تحقيق: زهرة مرعي
العنف ليس اختراع المرحلة التي نعيشها، بل هو مرافق للبشرية منذ قتل قابيل أخاه هابيل. لكن منسوبه في ازدياد، تخطّى الإطار المحدود بزمان ومكان ليصبح منتشراً على مساحات واسعة، ومخترقاً لبلدان كثيرة، ومدمّراً لأمن وأمان شعوب متعددة، ومشرّداً الملايين، خصوصاً على صعيد الوطن العربي. العنف ليس لغة وحسب، بل هو صورة يتمنى المشاهد لو لم يعش حتى زمنها لشدة قسوتها على النفس. صار البشر على الشاشات أشلاء، وخصوصاً الأطفال الذين نهشت أجسادهم أكثر آلات الحرب تطوراً... فماذا يقول هؤلاء الذين كبروا قبل أوانهم؟ هي جولة في شوارع بيروت تنبئ بحال الأطفال السوريين، ولا شك بأن أطفال آخرين يشبهونهم في مناطق أخرى من هذا العالم العربي المنكوب.
في السنوات الأخيرة، باتت كلمة عنف هي الأكثر تواتراً في نشرات الأخبار، وفي كافة وسائل الإعلام، وكذلك في الحوارات اليومية بين الناس. فإلى العنف الأسري الذي أسّس تناميه تياراً واسعاً مناهضاً له في المجتمع المدني، بتنا مع تعبيرات جديدة ومخيفة كما التطرف والعنف، الإرهاب والعنف، العنف الديني، العنف السياسي، القتل الجماعي، وصولاً
إلى مفردة التكبير لذبح البشر، وهو ما يُعتبر ذروة العنف.
أطفال باعة مشرّدون
فاطمة في عمر الخمس سنوات تخرج مع والدتها إلى «الشغل» يومياً من الرابعة بعد الظهر حتى السابعة مساءً. مكان عملهما مفترق الرملة البيضاء، والعمل هو بيع مناديل ورقية. تسأل فاطمة التي تركض كلما لاح لها طيف قادم، عارضةً أن يشتري منها كيساً بدون أن تنطق بكلمة. نسألها «شو عم تعملي»؟ يأتي الجواب: «عم بيع». هي ليست لوحدها بل في أحيان يرافقها مع والدتها شقيقها. تجلس الوالدة على الرصيف مطأطئة الرأس، فيما يعرض الطفلان البضاعة على المارة. حين توقفت لمحادثتهما كان الولد برفقة خاله في المنزل. الولدان لا يعترضان على مرافقة والدتهما «بينزلوا عالشغل كما أمهما» تقول الأم. وتضيف: جميعنا مضطر للعمل لتأمين لقمة العيش، زوجي مفقود ولا قدرة لأخي على إعالتنا. بحسب والدتها لا تدري فاطمة أن منزلهما في حلب قد دمر، لكنها دائمة السؤال «متى نعود إلى بيتنا»؟ نسأل فاطمة: هل تحبين الشغل أم اللعب؟ بعد تردد وبعد محاولات لإخفاء وجهها قالت اللعب. ما هي لعبة فاطمة المفضّلة؟ عروس كبيرة.
فارس، ابن العشر سنوات، يجلس وحيداً على رصيف ومعه علب علكة يعرضها على المارة بخفر، هو الثالث بين ستة أخوة وأخوات، جميعهم بحسبه يخرج «للشغل فوالدتي لا تحسن الشغل ووالدي مات». عندما نسأله إلى ماذا يشتاق في سوريا يقول: إلى أصدقائي والجيران. وماذا عن المنزل؟ ما في بيت، راح. وماذا عن المدرسة؟ لم أدخل المدرسة ولا أعرف القراءة والكتابة. يحب فارس الألعاب، ويعجز عن تحديد اللعبة المفضّلة. إن أعطيتك قلماً ماذا تفعل به؟ أرسم شجرة وعليها عصفور.
عبد الله وزوجته واثنان من أطفالهما يجلسون تحت جسر الكولا. تقول الأم بأسى: الزمن قاسٍ، أضطررنا للشحادة أمام ولدينا. نحن في لبنان منذ خمسة أيام بعد أن حُرق بيتنا. نسكن عند أقاربنا وفي النهار نخرج لضيق البيت، ولعلّ أولاد الحلال يتصدقون علينا ببدل الطعام.
حسنة في عمر الست سنوات نسألها:
[ ماذا تفعلين هنا؟
ـ مع ماما وبابا تقولها بخجل وهي تحركش بالتراب قربها.
أما لميس ابنة الأربع سنوات فتخبئ رأسها بملابس والدتها رافضةً حتى النظر إلينا. تخبرنا والدتها أنها لا تنام مذ تركنا سوريا. تفيق ليلاً باكية وتتكمش بي من الخوف. سؤالها الدائم متى نعود إلى بيتنا برغم مشاهدتها له محترقاً.
أما الوالد فيقول: أولادي مصدومون في هذه الحياة. جميعهم كانوا الأوائل في مدارسهم، هل أقول لهم إنني أشحذ لأطعمهم؟ جميعهم يستفيقون ليلاً على الكوابيس، يحلمون في نومهم أنهم يقتلون.
في أسواق الخضار الشعبية المنتشرة في بيروت يتجمع الأطفال السوريون بهدف الحصول على عمل هو عبارة عن إيصال المشتريات لأصحابها إلى بيوتهم في عربة يؤمنّها صاحب المحل. هم يتدافعون للحصول على زبون. ميمون في عمر العشر سنوات، يشتاق إلى بيته وكتبه في سوريا وكذلك للجيران، وهو موجود في لبنان مع والديه وأخوته الخمسة، وجميعهم أصغر منه. يعمل لمساعدة والده. دخله اليومي بين 7 و10 آلاف ليرة لبنانية. نسأله:
[ هل تتعب؟
ـ أتعب في جر العربة لأن دولابها أعوج فقط.
[ هل تشاهد تلفزيون؟
ـ في لبنان ليس لدينا تلفزيون، في سوريا كان لدينا جهازان».
[ ماذا تشتري لو كان ما تحصله لك وحدك؟
ـ أشتري ملابس جديدة. هذا هو حلمي.
... وأطفال يُحرقون
ما حدث مؤخراً في العدوان على غزة من قتل متعمّد للأطفال، أثار استياء العالم أجمع وأبكى الصغار والكبار. حتى إن المتحدث الرسمي باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كريس غنيس غطّى وجهه وأجهش في البكاء خلال حوار متلفز له على قناة الجزيرة، الأمر الذي حدا بالمذيع للاعتذار من المشاهدين عن المتابعة. أما المتحدث الإعلامي باسم منظمة اليونيسيف فأعلن في نهاية العدوان أن الأطفال الشهداء في غزة هم 447. وهو رقم تجاوز بكثير عدد الضحايا من الأطفال في العدوانين السابقين. وتتراوح أعمار هؤلاء بين 10 و17 عاماً، في حين أن 68% لا تتجاوز أعمارهم الـ 12 سنة. أما عدد الجرحى فبلغ 2877 طفلاً.
والعديد منهم قضوا في مدارس الأونروا التي لجأ إليها أهلهم لاعتقادهم أنها بمنأى عن القصف، لكن ذلك لم يكن صحيحاً. كما أنهم بقوا في الأقسام التي لم تدمر، فلا ملاذ آخر لهم. إليهم هرع عشرات الشبان والشابات ليتشاركوا مع الأطفال الوقت الثقيل بأعبائه على الجميع وخصوصاً الأهل. فكان اللعب المنهجي والمسرح والرسم من أدوات التسلية. الرسمة الموحدة تقريباً لهؤلاء الأطفال كانت البيت. فأينما وُجدوا، يرسم أطفال فلسطين بيتاً مع حديقة وأشجار باسقة. البيت هو الحلم سواء لساكني المخيمات أو غيرهم، وأي عدوان إسرائيلي يستهدف سريعاً تدمير البيوت على ناسها بهدف كسر تعلّق الفلسطيني بأرضه.
د. دولت خنافر: فقدان الأهل كارثة تهز كيان الطفل
مع الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية الدكتورة دولت خضر خنافر، كان هذا الحوار حول أثر مشاهد العنف على الأطفال...
[ هل واقع العنف الذي يعيشه ملايين الأطفال العرب مباشرة أو من خلال مشاهدته عبر الشاشات ينبئ بأننا سنكون مع جيل مضطرب السلوك بعد عقد أو عقدين من الزمن؟
ـ نحن نعلم أن إعلان حقوق الإنسان الذي أُقرّ واحتفل به رسمياً في فرنسا عام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية، والذي ركّز في الدرجة الأولى على حقوق الطفل والمرأة ظلّ مجرد أفكار، خصوصاً بعد المجازر التي شهدها العالم، واغتصاب فلسطين والمجازر التي ارتُكبت بحق شعبها، وما يحصل حالياً في كل البلدان العربية وتحديداً في غزة. فانتهاكات حقوق الإنسان وخصوصاً حقوق الطفل والطفل الفلسطيني على وجه التحديد، وما حصل من قتل مئات الأطفال والرضع، كل هذا العنف الممارس عليهم ستكون له نتائج كارثية على صحتهم النفسية. كي ينمو الطفل نمواً طبيعياً صحياً وسليماً فهو يحتاج إلى الأمن النفسي، وعدم إشباع هذه الحاجة تنتج عنه شخصيات مريضة، غير سوية، يجتاحها الخوف والرعب وعدم الثقة بالناس. وهذا ما يظهر في سلوك هؤلاء الأطفال الذي يتسم بالاضطرابات الانفعالية. وهذا الطفل قد يعاني، وخصوصاً إذا كان قد فقد أحد والديه أو كليهما، من انهيارات عصبية واكتئاب، وهذا قد يؤثر على قدراته ومشاعره وتحديداً علاقاته الاجتماعية. فمشاهد العنف والقتل مباشرة أو عبر الشاشة تؤثر تأثيراً رهيباً عليه وترافقه طوال حياته، وتشوّه إدراكه لنفسه وللعالم المحيط به.
[ كيف للأطفال أن يستوعبوا العنف الواقع عليهم بشكل مباشر: فقدان منازل، فقدان الأهل والإخوة، وفقدان الأشياء الخاصة؟
ـ يشكّل البيت المكان الآمن الذي تلوذ به العائلة للشعور بالأمان والراحة. وفقدانه مع ما يمثله من ذكريات وأشياء عزيزة علينا، يُعتبر جزءاً من حياتنا وماضينا، وخصوصاً بالنسبة الى الطفل. فغرفته، وألعابه هي جزء من حياته، وفقدانها يعني فقدان الكثير بالنسبة إليه. أما فقدان الأهل: أم، أب، أخوة فهي الكارثة التي تهز كيانه هزاً عنيفاً. فهو يُعتبر ضحية كما والديه. فهم وإن لم يقتلوا جسده فقد قتلوا روحه بقتل والديه، فيحصل لديه النكوص النفسي الذي عبّر عنه فرويد. ففقدان الطفل لأمه يحرمه من عطفها وحنانها لأنها هي التي تساهم في تكوينه الانفعالي، تُبعده عن الخوف الذي يسبب الاضطراب النفسي، وهي التي تساهم في استقراره النفسي وتوازنه العاطفي. الحرمان من الوالدين وخصوصاً الأم يترك آثاراً سيئة وخطيرة ودائمة على نمو الطفل جسدياً وعقلياً واجتماعياً. وهي آثار قد لا تمحى. وقد تنتابه حالة من الاكتئاب، وتشاؤم المزاج، إلاّ إذا وجد من يرعاه ويهتم به فيعوّض عليه بعضاً من حرمانه.
[ أمام حالة الحرب الرهيبة المترافقة مع التدمير والقتل، هل لنا أن نسأل عن العنف البدني الذي ينزل بالأطفال من ذويهم؟
ـ المقارنة غير جائزة في المطلق، فقتل الأطفال وهدم البيوت واستعمال أقصى درجات العنف، وقتل الآلاف خلال أيام وتدمير المستشفيات وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى، لا يمكن مقارنته بضرب أو تعنيف من قبل الأهل بقصد التأديب أو إصلاح الخطأ، أو فرض الطاعة، وهذا يُعتبر فشلاً وإخفاقاً في التعامل مع الأولاد ومفهوماً خاطئاً للتربية. وهذا النوع من العقاب مرفوض لأنه يؤدي إلى إذلال الطفل وإضعاف ثقته بنفسه، ويُشعره بأنه غير مرغوب به، وهذا كله لا يؤدي ولا يشجع على استقلالية الأطفال وتنشئتهم تنشئة صحيحة وسليمة.
[ كيف نحمي الأطفال من الكوابيس؟
ـ الطفل معرّض لأقصى درجات العنف والقتل والتشريد وفقدان الأهل والمنزل والمدرسة. بعضهم أصبح وحيداً في هذا العالم، فكيف نتعامل معه؟ وماذا نستطيع أن نفعل لننقذه؟ في الحقيقة وضع بعض هؤلاء صعب جداً. فقدوا دفء الأسرة، ورعاية الأهل، وعاطفة الأم وحنانها، واهتمام الأب وتوجيهه. يعانون من حرمان كلي، ومن فرص التفاعل الكافي، ما يعيق نموهم وتفتّحهم على الدنيا، فينعكس على شخصيتهم وسلوكهم وتظهر لديهم اضطرابات سلوكية وكوابيس ليلية. ولا يمكن التخفيف من هذه الحالة إلا إذا حظي هذا الطفل ببعض الاهتمام والرعاية والتعويض عما فقده بفقدان والديه أو أحدهما. وهذا يكون من مسؤولية الأقرباء المقرّبين أو دور الرعاية للتخفيف من معاناته، وإن كان لا يلغيها.
[ كيف نحميهم من الانحراف؟
ـ يبدأ الانحراف عند الطفل بالعداء للمجتمع ومعاييره والدخول في حالة صراع معه، فيرتكب أفعالاً مضادة. وهذا الانحراف له أسبابه ومسبباته، وهي كثيرة، منها فقدان الوالدين أو أحدهما، فينشأ محروماً من الرعاية والحماية والتوجيه. وأهم من هذا كله هو الحرمان العاطفي، فينتابه القلق وانعدام الشعور بالأمان، فيصبح عاجزاً عن ضبط نفسه تجاه المخاوف والقلق الذي في داخله، ما يدفعه إلى تصرفات عدوانية. أما بالنسبة الى أطفال غزة الذين فقدوا أهلهم وأخوتهم، فإن عداءهم يتوجّه إلى العدو الإسرائيلي الذي كان السبب في ما آلت إليه حالهم، وليس إلى المجتمع، فيزداد حقدهم وغضبهم وكرههم لهذا العدو الذي لا يرحم ولا يستثني لا طفلاً ولا شيخاً ولا أمــاً. أما كيف نحميهم من الانحراف، ففي تأمين الأسرة البديلة لهم، أو توفير مؤسسة تقوم بعملية التأهيل والتربية وتحويل عدوانيتهم نحو العدو الذي كان السبب لفقدانهم أهلهم وأحبتهم. فبدل تدمير الذات كما يفعل الجانح المنحرف، يتحول هذا الطفل إلى تدمير العدو الذي كان سبب نكبته وما أصابه، والانتقام منه. وهكذا يمكن انتشاله من الضياع والانحراف عن طريق إشعاره بقيمته ودوره في الدفاع عن وطنه ضد عدوه المغتصب.
[ وإذا تحدّثنا عن التسوّل، عندما يمارسه الكبار وينسحقون على مرأى من الصغار وبمشاركتهم، أي صورة مستقبلية ترينها لهؤلاء الأطفال الذين تفيض بهم الشوارع؟
ـ التسول ظاهرة اجتماعية مرضية، أو يمكن القول إنها مشكلة أو مرض اجتماعي لأنه سلوك هدّام. فالمتسولون يشكّلون خطراً على أنفسهم أولاً، وعلى مجتمعهم ثانياً. وهذه الظاهرة موجودة عندنا منذ زمن بدون أن يحاول المسؤولون حلها. لكنها تفاقمت بعد الحرب في سوريا، فازدادت أعداد المتسولين وتوزعوا في كل الشوارع، وخصوصاً في الأحياء الغنية والتجارية. التسول يُفقد الإنسان إنسانيته وقيمته ويهدد كرامته، فهو يتوسل ويتذلل مما يشكل لديه مفهوماً سالباً للذات التي تتشوه صورتها. فنحن نرى امرأة تجلس على الرصيف وبجانبها طفلان أو أكثر، وفي حضنها طفل رضيع، وهي تمد اليد مع الدعاء بالصحة والسلامة وطول العمر وما إلى ذلك. هذا منظر مؤلم ومؤذٍ في الوقت نفسه، خصوصاً عندما نرى أطفالاً، يجب أن يكونوا في المدارس، يمضون نهاراً كاملاً على الرصيف. وما يلفت النظر أيضاً فتيات بعمر الورود يقفن في وسط الشارع يعرضن للبيع علب محارم، وهذا كله وضع غير طبيعي وغير مقبول. وباعتقادي أن ذلك سيؤدي حتماً إلى السلوك الجانح والانحراف الجنسي وتعاطي المخدرات. فأين دور الدولة؟ ودور المؤسسات الاجتماعية الرعائية؟ وأين الحماية لهؤلاء الأطفال؟ على الدولة أن تهتم بهذه الظاهرة والتحقق من أوضاع هؤلاء المتسولين، وإن كانوا يتسولون لتأمين عيشهم أم هي أصبحت مهنة مريحة وسهلة لتحصيل المال. وهذا مطلوب من المسؤولين خصوصاً من وزارة الشؤون الاجتماعية، فمنظر الشوارع التي تغص بالمتسولين لم يعد مقبولاً أبداً لا سيما في مدينة بيروت.
ما بين الغرب والشرق!
أثبتت دراسة أجريت في جامعة «ويسكونسن ماديسون» على أطفال أميركيين عانوا من اعتداء جسدي وإهمال في وقت مبكر من الحياة، أن هؤلاء يعانون من مشاكل سلوكية وإجهاد. كما أُخذت صور لأدمغتهم وتمّت مقارنتها بصور لأدمغة أطفال عاشوا حياة سليمة وصحية، فظهر أن الأطفال الذين يعانون من ضغوط الحياة مبكراً كانت لديهم «اللوزة وحصّا الرأس» أصغر من الآخرين. وأكد الباحثون أن صغر منطقة الحصين من العوامل الخطرة والتي تؤدي إلى المشاكل الآتية: عدم التعلم، الاكتئاب، التوتر العصبي، ذاكرة ضعيفة، القلق، أمراض القلب والسرطان.
إذا كان هذا حال فئة من الأطفال الأميركيين، فما هو حال ملايين الأطفال العرب الذين يعيشون العنف وآثاره كافة منذ سنوات، خصوصاً عندما نعرف أن الفقر كذلك من شأنه أن يخلّف النتائج السالفة الذكر؟ وبالتالي السؤال مشروع عن ماهية أجيال المستقبل.
عنف الشاشات
أثبتت دراسة علمية استخدمت عيّنة من الأطفال في الولايات المتحدة، أن العنف الذي تبثه شاشات التلفزيون يُنتج أطفالاً عدائيين ومتحجري القلوب. وتالياً يصبح هؤلاء ناضجين عدائيين، وأقل تعاطفاً مع أوجاع الآخرين. المؤسف والمؤلم أن بعضاً من الإعلام يجد تبريراً لهذا العمل العنفي أو ذاك.
تجارب تفوق أعمارهم
كتبت موظفة في الأونروا في غزة ما يلي: ذهبنا اليوم لزيارة مركز إيواء يضم سكان الشجاعية. بمجرد أن نزلت من سيارة «الأونروا» حتى هرعت طفلة صغيرة نحوي لم تتجاوز السبع سنوات. شدتني من يدي، وابتسمت، وقالت لي: خالتو خديني عند ماما. مش إنتوا معكم سيارات ما بيطخوا عليهم اليهود؟ سألتها أين ماما؟ أذهلتني إجابتها، قالت «ماما خبيتها أنا وأختي تحت شجرة، إجتها شظية برأسها وماتت. بس أنا سحبتها وغطيتها عشان ما ينهّد عليها البيت، بس ما لحقنا نودعها. أمانة خذيني عليها أودعها».
وقفت عاجزة أمام تلك الطفلة، وأمام وقع كلماتها التي لم تفارق أذني، حتى اللحظة. يا رب كن في عون أطفالنا، ممن عاشوا تجارب تفوق أعمارهم بآلاف المرات.
منار شاعر فلسطين