عيسى المناعي
قبل عامين من الآن، وفي 14 أبريل 2014 تحديداً، برهن المجتمع الدولي على التزامه الراسخ بحماية حقوق الأطفال عندما قام بالتوقيع على البروتوكول الاختياري الثالث لمعاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل. ويسمح هذا البروتوكول للأطفال، في البلدان المصدقة عليه، بتقديم شكواهم مباشرة للجنة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل، وذلك في حال الاخلال بها. وقد شكّل هذا البروتوكول إضافة نوعية لجهة حماية حقوق الأطفال، لا سيما الحق في الحياة والحماية والتعليم، كما هو وارد في معاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل.
لكن الواقع على الأرض، وللأسف الشديد، يختلف اختلافاً بيّناً. إذ يعاني ملايين الأطفال في المناطق التي يسودها الفقر والنزاعات، من عدم توافر أبسط حقوقهم الإنسانية. وهكذا، وبالرغم من توقيع هذه المعاهدات الطموحة، تستمر معاناة الأطفال في تلك المناطق، حيث يعيشون في ظل ظروف قاسية تحرمهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية.
من الحريّ الإقرار بأن تطبيق المعاهدات والتشريعات أمر يتطلب وقتاً طويلاً، لكنه من الضروري التنبه أيضاً إلى أولوية الحفاظ على وعودنا تجاه هذا الجيل من الأطفال، حتى يتمكنوا

من جني ثمارها وهم ما يزالون في ربيع العمر.
ففي خضم نزاعات طاحنة، وحالة عدم الاستقرار العالمي، يتوجب على المجتمع الدولي أن يتبنى مقاربة شاملة في مجال تطبيق حقوق الطفل، لتأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة للأطفال الذين يعانون من انعكاس النزاعات والفقر المدقع.
وتلعب المنظمات الدولية، على غرار أيادي الخير نحو آسيا (روتا)، دوراً أساسياً في توفير إجراءات من شأنها تأمين حقوق الطفل خلال فترة زمنية قصيرة. إذ تعتبر الحلول المبتكرة، وبرامج التنمية المُصممة لتلبية احتياجات الأطفال، التي تأخذ بعين الاعتبار المصاعب التي يواجهونها، وخصوصية المناطق الجغرافية التي يعيشون فيها، أفضل السُبل لمساعدتهم.
يُعد التعليم واحداً من الحقوق الأساسية للأطفال، ولكن 59 مليون طفل حول العالم هم محرومون من هذا الحق. والتعليم غاية في الإفادة للأطفال في البلدان التي تسودها النزاعات، على غرار سوريا واليمن، كونه يوفر لهم الإحساس بالاستقرار في خضم فترات طويلة من انعدام الأمن، فضلاً عن غرسه لقيّم المواطنة الصالحة في نفوسهم.
واستناداً إلى تقرير نشرته منظمة "كلنا في المدرسة"، وهي جزء من صندوق الأمم المتحدة الدولي لرعاية الطفولة، تبلغ نسبة الأطفال خارج المدارس من اللاجئين السوريين في لبنان نحو 40 %. ويُعتبر ذلك مثالاً صارخاً على أولوية وضرورة استخدام الوسائل القانونية التي توفرها معاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل وبروتوكولاتها المختلفة. وعلينا أن نشدد باستمرار على تعزيز هذه الوسائل، وفي الوقت نفسه، وضع الإجراءات المناسبة لتوفير تعليم راق وغير رسمي لأطفال اللاجئين السوريين، والأطفال الآخرين المحرومين من حقهم الطبيعي في التعليم.
وهذا ما قامت بتنفيذه روتا خلال العام المنصرم في لبنان، من خلال مشروع "غطاء"،توفير التعليم للمستوطنات غير الرسمية " حيث صُممت هذه المبادرة، التي تمتد على مدار 24 شهراً، لتوفير الدعم للاجئين السوريين الصغار وعائلاتهم، عبر تأمين حقوقهم الأساسية من تعليم ومأكل ورعاية صحية. ومن خلال هذا المشروع، الذي يتم بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، ترعى روتا عملية تطوير ثلاث مدارس في محافظة البقاع اللبنانية، مما من شأنه توفير مستوى تعليمي عال لأطفال اللاجئين السوريين الذين يعيشون هنا.
هذا غيض من فيض مما تقوم به المنظمات الدولية في مجال دعم التطور المستدام لحقوق الأطفال. ولا شك بأن مشروعات ابتكارية كتلك المذكورة آنفاً هي بغاية الضرورة لحماية حقوق الأطفال، وخاصة حقهم الأساسي في التعليم. إنه لمن واجبنا العالمي حماية حقوق الأطفال، وخاصة أولئك الذين هم بأمسّ الحاجة إلى ذلك. بيد أن تحقيق هذا الهدف لن يتم إلا عبر التعاون المشترك وتوفر الإرادة لحماية الحقوق الأساسية للأطفال، وبالتالي حماية مستقبل البشرية جمعاء.

JoomShaper