كان الصيف ولا يزال موسم عمل وإنتاج، بل هو في عرف الزرّاع أحب المواسم؛ لأن فيه حصاد زروعهم ونضوج ثمارهم، لكن بعض الناس تغيرت نظرتهم إلى الصيف فأصبحوا لا يرونه إلا بمنظار الاسترخاء والخمول متعللين بما فيه من الحر الشديد والفراغ الكبير، متناسين أن الفراغ فرصة ينبغي علينا اغتنامها، ناهيك عن أنه نعمة بنص الحديث الصحيح الذي يقول:
«نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ».
وحملت السنوات الأخيرة معها مزيداً من الوسائل التي سهلت للبعض مهمة قتل الوقت، تحت دعوى الترفيه، ومن هنا وُلد الإدمان على مشاهدة الفضائيات سواء داخل البيوت أو الاستراحات أو حتى المقاهي، فتأخر وقت الخلود للنوم إلى ما قبل الفجر، وتأخر معه الاستيقاظ الذي قد لا يحصل إلا قبيل المغرب، وأحياناً بعده، مما فوّت على أصحاب الفضائيات أداء واجباتهم، وعلى رأسها واجبهم الديني المتمثل بأداء الصلوات في أوقاتها. هل قدوم الصيف يعني انفلات المرء من الضوابط في سلوكه وعمله؟ كيف نقضي الصيف؟ سؤال يتردد كل صيف على ألسنة الجميع ولا سيما الشباب حيث تتنوع طرق الإفادة من موسم الإجازة لتحقيق أكبر الفوائد في حين لا تزال فئة من الشباب تصرُّ على التعامل مع الاجازة بمنطق «تقطيع الوقت» أو قل تضييعه. الفضائيات والانترنت
بعد الفضائيات جاء دور الإنترنت والتعلق الزائد بها، متمثلاً في ملاحقة كل شاردة وواردة داخل الشبكة، مع تباري البعض في اختراق المواقع الممنوعة وتصفح ما فيها، الأمر الذي كلف شبابنا مئات الساعات معظمها بلا طائل، لا بل إنها مجلبة للمفاسد.
وجاءت محطات الألعاب أو «بلا ستيشن» لتكمل حلقة هدر وقت العطلة الطويل، فانشغل الجالسون أمام ذاك الجهاز بالتعرف على ألعابه العجيبة، وانقضت أثمن لحظاتهم في محاولات مستمرة لإتقان هذه اللعبة أو تلك، مع الحرص على الوصول إلى المراحل النهائية منها.
صحيح أن الترفيه الحلال مطلب من مطالب النفس السوية، لكنه انقلب لدى البعض إلى شيء أساسي ينفقون عليه المال والوقت والجهد بلا حساب، فكيف إذا كان هذا الترفيه محرماً في ذاته، أو يفضي إلى محرم؟!
إن الوسائل التي ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر مختلفة، لكن لها نتائج متشابهة سرعان ما تظهر أعراضها على حياة الشاب إهمالاً وكسلاً وتضييعاً للمسؤوليات الملقاة على عاتقه، تجاه نفسه وتجاه الآخرين، وفي المحصلة تجاه أمته ككل.
أما الضرر الأخلاقي الفادح لبعض تلك الوسائل، وما قد تفتحه على الشاب من أبواب المنكرات، فقد ظهرت صوره واتضحت شواهده بشكل لم يعد يقبل الشك ولا الجدال، وبات هذا الضرر الشغل الشاغل لأولياء الأمور وخبراء التربية، وهم يحاولون البحث عن أنجع الطرق لمحاصرته ومنع امتداده إلى فئات أوسع من المجتمع.
هناك فئات أخرى تحرص على استغلال موسم الصيف بطرق شتى، وأهمها العناية بحفظ كتاب الله الكريم والتدرب على تجويده فيما يتجه البعض نحو اتباع الدورات المتخصصة بتعليم العمل على الحاسوب وبرامجه، أو الإلقاء والخطابة، أو غيرها من الأنشطة التي تزود الشاب بخبرات جديدة وعملية.
احترام الوقت

يقول أحمد بن خميس بن سيف الجهوري: أتمنى من كل الشباب أن يحافظ على قيم دينه ومنها احترام الوقت، وأن يعلم أن القيم والمبادئ لا تتغير بتغير الفصول، فقدوم الصيف لا يعني انفلات المرء من الضوابط في عمله وسلوكه، بل يجب على المرء أن يسعى في لحظات الاسترخاء والفراغ إلى مراجعة نفسه، لتقويم مفاهيمه وتصحيح أخطائه، ولتحديد الأهداف التي يطمح إلى تحقيقها. ويضيف: الصيف بالنسبة لي فرصة لتعويض ما فاتني والاستزادة من المعارف ومحاولة سد النقص الذي قد يحصل في معلوماتي تجاه مسألة معينة في مجال اختصاصي.

برامج ومنتديات صيفية

صالح بن محمد البلوشي دعا الشباب إلى تنظيم أوقاتهم وعدم الانسياق وراء العادات الضارة بحجة الترويح عن النفس ودفع الملل مشيرا إلى أن هناك العديد من البرامج والمنتديات الصيفية التي يمكن أن ينخرط فيها الإنسان لتنمية قدراته والنهوض بمكنوناته ومواهبه ومؤكدا على ضرورة استغلال الشاب لهذه الفترة من عمره فيما هو مفيد ونافع حيث يتميز الشاب بشكل عام بالنشاط والحيوية البدنية وبمعنى آخر فإن الشاب يجب أن ينوع في الأنشطة التي يستغل بها الإجازة ولا يقتصر على نشاط واحد.
معلم يجيد النجارة!

عبدالله بن سعيد المقبالي قال: إنه راضٍ عن استغلاله لإجازة الصيف حيث حرص قدر الإمكان على التقليل من الهدر في الوقت وهذا ما يحاول تطبيقه بالتدريج.
وأوضح أن الصيف ليس واحداً في كل مكان، ومن هنا قد يكون من المناسب عرض صورة مبسطة عن تجارب بعض المجتمعات مع الصيف حيث تدفع الظروف الاقتصادية والاجتماعية بالشباب وربما الفتيان إلى ميدان العمل لتأمين لقمة العيش وهنا قد يلجأ الشخص إلى ترك شهادته العلمية جانباً والتوجه نحو الحرفة التي تعلمها وفي أضعف الاحتمالات تبقى المهنة مفيدة لصاحبها في النطاق الشخصي ومن هنا فإنه ليس غريباً أن نصادف معلماً يجيد النجارة، أو مهندساً يحسن إصلاح السيارات، أو محاسباً يتقن الحلاقة!

توجيه رب الأسرة

بدر بن سليم الغافري أكد على أهمية استغلال فترة الصيف فيما هو مفيد ونافع وهنا لا بد من الأسر المكتفية مادياً أن ترسل أبناءها لتعلم حرفة معينة طيلة فترة الصيف، وتواظب على ذلك حتى يتقن الابن تلك الحرفة، وهكذا يوجه رب الأسرة أولاده نحو اكتساب المهارات العملية إلى جانب اهتمامه بإكمال دراستهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى بناء شخصية تجمع العلم والاحتراف.

JoomShaper