مفكرة الإسلام
دار هذا التساؤل في ذهن باسل وهو مستلقٍ على سريره في ليلة صبيحتها نتيجة نهاية العام الدراسي, وقد استبد به القلق, وأطار النوم من عينه, فصار يتقلب في سريره يمنة ويسرة, لا يستطيع أن يغمض عينه, أو يسرح في النوم.
وبدأ شريط من الذكريات يداعب مخيلته وهو يتذكر بداية العام الدراسي, حيث كان عاقدًا العزم على التفوق والمذاكرة من أول يوم, وعدم تكرار الخطأ الذي يرتكبه كل عام؛ بأن يراكم الدروس والمحاضرات إلى أيام الامتحانات.
ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه, فمع مرور الوقت بدأ عزمه يفتر رويدًا رويدًا, وكرر نفس الخطأ مرة أخرى, وتراكمت المحاضرات, وصار المجهود مضاعفًا أيام الامتحانات, فبدلاً من أن يكون هدفه هو المراجعة والتأكيد على المعلومات قبل الامتحان؛ صار هدفه هو تحصيل المعلومات أولاً والانتهاء من المواد الدراسية التي لم تنتهِ بعد.
وبعد أن كان يحلم بالتفوق والحصول على أعلى الدرجات واللحاق بركب المتفوقين؛ تحولت أحلامه إلى سراب بقيعة, وصار جل أمله هو النجاح, وأن يتعلق بأذيال الناجحين. مشهد متكرر
أنا أعلم أخي الشاب أن قصة باسل هذه قد تكون تكررت معك بحذافيرها عدة مرات, وفي كل مرة كنت تنوي ألا تعيد الكرة, ولكن كالعادة يسرقك الوقت, وتأخذك المشاغل, وبما أن الدراسة هي أدنى وأقل اهتماماتك؛ فبالتأكيد لن تؤديها إلا قبل نهاية وقتها بقليل.
وأعلم أيضًا أن تكرار هذه المواقف قد يصيب الشخص بالإحباط, واليأس فيمتنع عن إعادة المحاولة مرة أخرى, ولذلك كان من الأهمية بمكان أن نتكلم عن موضوع الدراسة عند الشباب, وكيف نحول حلم التفوق إلى حقيقة واقعة عبر خطوات عملية بسيطة تساعد شبابنا على بلوغ أمانيهم وتطلعاتهم.
ولكن قبل الخوض في المهارات والأساليب التي ستدفعك للتفوق بإذن الله, لنا وقفتان في غاية الأهمية والخطورة, نجيب في إحداهما على تساؤل حائر قد يسأله البعض في عفوية وتلقائية: لماذا أتفوق؟ وما الذي سأجنيه إن كنتُ من المتفوقين في دراستي غير التعب والنصب والجهد المضني؟
ثم في الوقفة الثانية نرسم لك شخصية الناجحين المتفوقين, عبر سرد بعض من صفاتهم وسماتهم التي أهلتهم لهذا التفوق وتلك الريادة, ليكون كل شاب على بينة من أمره, بعد أن يدرك أن هذه الصفات ليست صفات خارقة أو مستحيلة التحقيق, وليست أيضًا هبات ربانية لا يمكن اكتسابها أو تنميتها, حتى لا نسمع بعدها أقوالاً من عينة:
"أنا أصبح متفوقًا!! هذا مستحيل, يبدو أنك تحلم"
"التفوق هذا له رجاله, ما لنا نحن وما لهم"
الوقفة الأولى: ثمارٌ أنت قاطفها
وإليك بعضًا من تلك الثمار اليانعة التي ستجنيها حين تكون من المتفوقين, علها تثير فيك دواعي الشوق وبواعث النبوغ والتميز, لتلحق بركب الناجحين المتميزين:
1.    أنت أحب إلى الله
فالتفوق في الدراسة وفي أي مجال من مجالات الحياة هو قوة, والرسوب والفشل ضعف, والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف كما قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...)) [رواه مسلم], فثق أيها الحبيب أنك بتفوقك في الدراسة مع نيتك الصالحة في ذلك, تكون من المقربين إلى الله تعالى ومن الممتثلين لأمره عز وجل حين قال: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
2.    وقود الناجحين.
إنها الثقة بالنفس، التي ستتولد لديك حتمًا حينما تتفوق في دراستك, لتكون بعد ذلك حجر الأساس لكل نجاح على مدار حياتك, ووقودًا لماكينة إنجازاتك، فكما يقول الدكتور عبد الكريم بكار: (لا شيء كالإنجاز يحقق الثقة بالذات، ويورث صاحبه التميز)[بصائر في الشخصية، د.عبد الكريم بكار]، فكلما أحرزت تفوقًا وتميزًا في دراستك، زادت ثقتك بنفسك.
3.    وظيفة الأحلام.
فالتفوق في الدراسة مفتاح النجاح في الحياة العملية؛ فالنجاح الدراسي هو درجة السلم الأولى على طريق النجاح في إيجاد الوظيفة المناسبة بإذن الله، فقد يكون عامل التفوق الدراسي سبيل المفاضلة بين اثنين متقدمين لشغل وظيفة ما، وحينها قد يندم من لم تؤهله معدلاته (درجاته) لشغل تلك الوظيفة، فلتقطع دابر هذا الندم من الآن, بأن تكون من المتفوقين الناجحين.
4.    وبالوالدين إحسانًا.
فأنت لا تتخيل كم السعادة والبهجة الذي ستضفيها على والديك بسبب تفوقك الدراسي, إن الابتسامة التي يرسمها تفوقك الدراسي على وجه من وصاك الله عز وجل بهما فقال: {وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: ٢٣] لا تقدر بمال ولا توزن بالذهب، خاصة وأن أباك وأمك قد تعبا كثيرًا وسهرا كثيرًا لكي تصل إلى ما أنت عليه الآن من مكانة, ولعل أكثر ما يشغلهم في هذه الدنيا هو رؤيتك ناجحًا متفوقًا, ومن ثم فعليك أن ترد بعضا من هذا الدين الذي يحيط بعنقك تجاه والديك وألا تخذلهما في ميدان الدراسة فإن خذلناهما فيه شديد الوطأة عليهما وعميق التأثير في نفسيهما.
5.    لبنة في بناء النهضة.
إنه بناء الأمة التي قلدك النبي صلى الله عليه وسلم أمانة الحفاظ عليها، فالعلم ركيزة أساسية، ولبنة رئيسة في بناء أي نهضة، وهكذا بنيت نهضة الإسلام الأولى، وكانت كشمس أضاءت جنبات العالم، وما توصل إليه الغرب اليوم كان نتيجة لاستفادتهم من علوم العرب والمسلمين، أي من علوم جدي وجدك وأجدادنا جميعًا، واسمح لي ـ عزيزي المتفوق ـ أن أنقل لك طرفًا من كلام بريغولت في أحد كتبه الشهيرة، وهو كتاب [بناء الإنسانيةMaking of Humanity ]: (أما ما ندعوه العلم فقد ظهر في أوربا نتيجة لروح من البحث جديدة، ولطرق من الاستقصاء مستحدثة، وهذه الروح وتلك المناهج أوصلها العرب إلى العالم الأوروبي) ، وقد آن الأوان أن ننهل مما توصل إليه العلم الحديث وأن نتفوق فيه؛ لكي نعيد لهذه الأمة ريادتها.
الوقفة الثانية: السمات الفذة
وهي سمات الناجحين المتفوقين الذين لا يرضون إلا بالمراكز الأولى, نسوقها لك لتدرك أنها كما قلنا ليست صفات خارقة ولا خارجة عن المألوف توهب ولا تكتسب؛ بل على العكس تمامًا, فما من صفة من هذه الصفات إلا ويمكن اكتسابها بالممارسة والتدريب.
1- أنا لها
من أهم صفات ذلك الشاب الذي نحلم به أن يكون واثقًا من نفسه ومؤمنًا بذاته، (وأحيانًا يعجب المرء كيف لا يؤمن الإنسان بذاته وهو المخلوق الذي أسجد الله له الملائكة {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (34) سورة البقرة وحمله الأمانة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ} (72) سورة الأحزاب، وجعله خليفة له في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } (30) سورة البقرة.
وبهذا فإن الإنسان يستحق أن يفخر حتى على الملائكة أحياناً فإننا حينما نصف الإنسان الطاهر نقول: هذا ملاك، بينما الإنسان الطاهر أفضل من الملاك، لأن قدرات الإنسان كبيرة ولكن ربما يجحدها أو ينساها أو يقتلها بالإهمال) [الإيجابية للشيخ سلمان العودة, من برنامج الحياة كلمة].
(يعتقد كثير من الشباب أنهم من المحتمل ألا يستطيعوا صنع فارق في هذا العالم, ولكن الأمر ليس كذلك, والحقيقة أنك تصنع فارقًا في كل مرة تكون فيها كثير الاهتمام ومراع لحقوق الآخرين ومشاعرهم, وفي كل مرة تؤيد فيها الشيء الصحيح, أو تساعد أحد الأشخاص في فعل الصواب, حتى الابتسامة البسيطة يمكنها أيضًا أن تصنع فارقًا في هذا العالم) [لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين, ريتشارد كارلسون].
فالشاب المتفوق مؤمن بذاته وبقدراته على النجاح والتغيير, ويقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، وهذا لا يتنافى مع التواضع وخفض الجناح فهو مؤمن بذاته بلا غرور ولا تكبر, وهو مؤمن بالله أيضًا, ويعرف حجمه الحقيقي وقدرته الحقيقية عندما يقارنها بقدرة الله سبحانه وتعالى.
2- بيدي لا بيد عمرو
الشاب الناجح المتفوق واثق من نفسه, ولذا فهو لا يحتاج لكي ينجح أن يفشل الآخرون, أما من يبني نجاحاته على فشل الآخرين فهو ضعيف الثقة في نفسه ولا شك, فمن كان متفوقًا لأنه يحيط نفسه بمجموعة من الفاشلين غير المجتهدين؛ فهذا منتصر في معركة زائفة صنعها بنفسه, وصاغ شروطها بيديه, وليس من سمات الناجحين الابتهاج بالمعارك الوهمية الفاشلة, يقول الدكتور عبد الكريم بكار: (إن من كياسة المسلم وحسن نظره لنفسه؛ ألا يتوقع الابتهاج بنصر لم يخض معاركه, ولم يأخذ بأسبابه) [مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية, عبد الكريم بكار]
كما أن المتفوق الناجح لا يملك الوقت لكي يخوض معارك مع من يحاولون إسقاطه أو دفعه للفشل, فحلمه يملك عليه لبه, ويسيطر على وجدانه, فالنجاح الحقيقي هو أن أحقق ما أريد بإرادتي وعزيمتي لا باعتمادي على فشل الآخرين, أو كما كان يقول العرب قديمًا: بيدي لا بيد عمرو.
وهو في ذلك متوكل على الله حق التوكل, غير متعلق بالأسباب على الرغم من أخذه بها, يعلم أن التوفيق من عدمه هو من عند الله تعالى فقط, وما أخذه بالأسباب إلا وسيلة أمره الله بها, ومن ثم فهو مع أخذه بالأسباب, كثير الدعاء إلى الله بأن يرزقه التوفيق, وأن يسدد خطاه على طريق النجاح والتميز.
3- من فشلي أتعلم
الشاب المتفوق يعلم علم يقين أن الحياة رحلة طويلة تمتزج فيها النجاحات بالإخفاقات, وليس هناك نجاح على طول الخط, كما أنه لا يوجد فشل على طول الخط، فالمهم هو أن نتعلم من أخطائنا ولا نكررها, بل على العكس ننظر إلى الفشل على أنه ضرورة من ضرورات النجاح.
يقول أحد خبراء التربية: (إن الطريقة الوحيدة التي أدركتها لجعل الفشل هينًا هو تعزيز منظور المرء له, ورؤيته على أنه من الأشياء الضرورية, قد يكون الأمر غريبًا عندما تفكر فيه بهذه الطريقة, ولكن إذا لم يجرب أحدنا الفشل؛ لن ندرك جميعًا قيمة النجاح, فالحقيقة هي أنه على الرغم من كون الفشل شيئًا صعبًا؛ فإنه جزء ضروري من الحياة بالنسبة لنا جميعًا) [لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين, ريتشارد كارلسون].
ويقول عالم النفس الشهير الفريد إدلر: (إن البشر في إمكانهم أن يحولوا خيبتهم وفشلهم في الحياة إلى وسائل نادرة لإدراك نجاح أعظم) [إدارة الذات دليل الشباب إلى النجاح, أكرم رضا]
ولا يفوتني هنا أن أوجه رسالة حب لكل أب أو أمٍ تسعى لكي يكون ولدها من المتفوقين الناجحين وتريد له السعادة والتفوق ثم تراه يفشل مرة أومرتين, فعليها أن تكون على يقين أن (الشباب ينجرف بكل سهولة في عواطفهم, خاصة عندما يشعرون أنهم يفشلون في شيء مهم لهم, ولا يستطيعون النظر للخيارات الأخرى المتاحة, ويمكن للأبوين مساعدتهم في تلك الأوقات بأن يكونوا هادئين وموضوعيين, وأن يشاركوهم وجدانيًا, ويساعدوهم على إيجاد الحلول البديلة) [المراهقون يتعلمون ما يعايشونه, دوروثي لونولتي وراشيل هاريس].
4- همة دونها السحاب
فالمتفوق صاحب همة تناطح السحاب, لا يرضى بالدون أو المراكز المتأخرة, أبت عليه همته إلا أن يكون من المتقدمين السابقين, حتى وإن اشتاقت نفسه أحيانًا للركون والدعة, فهو المعني بالحكمة القائلة: (ذو الهمة وإن حط تأبى نفسه إلا علوًّا, كالشعلة؛ يصوِّبها صاحبها فتأبى إلا ارتفاعًا) [صيد الخاطر, ابن الجوزي].
فهو يعلم أن سلاحه الفتاك في همته التي بين جنبيه, فكم من همة عالية أحيت أمة كانت في عداد الأموات, وكم من همة دنيئة أماتت أمة كانت ممتلئة بالحياة.
ولله در ابن القيم حين قال: (علو الهمة ألا تقف دون الله تعالى, ولا تتعوض عنه بشيء سواه, ولا ترضى بغيره بدلا منه, وأعلى الناس همة وأرفعهم قدرًا؛ من لذته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه) [مدارج السالكين, ابن القيم].
ولم أر في عيوب الناس عيب *** كنقص القادرين على التمام
وماذا بعد الكلام؟؟
1.   ابدأ من الآن في تجهيز نفسك للنصف الثاني من الدراسة, وجدد نيتك, واعقد العزم على أن تكون من المتفوقين الناجحين, لتكون أقرب إلى الله, وترضي والديك, وتنفع أمتك.
2.   احرص على الدعاء يوميًّا أن يجعلك الله من المتفوقين الناجحين, وأن يعينك على ذلك, وييسر لك الأخذ بأسباب التفوق.
3.   اكتب جدولاً بمواعيد محاضراتك, وعلقه في حجرتك كعلامة على اهتمامك وجديتك في السعي نحو التفوق.
المصادر:
1. بصائر في الشخصية، د.عبد الكريم بكار.
2. الإيجابية للشيخ سلمان العودة, من برنامج الحياة كلمة.
3. لا تهتم بصغائر الأمور للمراهقين, ريتشارد كارلسون.
4. مفاهيم قرآنية في البناء والتنمية, عبد الكريم بكار.
5. إدارة الذات دليل الشباب إلى النجاح, أكرم رضا.
6. المراهقون يتعلمون ما يعايشونه, دوروثي لونولتي وراشيل هاريس.
7. صيد الخاطر, ابن الجوزي.
8. مدارج السالكين, ابن القيم.

JoomShaper