لها أون لاين
نسمع أو نقرأ بين الحين والأخر محاولات الانتحار حرقاً بين الشباب  في مختلف الدول العربية، بما فيها السعودية وذلك أسوة بـ محمد البوعزيزي الشاب التونسي الذي أضرم النار في جسده مفجراً انتفاضة شعبية أطاحت بزين العابدين ونظامه.
بل أصبح من الطبيعي أن تقرأ هكذا عبارة في التويتر:"أنا الرقم القادم قريباً في قافلة المنتحرين في السعودية!!"
ويجد بعض الشباب الذي أقدم على حرق نفسه وجه شبه مع البوعزيزي، كونهم من حاملي الشهادات الجامعية ومع ذلك يعانون من البطالة وسوء الأحوال المعيشية.
ما حدث في حالة البوعزيزي والشهرة التي نالها والانقلاب الذي تسبب به في بلاده، أوحى لبعض الشباب أن الحل لحالة اليأس والبطالة والفقر هو الانتحار بالطريقة نفسها التي فعلها بوعزيزي. إلا أن العاقل يدرك أن من يفعل ذلك يقذف بنفسه في نار الآخرة قبل الدنيا. وقد أفتى المفتي العام للسعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بتحريم  قتل النفس  للاحتجاج حتى إن كانت الظروف المعيشية صعبة، كما ذكّر بأن قتل النفس بالحرق جريمة نكراء، ومصيبة عظمى لا يجوز انتشارها بين المسلمين، ولا ينبغي للمسلم اللجوء لمثل هذا العمل الذي يعد انتحاراً، مبيناً أن هذه الأعمال تشوه صورة المسلمين، وعلى المسلم التحمل والصبر".
وانتقد المفتي "من يطبل ويعظم" هذه الممارسة، معتبراً أن هؤلاء "من ضعفاء الإيمان والنفوس".
ولقد ساهم التجييش الإعلامي في جر الشباب إلى هذا الفعل كتقليد، دون إدراك منهم أن هذا الأمر لن يأتي بالحل الذي يجعل صاحبه - إن بقي حياً - يتجاوز مشكلاته ومعاناته.
على الشباب أن يدركوا أنهم عماد المستقبل وبهم تنهض الأمم، حتى ولو كانوا الآن يعانون من البطالة، فكم من عاطل عن عمل في الأمس أصبح اليوم ناجحاً أو ثرياً أو مبتكراً. وعليهم أن يفهموا جيداً أنه ليس من أبواب مشرعة أمامهم من دون كد أو عقبات؛ لذلك عليهم أن يجدوا ويبذلوا الأسباب، ليصلوا إلى المكانة المرموقة التي يبتغونها وقبل ذلك عليهم أن يعرفوا كيف يحددوا أهدافهم. 
هل نتذكر العظماء والعلماء كم تعبوا وشقوا طريقهم الصعب، ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في الصبر على المشقة والصعوبات وصولاً إلى يوم جاء نصر الله والفتح.
ولو قلّبنا في سير المخترعين لوجدنا فشلهم قبل نجاحاتهم تتصدر الحديث عنهم، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه فهذا أديسون الذي خاض أكثر من 99 تجربة في إطار سعيه من أجل إنجاح فكرته، وقال عندما تكرر فشله في تجاربه "هذا عظيم.. لقد أثبتنا أن هذه أيضاً وسيلة فاشلة في الوصول للاختراع الذي نحلم به"، وعلى الرغم من فشله المتكرر إلا أنه لم ييأس ولم يتوقف، بل واصل عمله بهمة عالية وثقة كبيرة إلى أن كلل تعبه باختراع المصباح الكهربائي في عام 1879م. وما زال هذا الاختراع مخلدا لاسم أديسون ويطلق عليه البعض الرجل الذي صنع المستقبل.
وفي داخل كل منا قصة تحمل نجاحاً في جزء وفشل في آخر، لكننا نخطو قدماً وكلنا أمل وعزم وثقة بأن النجاح يكون بتحديد أهدافنا أولاُ، ومن ثم السير نحوها بخطى ثابتة واثقة، وبعزم لا يثبطه فشل قد يواجهنا خلال المسير.
لا شك أننا نحتاج إلى مؤازرة الوزارات المعنية ومساندتها لحل مشكلات الشباب، وعلى رأسها البطالة، ولكننا لن ننتظر. وسيفعل كل منا ما بوسعه، فالناجحون الحقيقيون لا ينتظرون من يفتح لهم الأبواب ويمهد لهم الطرق، وإنما يشقون الجبال؛ ليجعلوا منها طرقاً ممتدة للأمل والنجاح، وليس للموت والعذاب لا قدر الله.

JoomShaper