أم عبد الرحمن محمد يوسف
سألت إحدى الفتيات:
(كيف أرضي والديَّ، وخصوصًا والدتي؟ لأنني إذا اصطدمت بهما، ولم أنفذ ما يرغبان تحدث مشاكل بيننا في البيت, وأخاف أن أقع في العقوق فأقع بذلك في غضب الله وهذا يؤثر على نفسيتي وعلى نجاحي في أعمالي وأجد عدم التوفيق بعدم رضاهم عني).
أختي الفتاة المسلمة:
بداية عليك أن تعرفي أن معاملة الوالدين بالمعروف هي من الحقوق والواجبات الشرعية عليك تجاه والديك، ثم هي بعد ذلك طريقة فكر ثم سلوك.
وبر الوالدين أمر رباني، إذًا هو بذلك أمر شرعي لا يمكن رده ولا التهاون فيه مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما كانت العلاقة بين الفتاة ووالديها.
طاعة لله:
فقد جاءت الآيات الكريمة واضعة مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله، والإحسان إليهما رأس الفضائل بعد الإيمان بالله.
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]، وقال جل في علاه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8].
بعد الصلاة:
لقد جعل الرسول المربي العظيم بر الوالدين بين أعظم عملين في الإسلام الصلاة على وقتها، والجهاد في سبيل الله، الصلاة عماد الدين، والجهاد ذروة سنام الإسلام.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقته، قلتُ ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلتُ: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) [متفق عليه].
ويأتي الرسول رجل يبايعه على الهجرة والجهاد يبتغي الأجر من الله تعالى فيتريث في قبوله ويسأله: (فهل من والديك أحد حي؟ فيقول الرجل: نعم، بل كلاهما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: تبتغي الأجر من الله تعالى؟ فيجيبه الرجل: نعم، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) [متفق عليه].
وفي رواية للشيخين: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد) [متفق عليه].
نفهم من الحديث أن بر الوالدين فيه نوع من الجهاد النفسي والبدني أيضًا، فقد يقوم الإنسان بتنفيذ فعل ليرضى والديه وهو لا يحبه مثل أعمال المنزل بالنسبة للبنات، فكثير من البنات لا يحبون أعمال المنزل وغسل الأواني وغير ذلك، ولكنها تفعلها إرضاء لوالدتها إن طلبت منها ذلك.
من الكبائر:
إن عقوق الوالدين من الكبائر وتجد المسلمة أثر العقوق في حياتها ويومياتها، وأيضًا محسوب عليها في آخرتها، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا؟ قلنا: بلي يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) [متفق عليه].
الأم أولًا:
يقدم بر الأم على بر الأب، فمثلًا الابنة تقبل يد أمها أولًا ثم بعدها الأب، إذا سلَّمت عليهما لماذا؟ لأن الأم لها فضل الحمل والرضاعة ومكابدة المتاعب والمشاق في التربية والبذل والحنان المطلق في الصغر، وكلنا يعرف أن الأب الآن يخرج من الصباح إلى المساء في ابتغاء الرزق وزيادته؛ ليفي بتكاليف الحياة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، والأم هي التي تتواجد مع الأبناء وهي تعمل في المنزل، وتعمل أيضًا في وظيفة ما خارج المنزل لتساعد أيضًا في تكاليف الحياة.
وفي فضل الأم جاءت الآية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك, قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) [متفق عليه].
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
إن المسلمة لا تقدم أمر أحد على أمر ربها وقد سمعت حبيبها صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) [رواه الطبراني في الكبير، (14795)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح].
يحكي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن نفسه: (كنت رجلًا برًّا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي أراك قد أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعيَّر بي، فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني لشيء، فمكثت يومًا وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا آخر وليلة أخرى لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك، قلتُ: يأ أمه تعلمين والله، لو كانت لك مائة نفس خرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت) [تفسير ابن كثير، (6/337)].
(وأنزل الله تعالى قرآنًا تلاه الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين فيه عتاب لسعد على شدته مع أمه في جوابه لها: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]) [شخصية المرأة المسلمة، د/ محمد على الهاشمي، ص(139)].
من مواقف البر:
(هذا ابن عمر يشهد رجلًا يمنيًا يطوف بالبيت الحرام، يحمل أمه ويقول: إني لها بعيرها المذلل، وقد حملتها أكثر مما حملتني، أتراني جزيتها يا ابن عمر؟ فأجابه: لا, ولا بزفرة من واحدة) [رواه البخاري] [نقلًا عن المصدر السابق، ص(144)].
والآن يأتي السؤال كيف أبر والديَّ؟
أختي الحبيبة عندما يستيقظ الإنسان من النوم، فإنه يتصرف وفق أهدافه وليس وفق أهداف الآخرين لأن لك حياة تختلف عن حياة الآخرين، ولكن وأنت في طريقك لتحقيق أهدافك عليك أن تراعي العلاقات بينك وبين الآخرين, وخاصة الوالدين لتأخذي منهما ما تحتاجين من مشاعر وحب وأيضًا احتياجات مادية، وتعطيهم أيضًا ما يحتاجون وتسددي وتقاربي.
(فقد طلب إليك ربك تعالى أن تحسني إليهما غاية الإحسان، وأن تبريهما أحسن البر، مهما صدر منهما تجاهك من إساءة، حتى ولو وصلت تلك الإساءة إلى حد أمرهما لكِ بالإشراك بالله تعالى، ذلك الذنب الأعظم الذي لا يقبل الله تعالى من صاحبه صرفًا ولا عدلًا، فليس لك حينها إلا ألا تطيعيهما، مع ثبوت حقهما في البر والإحسان.
ونظرة إلى واقعا المعاصر، ترين أن في والدينا بقية خير كبيرة بإذن الله، وأما ما يبدو من معارضته في سلوك طريق الالتزام، فمرده إلى تلك الغفلة التي خيَّمت على مجتمعاتنا، لكنها سريعة الزوال إذا التزمت الابنة المؤمنة بأمرين:
الأول: المبالغة في البر كما أوصاك الله تعالى:
فلو أن الابنة انكبت على أيديهما توسعهما لثمًا وتقبيلًا، مع طلب الدعاء منهما صباحًا ومساء، مع سرعة في تلبية حاجاتها، ومسارعة في خدمتها، وتضيف إلى ذلك حرصها على دراستها، والتفوق، مع إلانة القول، وترفق في الخطاب؛ لوجدت من والديها بعد فترة ليست بالطويلة كل تشجيع وتأييد.
الثاني: احرصي على عرض جمال المنظر الرباني:
لا تشغلي نفسك بأمر ونهي، بل اصبري على ما تجدي في بيتك من مخالفات شرعية سواء كانت من والديك أو باقي أفراد أسرتك، ولا تتمثلي صورة المنكِر الذي لا يعرف كلامًا غير هذا حرام، تلك المعصية في غلظة وجفاء، بل دعي وداعة النور تتسلل إلى قلوبهم رويدًا رويدًا عبر تمثلك بالشخصية الإيمانية التي ذاقت حقًا حلاوة الرضا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، فهذا أبلغ في تغييرهم من أي كلام، كما قيل: (إن فعل رجل أمام ألف رجل، أبلغ تأثيرًا من قول ألف رجل لرجل) [حياة النور، فريد مناع، (59-60)، بتصرف يسير].
وعليك أختي المسلمة اتباع الخطوات التالية:
1. ({وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23]، فقد سأل رجل سعيد بن المسيب رضي الله عنه قائلًا: لقد فهمت آية بر الوالدين كلها إلا قوله تعالى {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، فكيف يكون القول الكريم؟ فأجابه سعيد: يعني خاطبهما كما يخاطب العبد سيده ـ وكان ابن سيرين رضي الله عنه يكلم والدته بصوت ضعيف كأنه صوت مريض إجلالًا لها واحترامًا) [شخصية المرأة المسلمة، د/ محمد علي الهاشمي، ص(141)].
2. عامليهم معاملة الصاحب، (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ كما جاء في الحديث، وقول الله عزل وجل {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}).
3. اختاري أنسب الطرق والأساليب في مخطابتهما ومعاملتهما، بكل احترام وتقدير وتأدب، فالفتاة المسلمة (تحسن التأني إلى نفسها، وتسلك معها مسلك الرفق والتودد والتلطف والإقناع، لا تقسو، ولا تخرج عن دائرة الأدب والتهذيب، بل تحاول إقناعهما بالسبل التي تراها مجدية معها، وطريقها في الوصول إلى هدفها الصبر، والكلمة الطيبة، والبسمة الودود، والحجة القوية، والمنطق السليم، والأسلوب المهذب) [المصدر السابق، ص(146)].
4. إدخال السرور على قلبيهما, تفقد أحوالهما بين الحين والحين، وتقديم الخدمات التي تدخل السرور والبهجة على نفسيهما، مثل مساعدة الأم في أعمال البيت، وعند حضور الضيوف، وفي الولائم، وغير ذلك من الأمور التي تخفف عن الأم, وتدخل السرور على قلبها.
5. لا تقولي "أف" كما جاء في الآية {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].
6. الدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24].
7. وبعد موتهما أيضًا هنا بر مختلف، جاءت امرأة من جهينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته، اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء) [رواه البخاري].
وفي رواية لمسلم: (قالت: إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها، قال صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفحج عنه، قال، حجي عنها).
وبعد موتهما أيضًا يمكن أن تبري أصدقاءهما، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: إن أبر البر أن يصل الرجل ود أبيه) ود أبيه: أي حبه.
صراع الأجيال:
(لعل ما يميز المراهِقة خاصة على الصعيد الاجتماعي هو ما يُعرف بصراع الأجيال، ونعني به التنافر بين مفاهيم وتصرفات ومواقف كل من المراهقين والمعنيين بتربيتهم وعلى رأسهم الوالدين.
فالمراهق لا ينظر إلى الأمور بالعين التي ينظر بها الأهل، أذواقه في الملبس والمأكل والمعشر، قد تصدم أذواق الكبار، وطريقته في التفكير وفي الحكم على الأمور، تثير استغراب الأهل ودهشتهم وحتى استنكارهم أحيانًا، فالصراع يحتدم على أرضية التعايش المشترك لجيلين مختلفين) [التحليل النفسي للمراهقة، عبد الغني الديدي، ص(114-115)].
هناك فعلًا تصادم واختلاف بين جيلين يعيشون في بيت واحد، جيل الأباء والأمهات من جهة وجيل الأبناء والبنات من جهة، والجيلان يختلفان كل الاختلاف من حيث طبيعة النشأة والظروف الاقتصادية والثقافية، والتكنولوجيا الحديثة ووسائل الإعلام وكل ذلك له أثره على طريقة التفاعل والتفاهم بين الجيلين.
ولكنني لا أرى أن هذا الاختلاف يكون مدعاة وسببًا للصراع والتصادم؛ لأن العلاقة بين الأجيال في نظر الإسلام (هي علاقة تفاعل وليست علاقة صراع إذ أن الأبناء في الإسلام لا يكنون لآبائهم إلا المحبة بعيدًا عن العقوق المحرمة في الإسلام أصلًا، والقاعدة الإسلامية في التربية تقوم على ركيزتين متوازيتين:
الأولى: تتمثل في إعطاء الأبناء قدرة على الحركة نحو المستقبل.
الثانية: في إعطاء الأبناء قدرة على الثبات داخل قيم الدين والأخلاق، الذي هو (منهج أصيل متميز رباني غير وضعي ولا بشري) [تربية المراهق في رحاب الإسلام، محمد حامد الناصر- خولة درويش، ص(160- 161)].
أسباب الصراع:
من هذه الأسباب رغبة المراهق في الاستقلالية وعدم التبعية للكبار (وقد يبالغ بعض الأبناء في التمسك بالحرية، ويعتقدون أن جيل الآباء جيل سابق رجعي).
ومن الأسباب أيضًا: المبالغة في التدليل للأبناء، والمبالغة في الضغط والسيطرة على الأبناء بحيث لا يتيح فرصة للمراهق للتفكير المستقل، وكذلك النبذ والإهمال وعدم الاهتمام بالمراهق، واختلاف الأجيال، فقد يكون هناك خلاف وتغير في المفاهيم، ومعايير السلوك نتيجة التغيرات الاجتماعية المتلاحقة) [تربية المراهق في رحاب الإسلام، ص(162-163)، باختصار].
(التعارض بين حاجات الأهل وحاجات المراهق: فالأهل لهم نمطهم في المعيشة وأذواقهم وروتينهم، وللمراهق روتينه وأذواقه وحاجاته) [التحليل النفسي للمراهق، عبد الغني الديري، ص(121)].
كيف يتواصل الآباء والأمهات مع الأبناء؟
1. هناك قاعدة أصيلة وهي انطلاق الوالدين والأبناء من الثوابت الشرعية وهي المنهج الرباني المتميز, والأصل فيه الاحترام والمحبة والبر وعدم العقوق.
وفي الوقت نفسه على الوالدين الترفق وعدم التعسف في استعمال الحق وإرغام الأبناء على سلوك لا يرضونه، مع احترام شخصية المراهق حتى لا تنعدم سبل الحوار، والتفاهم بينهم.
2. للتواصل مع الأبناء... على الوالدين معرفة طبيعة المرحلة التي يمرون بها من الناحية النفسية والجسمية والاجتماعية والعقلية؛ لبناء جسور التفاهم مع الأبناء.
3. اشحن رصيدك: (لكي تجري اتصالًا هاتفيًا ناجحًا لابد أن تمتلك رصيدًا، وبالمثل في التواصل مع الآخرين لابد أن تمتلك رصيدًا ليس من الدقائق، ولكن من الأحاسيس والمشاعر، تلك المشاعر التي يلخصها لنا ستيفن كوفي بأنها (الشعور بالأمان مع الطرف الآخر) [العادات السبع للناس الأكثر فاعلية، ستيفن كوفي، ص(264)].
والمشكلة الأخطر تظهر في تعامل كثير من الآباء مع أبنائهم المراهقين، حيث ينسى كثير من الآباء العمل على زيادة رصيدهم عند أبنائهم في فترة المراهقة، ويهتمون أكثر بتوجيههم، وبإعطاء الأوامر لهم، فيكثر على لسان الأب: ادخل ذاكر، سترسب يا فاشل، أنت لا تعرف مصلحتك أبدًا، وينسى الأب وتنسى الأم شحن أرصدة الحب، والاحترام والتقدير، والمشاركة في الرأي وفي اتخاذ القرارات، ولا عجب بعد ذلك أن تجد عقوق الأبناء للوالدين، وتمردهم على البيت والأوامر والنواهي، وكل ذلك بسبب تجاهل قاعدة شحن الرصيد) [سحر الاتصال، محمد أحمد العطار، ص(18-19)، باختصار].
(4. أن يكون الوالدان قدوة حسنة, ومثلًا طيبًا في جميع جوانب الحياة لأبنائهم.
5. أن يتصفا بالرحمة والرفق واللين في غير إسراف.
6. أن يبتعدا عن كثرة اللوم والعتاب وإظهار العيوب.
7. أن يتحينا الوقت المناسب للتوجيه والموعظة الحسنة، وأيضًا توجيه الأوامر لهم.
8. أن يلتزما الدعاء للأبناء لا عليهم، فالدعاء عليهم فيه نهي شرعي، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء، فيستجب لكم) [رواه مسلم].
وقد ذكر الإمام الغزالي أنه (جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك، فشكا إليه بعض ولده فقال: هل دعوت عليه؟ قال: نعم، قال: أنت أفسدته) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (2/217-218)].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال، ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: (اللهم علمه الحكمة) [البخاري]، وبفضل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أصبح ابن عباس في كبره حبر الأمة، وترجمان القرآن.
ومن دعاء عباد الرحمن قولهم {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]) [مستفاد من الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري، ص(336)].
ماذا بعد الكلام؟
1. على الأبناء والوالدين الانطلاق من منهج ثابت في التعامل وهو المنهج الرباني {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، وعلى الوالدين عدم التعسف في استعمال هذا الحق, وتفهم طبيعة المرحلة التي يمر الأبناء بها؛ لبناء جسور تواصل وتفاهم.
2. لا يغفل الوالدان والأبناء اختلاف الجيلين، ولكن عليهما استغلال هذا الاختلاف في التفاعل الإيجابي القائم على احترام وجهة نظر كل طرف؛ حتى لا يتحول التعارض إلى نوع من حوار الطرشان وإلى مصدر لمآزم لا تُعد ولا تحصى.
3. المحافظة على بر الوالدين في حياتهما وبعد موتهما.
المراجع:
· شخصية المرأة المسلمة، د/ محمد علي الهاشمي.
· حياة النور، فريد مناع.
· التحليل الفسي للمراهقة، عبد الغني الديري.
· تربية المراهق في رحاب الإسلام، محمد حامد الناصر- خولة درويش.
· سحر الاتصال، محمد أحمد العطار.
· الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة، حنان عطية الطوري.
مفكرة الإسلام