذه الأصوات؟
بالله عليكم لو قال عشر هذا الكلام أحد العلماء أو النخب المعارضة لتوجهكم ماذا فعلتم؟ لأجلبتم عليه بخيلكم ورجلكم بضراوة وقسوة وعنف، في تسابق غريب بمقالات متعددة في اليوم الواحد ولاعتبرتموه مناهضة للبلاد والعباد وشتى المسميات المعهودة.
ثم سمعنا من قالت: ياليت الرجال يجربوا الخروج في الظهر في الزحام وغيره، وسؤالنا: وأين ستقود المرأة السيارة؟ أليس في هذه الأوضاع! أم ستكون لهن شوارع بألوان خاصة بمبي مثلا، ومكيفة أو ستهيأ لهن طائرات خاصة؟ اللهم ألهمنا رشدنا.
كذلك تتحجون بأن من يملك سائق لأسرته هو من الطبقة الميسورة، وأن الفقيرات يحتجن لقيادة السيارة لتوفير قيمة السائق فنقول: وهل تملك السيارة و ما يتبعه من مصروفات البنزين والزيت والإصلاحات وقسيمة الأخطاء المرورية لن يكلف شيئا؟ أترك ذلك لتقدير الرجال الذين يعانون من تكاليف السيارة.
وأخيرا: في وقت الفتن مطلوب قفل كل أبواب الجدل، وكل أبواب الانشغال بغير قوة بلادنا فقط، وليس طرح قضايا جدلية عقيمة لا فائدة منها ترجى للبلاد والعباد.
والكلام يطول وأختمه بالدعاء لنا جميعا: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، وأسأل الله تعالى أن يجمعنا على الحق، آمين.