تركت الأم في عصرنا الحالي وسادة الأمومة للخادمة، فهي التي تُطعم، وهي التي تكسو، وتحمل الطفل على الأكتاف ليل نهار، وتغنّي للطفل الصغير، وتزرع فيه الحنان والحب لها، لا للأم التي أنجبت ولا للأب الذي زرع.
عندها نشهد ما يسمّى «جيل أبناء الخادمات» جيل عاتب لا يدري أبواه أين يقضي أيامه ولياليه، ولا يعلم احد أي طريق يسلك، ولا أي مشرب يهوى، ولا أي اتجاه يسير، فلنأخذ على سبيل المثال، نشأة الفتاة المسلمة، فهي تمر في سن المراهقة بتغيّرات نفسية وبدنية، تكتمل فيها أنوثتها وشخصيتها، فتعيش حالة من القلق والإضطراب المزاجي والعاطفي، وربما تتمرّد على واقعها وعلى طريقة تعامل أهلها معها، فيزداد ميلها للانفعال والرفض، وسرعة ردّ الفعل والندم على التصرفات، وقد تمتد هذه المرحلة لسنوات. فإن الفتاة في هذه السن تحتاج الى معاملة خاصة، ورعاية زائدة؛ والأم الواعية الحكيمة هي التي تدرك أن ابنتها تمرّ بمرحلة خاصة، فتزداد قرباً منها وتعاملها كأنها صديقة، تحفظ لها سرها، وتقدّم لها النصح الناشئ عن الدين والخلق والخبرة في الحياة، فتشعرها بمسؤولياتها، فلا بد من الاحتشام في الملبس، والأدب في السلوك، والحكمة في التصرّف.
فهذا كلّه يشكّل حصناً منيعاً بوجه الدعوات الماكرة والاعلام المضلل الذي تتعرّض له الفتاة في أيامنا، فكم من فتاة وُلدت من أبوين فاضلين، وعاشت في بيت محافظ، ولكنها مع فتن العصر، ومع ما ترى وتسمع في الفضائيات، ترفع سماعة الهاتف لتخاطب شاباً لم تعرفه إلا من كلامه، أو تجلس على الإنترنت تدردش مع شاب لا تعرف اسمه ولا أي شيء عنه، فتعيش في دوّامه الصراع، تسمع تارة هذا الصوت النشاز الذي يدعوها الى المعصية والتخلّي عن معاني العفّة، وتارة أخرى تسمع الصوت الصادق، يقول لها: رويدك.. فهو طريق الغواية والهلاك.
وفي خضم هذا الصراع يبقى سؤال يطرح نفسه أين الأهل؟ فلقد رُزقت أباً شغل عنها تجارته، وعلاقته مع أصدقائه، يسهر معهم حتى ساعة متأخّرة من الليل، وأمّاً بعيدة عنها كل البعد، مشغولة بجمالها وبأحاديثها مع أصدقائها، فوجدت ضالّتها في الأصحاب، إما صاحبة السوء التي تلقاها في المدرسة، أو شاب تائه يغويها بالكلام المعسول والوعود والكاذبة؛ يجب الانتباه كلّ الانتباه أيها الاهل الكرام، يحدثنا د. راتب النابلسي في أحد حلقاته الاذاعية ان رجلاً طلب زواج فتاة من احدى العائلات الشامية المعروفة فسأله الاب عن ملكه وعمله وتحصيله المادي والمعنوي، فكان مستوفياً للشروط والبروتوكولات الاجتماعية، فوافق على طلبه، وفي يوم الزفاف، أتى بالشيخ لكتب الكتاب، فطلب الشيخ من الرجل هويته فإذا به يُصعق عندما يكتشف أنه على غير ملته، فيستدعي أبا العروس ويخبره الحقيقة، فيذهب الأب الى العريس معاتباً أنه لم يخبره عن دينه، فما كان جوابه، إلا أن قال: إنك يا عمو سألتني عن كل ما أفعله في الحياة ولكن لم تسألني عن ديني؟...
الشيخة سوسن الكوش

JoomShaper