بقلم/ منى عبدي-
تسود المجتمعات على تنوعها قيم إنسانية تبرز جلية في وقت الأزمات ولطالما كانت قيمة العمل التطوعي بكافة أشكالها من أسمى القيم الإنسانية التي تتشاركها المجتمعات كافة.
وتختلف حاجة المجتمع للعمل التطوعي من دولة لأخرى ففي الدول الغربية العمل التطوعي لديهم يندرج في مجالات كثيرة ويبرز في مختلف نواحي الحياة ، فعلى سبيل المثال قانون العقوبات في تلك البلاد تندرج الأعمال التطوعية فيه كوسيلة تأديبية لاسيما في بعض القضايا الجنائية الصغيرة فيكلف الشخص بالقيام بأعمال في خدمة المجتمع لمدة معينة .
وفي المنشآت التعليمية يبرز العمل التطوعي في صور وأشكال متعددة في تلك المجتمعات وكم سمعنا بمتضامنين ومتطوعين نذروا حياتهم في سبيل هذا العمل وبعضهم يترك وطنه ويسافر إلى البلاد الأفريقية النائية لتقديم أعمال تطوعية وإن كانت مشوبة ببعض المطامع التنصيرية واستغلال حاجة الفقراء في تلك البلاد إلا أن الشاهد في هذا المثال هو استعداد أولئك الأفراد لبذل أقصى طاقاتهم في سبيل العمل التطوعي ، ولطالما حازت تلك الدول قصب السبق في الأعمال التطوعية على الرغم من عدم احتياجها الكبير لمثل هذه الأعمال التطوعية مقارنة بغيرها من الدول الفقيرة إلا أنها تسعى جاهدة لترسيخ دعائم العمل التطوعي ونشر ثقافته بين أفرادها .
وفي الجهة المقابلة نرى الدول التي هي في أمس الحاجة للعمل التطوعي تعرض عنه ولا تبخسه حقه بل في كثير من الدول يتعرض العاملون في هذا المجال إلى مواجهة مصاعب وأخطار جمة أثناء أداء عملهم ، ومن المستغرب أن يكون هذا الإعراض عن العمل التطوعي على الرغم من الحاجة الماسة لمثل هذه الأعمال إلا أننا نجد الصد والإعراض عن هذا المجال . وإذا تأملنا التأصيل الشرعي للعمل التطوعي فإننا نجد أن الإسلام يرسخ ثقافة العمل التطوعي وينزلها مكانة النوافل بل في كثير من الأحيان يكون القيام بعمل تطوعي ما أعظم ثوابا من باقي النوافل فترسيخ العمل التطوعي في نفوس أتباع الإسلام من أسمى القيم والفضائل التي دعا إليها هذا الدين لما ينبني على ذلك من تكوين مجتمع تسوده المحبة والإيثار بين أفراده وتجمعهم الألفة والتعاون ، فالهجرة النبوية أصدق مثال على ذلك ، ففي حين ترك المهاجرون أموالهم وأهليهم تطوع الأنصار لسد أغلب احتياجاتهم ومساعدتهم على التأقلم في بيئتهم الجديدة وشيئا فشيئا تم بناء المجتمع المسلم في المدينة لبنة لبنة حتى تمكن من قيادة الأمم في ذلك الوقت ، ونجد الشارع الحنيف قد وصى على أهمية تكافل المجتمع بينه وبين بعض حتى يتم سد حاجة الضعيف والمحتاج منهم .
والشواهد على ذلك كثيرة سواء كانت من الوحيين أو تمثلت في أفعال المصطفى عليه الصلاة والسلام أو فعل صحابته من بعده ومن بعدهم، فقد كانوا يقدمون العمل التطوعي على سائر النوافل الأخرى فهذا الحسن البصري رحمه الله يقول ( لأن أقضي حاجة لأخ أحب إلى من أن أصلي ألف ركعة ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إلى من أن أعتكف شهرين )!! .
وهذا وكان أبن عباس رضي الله عنهما يقول ( لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إلي من حجه ولطبق بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إلي من دينار أنفقه في سبيل الله )!!!!.
ومن أحاديث المصطفى قال صلى الله عليه وسلم (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ....الحديث).وبعد هذا التأصيل الشرعي هل نجد عذرا لتقاعسنا عن القيام بالأعمال التطوعية ؟؟
إن أهمية طرح هذا الموضوع تكمن في توقيته حيث تعاني بلادنا موجة عارمة من الجفاف والجوع سببه نقص في الهيئات التطوعية والإغاثية بالإضافة إلى شح في الكوادر التطوعية المحلية أدى ذلك إلى صعوبة احتواء الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد ولا ننسى الحال السياسية المتدهورة التي تمر بها البلاد .فكيف يا ترى السبيل إلى احتواء الأزمة التي تعصف بأهلنا هناك ؟؟عند طرح مسألة العمل التطوعي لابد من تواجد عناصر أساسية ألا وهي: الكوادر العاملة والجهات الممولة لهذا العمل بالإضافة إلى التخطيط الناجح لبنية العمل التطوعي ، وعندما تأملت أحوال الصوماليين في مختلف البلدان رأيت توفر العنصر الشبابي النابض بالحيوية الذي تسيطر على مشاعره حب الوطنية متوفرا في مختلف الأنحاء فإذا كان يوم الاستقلال الفائت قد شهدنا فيه زخما من مشاعر الحب والفرح والانتماء للوطن أفلا تجمعهم وتوحدهم ألام الوطن وأحزانه !!ثم إن في كل مكان تتواجد فيه الجالية الصومالية يتواجد فيه عدد لا بأس به من رجال الأعمال والمستثمرين الصوماليين وشركات الصرافة التي باتت جزءا لا يتجزأ من مكونات المجتمع الصومالي في كل بقعة ،فإذا توحد هذه العناصر ألا ينتج مكونا أساسيا للعمل التطوعي الرائد والتخطيط يأتي عند اجتماع العناصر اللازمة , وبما أن التخطيط من أهم السمات في نجاح العمل التطوعي في كافة الأصعدة إلا أننا نجد أنفسنا ملزمين بالأخذ بأساسيات التخطيط دون الغوص في دقائقه بسبب ما تقتضيه الحالة الراهنة .
إن شبابنا في مختلف البلدان مستعد لتقديم يد العون والمساهمة في الظروف الإنسانية التي تمر بها البلاد إلا أنه لم يجد التشجيع والتحفيز اللازم ليمضي قدما في هذه الخطوة حتى أنني صادفت الكثير منهم يتمنى تقديم يد العون لكنه لا يعلم من أين يبدأ وإلى أين يذهب لاسيما في ظل التشتت الذي تعانيه الأجيال الصومالية لاسيما بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال وعدم وجود مرجعية موحده لدعم مثل هذه الأعمال التطوعية , إن كثيرا من طاقات شبابنا تصرف في مالا طائل منه وما أحوج البلاد إلى استثمار هذه الطاقات في ما يعود بالنفع على أمتهم . ما أهدف إلى طرحه في هذا المقال هو لفت النظر إلى هذه القضية خاصة في ظل الظروف المتردية التي تشهدها البلاد .
وختاما بما أني قد أشرت إشارات بسيطة إلى بعض المسائل المتعلقة بهذه القضية إلى أني أحببت أن أختم مقالي ببعض الخطوات العملية من اجتهادي والتي آمل أن يؤخذ بها في الحسبان عند القيام بأعمال تطوعية وهي كالآتي :1- التوعية بأهمية العمل التطوعي لدى مختلف فئات المجتمع وإبراز أهميته على الصعيد الديني والوطني وغرس قيم العمل التطوعي في نفوس النشء.2
-تأسيس جمعيات تطوعية صومالية مدنية أهلية لا صلة لها بأي جهات سياسية كي يضمن الناس نزاهتها وإخلاصها .
3- إنشاء هيئة شبابية تطوعية تعنى بالعمل التطوعي في كل دولة تتواجد فيها الجالية الصومالية وإنشاء فروع لها في بقية المدن في تلك الدولة .
4- إنشاء برامج صيفية تطوعية للشباب والشابات من قبل الجاليات الصومالية المتواجدة في كل بلد لاستغلال أوقات الفراغ في تلك المواسم .
5-تبني رجال الأعمال وشركات الصرافة "الحوالة " لتلك البرامج ودعمها ماديا من أجل ضمان بقاءها واستمراريتها .
6- المساهمة الإعلامية في سبيل نشر تلك البرامج التطوعية من خلال مختلف شبكات التواصل مثل تويتر وال فيسبوك وغيرها من المواقع والمنتديات والشبكات الإعلامية .
7- التوعية بأهمية العمل التطوعي لدى مختلف فئات المجتمع وإبراز أهميته على الصعيد الديني والوطني وغرسه في نفوس النشء.
8- التعاون مع الهيئات والجمعيات الرائدة في المجال التطوعي والتي قدمت برامج تطوعية للبلاد لاسيما العربية والإسلامية منها .9
- الاستفادة من تجارب الهيئات الإغاثية الدولية والتي لها تاريخ باهر في هذا المجال .10
-التركيز على وجود متطوعين في كل بلد وقرية من أقاليم الوطن خاصة المتضررة منها لضمان إيصال هذه التبرعات لمستحقيها وأن يكون هناك قنوات اتصال بينها وبين الجمعيات التطوعية في مختلف الأماكن .
11- لا بد من تقييم العمل التطوعي والوقوف على أعمال تلك الجمعيات ولحصول ذلك يتعين إقامة المؤتمرات وعقد الندواتلعرض أخر المستجدات
.12إنشاء مجلس أمناء للجمعيات التطوعية من كل بلد يتم فيه الإطلاع على كل المتغيرات على الساحة الصومالية ويتم فيه التخطيط للمراحل القادمة.
شبابنا والعمل التطوعي .. آمال وتطلعات
- التفاصيل