قضى الصيف، ويستعد التلاميذ للعودة إلى المدارس وكلّهم أمل أن يكون هذا العام حافلاً بالنجاح والنشاط.

وإن كان العلم هو أحد أهم الرسائل التي أوصت بها الأديان السماوية، فإنه يندجرج ضمن أولويّات المبادئ التي نصت عليها إتفاقية حقوق الإنسان. لكن واقع الحرب الذي لا يرحم سبّب خللاً كبيراً في منظومة الحقوق، لا سيما حق العيش بسلام وأمن. فبات الأب الذي يحصل إبنه على فرصة تعليم، يشعر بالإمتنان لقدرٍ أهدى فلذة كبده قرطاساً وقلماً على أرض اللجوء.

 

جهود حكومية ودولية لتعليم كل أطفال النزوح

أشارت تقديرات المفوضوية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان إلى أن عدد النازحين سيناهز المليون ونصف لاجئ مع نهاية عام 2014. هذه الزيادة المتفاقمة لنسبة النزوح تراكم بدورها جملة مشاكل ليس آخرها التعليم. فالمدارس الرسمية في لبنان غير مجهّزة لإستقبال كل أطفال النزوح.

وفي حديث لـ"البيان" مع المتحدثة الإعلامية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، دانيا سليمان، قالت: "لقد نجا هؤلاء الأولاد من العنف وفقدوا أفراداً من أسرهم وخاضوا رحلات طويلة ومحفوفة بالخطر للوصول إلى برّ الأمان في لبنان. ويعتبر الحصول على الغذاء والمياه والدواء والمأوى بمثابة صراع يومي بالنسبة إلى العديد من الأولاد اللاجئين وأسرهم في لبنان.

وأضافت أنه "لا يمكن تجاهل هذا العدد الهائل من الأولاد. فغالبيتهم يصلون الى لبنان بخفي حنين، حيث نعمل على مدار الساعة من أجل توفير الدعم للأسر التي تعتمد علينا في البقاء على قيد الحياة".

وفي سياق موضوع التعليم قالت دانيا أنه "في ظل قساوة الظروف الراهنة، حيث البقاء على قيد الحياة محفوف بالأخطار، يُحرم العديد من الأولاد السوريين من التعليم، وبالتالي من العديد من الفرص في المستقبل. والوصول إلى التعليم أو مواصلة التعليم هي من الأمور الأساسية التي تمنح الأولاد الإحساس بحياة شبه طبيعية في ظل بيئة آمنة، وتتيح لهم الفرصة للنمو الفكري والعاطفي، الأمر الذي يُعتبر أساسياً لبناء المجتمعات".

وأشارت دانيا إلى أن المفوضية قدمت فرصة التعليم لأكثر من 90 ألف طفل تسجلوا في المدارس الرسمية للعام المنصرم، إضافة إلى أن 60 ألف طفل تلقوا التعليم خارج إطار المدرسة، أي ضمن مشاريع وبرامج أخرى مموَّلة من قبل المفوضية تقوم بها الجمعيات الدائرة في فلكها".

أما فيما يتعلق بأرقام الأطفال المسجلين للعام الدراسي الحالي فلا أرقام نهائية لدى المفوضية، فالتنسيق بينها وبين وزارة التعليم يجري على قدم وساق، ولكن لا نتائج أخيرة حتى الساعة. وحول هذا الموضوع أضافت: "نعمل بالتعاون مع وزارة التعليم في إطار حملة تأمين التعليم إلى كل الأطفال النازحين. وهذه المهمة من الصعب أداؤها بنجاح ما لم تتكاتف الجهود، فوزارة التعليم تحمل على عاتقها إستقبال طلاب النزوح في المدارس الرسمية في فترة قبل الظهر إلى جانب الأطفال اللبنانيين. بينما تتحمل المفوضية كل تكاليف دوامات ما بعد الظهر للأطفال المتبقين". وتشمل التقديمات المقدمة من قبل المفوضية العليا: التسجيل، القرطاسية، الكتب، النقليات، والهندام. فضلاً عن نظام المنح الجامعي الذي يقدم للطلاب الذين أنهوا دراستهم الثانوية.

وفي سؤال عن أبرز المشاكل التي تواجه تنفيذ مشاريع المفوضية، قالت دانيا: "إن ضعف القدرة الإستيعابية للمفوضية مقارنةً مع حركة النزوح القوية، وشح التمويل، هي من أبرز العوائق التي تصعّب القيام بجميع الأنشطة والبرامج المخطّط لها".

وفي هذا الصدد دعت المجتمع الدولي إلى تقاسم لبنان هذه الأعباء الكبيرة، وأن يساهموا في دعم قدرته الإستيعابية لحجم النزوح المطرد إليه.

مدرسة بلا جدران!

وفي إطار عمل الجمعيات والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، بادرت لجنة الإنقاذ الدولية، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها، حيث سارعت إلى التقدّم ببرنامج تعليم لمخيمات اللاجئين في عكار. وفكرة المشروع تقضي بأن توضع مدرسة على شكل خيمة مجهّزة بمعدات الدّراسة في المخيمات التي تضم عدد أطفال يتخطى الـ60 طفلاً. وفي محاولة لخلق فرص عمل لأبناء المخيم، نصّ برنامج التعليم في لجنة الإنقاذ على اختيار مدرسين من سكان المخيّم من إختصاصات عدة. ومهمّتهم الأساسية تهيئة الأطفال للإندماج في المدارس الرسمية وتسهيل تكيُّفهم مع المنهج التعليمي اللبناني.

يعتبر مخيم سعدين من أكبر مخيمات عكار، ويضم أكثر من 150 طفلاً بحاجة إلى تعليم. وقد باشر مسؤولو برنامج التعليم في لجنة الإنقاذ بتنفيذ المشروع في المخيم، بعد أن وضعوا الخيمة وجهّزوها واختاروا مدرّسين من المخيم، وشكّلوا مجلس أهالي مكوّناً من أولياء أمور بعض الطلاب.

تامر الرملة هو أحد المدرسين في خيمة سعدين، وهو من سكان المخيم، يقول تامر إن "فكرة المشروع أتت بالفائدة الكبرى على أهالي المخيم، فكثير من الأطفال هنا لا يجدون فرصة للتعليم نظراً لضعف القدرة الإستيعابية لمفوضية الأمم المتحدة، بفعل الضغط الكبير الملقى على عاتقها". وأضاف أن: "البرنامج يعمل بنظام مدروس تُوزّع وفقه الدروس على المستفيدين حسب فئاتهم العمرية، بدوامات محددة من التاسعة صباحاً حتى الخامسة عصراً على مدار خمسة أيام في الأسبوع".

وحول فعالية هذا المشروع، تقول نورا الرملة التي تعمل كمدرّسة في خيمة سعدين أن: "هذا البرنامج يساهم إلى حد كبير في تهيئة الأطفال للإنخراط في المدارس الرسمية. ويقدم لهم المعلومات الأساسية المطلوبة للتكيّف مع المنهج اللبناني". وتضيف أن "هذه الخطوة كانت فسحة أمل للأطفال للمباشرة في بناء مستقبلهم، الذي تهدد بالضياع بفعل اللجوء والهرب من آلات الموت في سوريا".

لخيمة التدريس مجلس أهالي يضمّ خمسة أعضاء من أولياء أمور طلاب المخيم. يتقاسمون في ما بينهم أدواراً عدة في سبيل حسن سير عملية التدريس ونجاح المشروع. ويجتمع أعضاء المجلس أسبوعياً لمناقشة مستجدات البرنامج والعمل على سد الثغرات التي قد تحصل.

وردة الرملة هي أحد أعضاء مجلس الأهل في المخيم، تقول: "تقضي مهمتي أن أتفقد حضور المعلمين ودوامهم، وأن أتحرى سبب غياب الطلاب في حال كانت نسبة الغياب لافتة للنظر".

أم خالد أيضاً هي عضو مجلس أهل، تقول: "مهمتي الأساسية هي الحفاظ على الخيمة، حماية تجهيزاتها، وتبليغ القيمين على المشروع في حال حصول أي طارئ".

الجدير بالذكر أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والجمعيات والمنظمات الدولية الشريكة لها قد أحرزوا تقدماً ملحوظاً في زيادة نسبة الأطفال الذين يرتادون المدارس، وذلك من خلال توفير البرامج التعليمية التعويضية وصفوف التقوية للكثيرمن الأطفال الذين واجهوا صعوبات بالتكيف مع المنهج اللبناني.

JoomShaper