د. بشير أبو حمّور
كم أتمنى أن تتبدل وجهة نظر آباء وأمهات الطلبة ذوي صعوبات التعلم القرائية من الإحباط إلى الثقة في أبنائهم. وبدقة أكبر، أتمنى أن يعلم الوالدان أن أبنائهم يستطيعون أن يتعلموا القراءة، وأن لديهم من جوانب القوَّةِ ما يفوق جوانب الضَعف. فإعداد الوالدان الجيِّد لأبنائهم الذين يعانون من صعوبات القراءة سينعكس على ثقتهم بأنفسهم، ونظرتهم لمستقبلهم، وتفهمهم لأسلوب تعلُّمهم الفريد والمختلف عن أقرانهم من الفئة العمرية أو الصفية التي ينتمون إليها.
وبناء عليه فإنني أتقدم بالنصائح التالية للوالدين لمساعدتهم على تبني اتجاهات أكثر إيجابية نحو أبنائهم المعسرين قرائياً:
1-لاحظ نجاح طفلك .. كثيراً ما نسمع مقولة «طفلي لا يستطيع القراءة!» والتي تقولها الأم على مسمع من الطفل ومعلميه. وهنا يجب التوقف والسؤال «هل لدى طفلك جوانب قوة»، فربما كان لديه موهبة في الرسم، أو أنه متميز لغوياً، أو أن لديه مهاراتُ استماعٍ يتفوق بها على أقرانه من الفئة العمرية نفسها. وبكلمات أُخرى، إنه لمن المزعج أن نرى أنَّ معظم تركيز الوالدين مُنصب حول عجز طفلهم القرائي والمتزامن مع الإهمال غير المُتعمد لكل الأعمال التي يستطيعُ أنْ يقوم بها بشكل جيِّدٍ أو ممتاز. (مثال: حقيقة أن طفلك لا يستطيعُ قراءة بعض الكلمات أو كتابتها لا يعني أنه لا يستطيعُ فهمَ النَّص المقروء شفوياً له، أو حتى حل أصعب المسائل الحسابيَّة). فالسماح لطفلك باستخدام

جوانبِ القوة لديه يعزِّزُ ثقته بنفسه، ويطور اتجاهات ايجابيةٍ نحو جوانب التَّفوُّق التي يمتلكها.
2-احتفل بكلِّ نجاح.. عزز طفلك على كلِّ وظيفةٍ دراسيةٍ ناجحةٍ تم إتقانها من قبله، فحتى التقدم البسيط أو قراءة بعض الكلمات يستحق طفلك أن يعزز عليه. وعلى النقيض من ذلك فإنَّ التذكير المستمر بمستواه القرائي المتدني مقارنةً مع زملائه سيحبطه ويجعله يكون اتجاهاتٍ سلبيةٍ نحو القراءة. بالإضافة إلى ذلك فإنَّ التركيز المبالغ فيه على العلامات المدرسية، كثيراً ما يقتل دافعية الأطفال للقراءة، فالعلامةُ هي جزء من الصورة وليست الصورة الكاملة. ولهذا هناك حاجة ماسة للتركيز على ما يستطيع أطفالنا قراءته وليس فقط على أخطائهم أو علاماتهم.
3-كن صادقاً مع نفسك وحدِّد أهدافاً واقعيةً.. فعلى سبيل المِثال توقَّع أنْ يتخلَّص طفلك الذي يعاني من صعوبات التعلم القرائية من مشاكلةٍ بين عشيةٍ وضحاها هو هدف غير واقعي. فنتائج البحثِ العلمي تشير إلى أنَّ العمل الجادَّ والدؤوب والمستمر يساهم في التقدم القرائي المطلوب ولكن لا يخفي المشكلة القرائيةَ لدى هؤلاء الطلبة. ولذلك فإنه من المفيد أن يخصص وقتاً يومياً للقراءة المشتركة مع الوالدين أو المستقلَّة حتّى تتطور قدرات طفلك القرائية تدريجياً.
4-لا تدع الضعف الإملائي يوقف طفلك عن القراءة.. وهنا كثيراً ما أسمع أيضاً الوالدان يقولان: «طفلي ضعيفٌ جداً في الإملاء». ولهذا فالنصيحة المقدمة في هذا المجال «لا تدع الضعف الإملائي يمنع طفلك من الكتابة والقراءة» فالممارسة المستمرة واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة (مثال: المدقق الإملائي) ساعد ويساعد في نجاح الطلبة المعسرين كتابياً. فالقراءة والكتابة هما مهاراتان أساسيتان لتعلمِ اللغة وكلاهما يعزز الآخر.
5-تحدث مع أطفالك عن الصعوبات الخاصة بك.. تحدث مع طفلك عن الأعمال التي لا تتقنَها. حيث أنَّ اعترافك بمعاناتك من جوانب ضعفٍ معينةٍ يعتبر نوع من أنواع الدعم والمساعدة لطفلك الذي يعاني من صعوبات القراءة، وهذا بدوره ينعكس على فهمه بأنَّ الناس لديهم جوانب قوة وضعفٍ مختلفة. فمثلاً قد يتحدث أحد الوالدين عن ضعفه المرتبط بممارسة بعض أنواع الرياضات، ولكن مع التركيز على أنَّه دائماً يحاول أن يحسن من نفسه ليكون نموذجاً لطفله. والهدف من ذلك أن يعرف الأطفال أن عليهم الاستمرار في تطوير قدراتهم القرائية حتى وإن عانوا من مشكلات واضحة فيها، فالتوقف عن تدريب تلك القدرات يعني زيادة ضعفها.
6-إقرأ بصوتٍ عالٍ لطفلك فهذه الاستراتيجية مفيدة وممتعة.. يجب أن يقرأ الوالدان للأطفال الذين يعانون من مشكلات قرائية يومياً،إذا أن سماع شخص آخر يقرأ لا يساعد فقط على سماع اللغة، بل يزيد من مقدرة الطفل على الاستيعاب والفهم وحب النص القرائي دون ربطه بمعاناة القراءة التي يعاني منها. وهذا بدوره يزيد من فرص تركيزهم على معاني الكلمات، وتطوير معرفتِهم وثقافتِهم العامة، وزيادة استخدامهم لخيالهم.
7-الخطوات الصغيرة هي التي تجلب التحسن الكبير.. فمثلاً إذا كان طفلك قارئا مبتدئا أو لديه معدل قراءةٍ بطيءٍ جداً، فسوف تبدأ بتعليمه أصوات الحروف الأبجدية وأسمائِها. ثم تعليمه بعض المقاطع السهلة (با، ما، سا، مي)، ثم التدرب على دمج المقاطع الصوتية لتشكيل الكلمات (مثال: بابا، ماما، سامي). أمَّا إذا كان طفلك أكثر استقلالية، فمن الممكن الجلوس معه يومياً قبل النوم وقراءة قصةٍ ممتعةٍ بصوتٍ عالٍ مع مراعاة المساعدة في الكلمات الصعبة. وهنا يمكن أيضاً مناقشة أحداث القصة وأبطالها بطريقة جذابة.
8-لا بأس أن يقرأ ببطء.. كثيراً ما يذكر الوالدان «ابني بطيء جداً في القراءة». وهنا يجب التأكيد على أن القراءة البطيئة هو أحد الخصائص الأساسية والمستمرّة للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم القرائية أو «الدِسلكسيا»، ومع هذا فإنَّ قدراتهم تتطوَّر نحو الأفضل مع التَّدريب. وبلغةٍ أخرى فإن القراءة البطيئة أفضل من عدم القراءة. وبناءً عليه فإنَّ التركيز يجب أن يكون منصباً في البداية على القراءة الدقيقة والصحيحة للكلمات، ثم على الطلاقة أو السرعة القرائية.
ختاماً، فإنَّ الأطفال ذوي صعوبات التعلمِ لا يحبون العمل القرائي لأنه من الأعمال المجهدة والصعبة عليهم، ولهذا فهم عادة ما يتهربون منه لتجنب الإحساس بالإحباط والفشل. وتشير نتائج البحث العلمي إلى أنَّ هذه الاتجاهات السلبية تتغير عندما يرى الأطفال أن الآباء والأمهات والمعلمين يعملون معاً لمساعدتهم. وهنا أود أن أذكر بالقاعدة العربية الأصيلة «ما لا يُدرَكُ كُلُّه، لا يُترَكُ جُلُّه»، فلا يجدر بنا التخلي عن أمرٍ ما لمجرد أَنَّنا لم ندركه كله، فلو أدركنا أكثره كان خيراً أيضا. وهذه القاعدة تنطبق على كافة أوجه القراءة بقوة أيضا.

JoomShaper