أتمثله شامخ الرأس، شديدَ البأس، عزيزَ النفس، مُفتخرًا بدينه، مُحبًّا لعقيدته، يحيا بالتوحيد، ويتغذَّى بالذكر والتفريد، قلبُه معلق بالله، لا يعبد إلا إياه، ولا يرجو سواه، إن تكلم فعن الله، وإن سكت فلله، وإن سعى فبالله، وإن أحب ففي الله، وإن أبغض فلله، حياته كلُّها عبادة، ونصيبُه من الدنيا التألُّق والريادة، يغتنم كلَّ ساعة؛ ليجعلها طاعة، فإن همَّ بحسنة أخلص النية لله، وإن مُهِن في مشاغل الدنيا أتقن وأبدع، فَبَزَّ الأقران، وبلغ الغاية في الإتقان مُستحضرًا حديثَ سيد ولد عدنان؛ ((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)).
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟!
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
أتَمثَّله باسِمَ الثَّغر، طليقَ الْمُحَيَّا، وَضيء الطلعة، دَمِثَ الخلق، ليِّن الجانب، صافي المشارب، حلو المنطق بلسانه الذَّلِق، إذا طلع على القوم فكأنَّما هو البدر قد طلعت أنوارُه، وإذا تكلم فهو الخطيب الْمُفوَّه قد شاعت أخباره، وإذا خالَط الناس، فهو المذكور على الألسُن بالخير، وإذا نافس فهو الحائز على قَصَبِ السبق دون غيره، شيمته المروءة، وصفته الكرم، وعادته الجود، يَقري الضيفَ أحسن القِرى، وأسوته في ذلك حاتم ونبيُّنا سيدُ الورى، يَرحم الفقير، ويُؤانس الحسير، ويَجبُر الكسير، يُشفق على اليتيم، ويُكسب المعدوم، ويكسو العاري، ويتصدق على المسكين، ويخفض الجناح للمستضعفين، ويحنو على كل عائل حزين، كل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وطمعًا في فضله وعطاياه.
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟!
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
أتخيله عالِيَ الهِمَّة، ثابتَ الخطوات، قليلَ الهفوات، واضحَ القسمات، يسيرُ على خط مستقيم، ويَمشي على النهج القويم، كأنَّه شهابُ حَقٍّ مبين، قُذف على حصون الجهل الدَّفين، أو كأنه سهم صائب في حصون اليأس والخمول والعجز، لا يَهاب صعودَ الجبال، ولا يتوانى في العطاء والبَذْل، يَجِدُّ ليسقي بقطرات عرقه أرضَ إنجازات المسلمين القاحلة، ويكد ليُضيء باحتراق جوهر شبابه دَرْبَ إخوته الموحدين، فيَرَى في كل مستصعب يُسْرًا، وفي كل تَحَدٍّ فرصة، وخلف كل جدار طريقًا، وفي كل حفرة عبرة، وتحت كل صخرة سرًّا، وفوق كل قمة كنزًا، وعند كل سلم صعودًا، وبعد كل ظلام فجرًا.
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟!
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
أتخيله رزين الحصاة، بعيدَ الأناة، مقبلاً على العلم، متزينًا بالحلم، حياته تشمير وعمل، وعدوُّه الجهل والكسل، لا يرضى بالدون، ويأبى أن يكون المستضعف المحزون، له في كل علم نافع سَهْم، ومن كل منبع زُلال فَهْم، فيقطف من كل بستان أزهارًا فاتنة، ويجني من كل حائط فواكِهَ يانعة، وثمارًا طيبة، فيزاحم شباب الدنيا بركبته، وينافسهم بمعرفته، ويُجاريهم بسعة ثقافته، كما لا يسأم من الطلب، ولا يتوانى في التحصيل، بل يتحمَّس لكل مفيد من العلوم، ويُقبل على جلِّ أنواع الفهوم، فينصب شباكًا لكل منها، ثم يصطاد حسب الاستطاعة، مع مراعاة الجودة في البضاعة.
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
أتوسمه مِعطاء لأهله، مهتمًّا ببيته، بارًّا بوالديه، واضعًا لهما في عينيه، حانيًا على زوجته، مُحبًّا لها، شفيقًا بأبنائه، رفيقًا في تربيتهم، مواظبًا على تهذيبهم، مُجتهدًا في تأديبهم بآداب الإسلام السامية، وتعاليمه الراقية، واصلاً لرحمه، قريبًا من أقاربه، صادقًا في مَودته، حُلوًا في عشرته، سَمحًا في معاملته، عادلاً في قسمته، وقورًا في جلسته، نظيفًا في ملبسه، مُحسنًا لجيرانه، ناصحًا لإخوانه، مُعطيًا كلَّ ذي حق حقَّه، إذا أمره والداه استجاب، وإذا سألته زوجته أجاب، وإذا استكسته أغدق عليها أحسن الثياب، بحسب الطاقة والاستيعاب، لا يسأم من مراقبة أبنائه، ولا يتوانى في تَحصينهم بحصون العقيدة والإيمان والعلم، فيداوم على تلقينهم سبل الفلاح، وطرق النجاح، ويهديهم إلى سمت الرشاد، ويعلمهم حُبَّ معالي الأمور، والترفُّع عن السفاسف والدنايا، كما يبذل لأقاربه وأرحامه النصح، ويبادرهم دومًا بالصفح.
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟!
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
أتوسَّمه رقيقَ الفؤاد، مُرهف الأحاسيس، حيَّ القلب، يُشاطر إخوانه المسلمين أحزانَهم، ويُقاسمهم آلامهم، حتى كأن قلبه مكة وبلادها، ورئتيه مصر والعراق، وصدره الخليج، وشامته الشام، ويمينه اليمن، وطينته فلسطين، وأحشاءه الحبشة، وغُرَّته المغرب الكبير بجميع بُلدانه وشعوبه، كأَنَّ زقزقة بَطنه صرخاتُ أسى لجوع إخوانه في الصومال، وتشنُّجَ أطرافه هزَّاتُ لوعة لما يلقاه إخوانه المسلمون في العالم من ظلم وضيم، وتقتيل وتشريد واحتقار وإذلال ومهانة.
لا يُرضيه تفرُّق المسلمين شماميطَ وأحزابًا، ويُشْكِعُهُ اختلافهم طرائقَ وأضرابًا، يتشعب همُّه إذا سادت العداوة بين شعوبهم، ويتقطع قلبُه إذا شاعت القطيعةُ بينهم، يتمنى لهم السَّخَاء والرخاء، واليسار والسرَّاء، ويدعو الله أن يَقِيَهم اللَّأْواء؛ ويبعد عنهم البلاء، ويُسلِّمهم من درك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ويتمنى لهم الاجتماع على القرآن والسنة، والحق والتوحيد، فيعلو شأنهم ويعظم شأوهم، كَيَدٍ مُفرَّدة قد انقبضت أصابِعُها، واتجهت نحو الأعلى سبَّابتها، فراحت تعلو وتسمو حتى ناطحت قِمَم السحاب، فجاورت القمر؛ لتنير العالم عدلاً وفضلاً ورحمة وأمنًا، فيدعو دائمًا لهم بالهداية والاجتماع، وهو موقن بالإجابة، مع بذل أسباب النَّصر، والتسلح بسلاح الصبر.
هكذا هُمُ الرجال، ألا هل من رجال؟!
في مثل هذا يَفْنَى الشباب، وإلا فالخُسران والخراب!
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/1003/39998/#ixzz1s0tkm8gu
شباب الإسلام كما أتمثله في الأحلام
- التفاصيل