أبواب - إبراهيم مفيد الدقاق - سؤال يدور.. يصول ويجول..هل ما يزال أطفالنا بحاجة للقصص والروايات كقصص سندريلا، أو الأميرة النّائمة، أو الأقزام السبعة، وما يدور فيها من أحلام جميلة ونهايات سعيدة تحكي عن حياة رغيدة.
جيل الأطفال السابق كان يحلم ويعيش على أمل أن يأتي يوم تتحقق فيه أحلامه كتلك الواردة بقصص الخيال، وهنا لا أتحدث عن خيال القصة، بل عن خيال هو ضرب من المحال الذي لا يجرؤ أن يدنو من تلك الحياة البعيدة عن أقرب تخيّل.
ونعود لنسأل.. هل ما يزال أطفال هذا الجيل بحاجة لتلك القصص والروايات؟.. أم أنهم عزفوا عن القراءة لأسباب عدة؟.. منها انشغالهم بمواقع التواصل الاجتماعي، ومتابعة ما يدور من أحداث ومسلسلات تقدّم لهم وجبات جاهزة من الخيال وذلك عبر الإعلام المرئي والمسموع والقنوات الفضائية وما تبثه من مسلسلات تروي قصص حب كاذبة وأفلام عارية يملؤها خدش للحياء العام.

بتنا لا نجرؤ على تغيير القناة حتى لا تنسب إلينا صفات الرجعية والتخلف!
ولعل جل اهتمام أطفالنا اليوم هو التشبه بهؤلاء في الملبس والمأكل والشكل بل والجوهر، في واقع تبدّلت فيه القيم والمبادئ، وتعددت أيضًا اهتمامات الأطفال كل حسب حاجته، وموقعه، وملابسات معيشته تبعًا لمدى احتياجه، نتوقف عند السؤال الذي يفرض نفسه، ما نوع أدب الطفل الذي يحتاجه أطفال العالم في عديد من القصص والروايات وغيرها من أشكال الآداب.
تلك الفئة الكبيرة من مجتمعاتنا، بل هؤلاء الملايين من الأطفال ممن يعيشون حقيقة مؤلمة، ولسان حالهم عدم وجود ملجأ يأويهم، أو حاجتهم الى مأكل ومشرب يكفيهم، وليس لديهم ملبس يكسيهم في ظل حرمان يذلهم ويؤذيهم، حرمان من أبسط أساسيات الحياة، فأي نوع من آداب الطفل يغنيه أو يكفيه؟ ولن يبقى للبعض منهم إلا ملاذًا واحدًا هو الهروب بخيالهم نحو اللا واقعي ليلقوا بأنفسهم بين أحضان الأمنيات باللجوء لقصص وروايات تشبع أحلامهم، وربما تنير لهم شمعة في ظل عتم أسود حالك ليله كمستقبلهم.
إن نظرنا إلى الجانب الأخر من العالم، فسنرى أطفالًا ليسوا ببعيدين عنا، يعيشون بيننا، ويشبهون الأطفال في الفئة العمرية، والمسمى الطفولي، لهم الأجساد ذاتها، مع اختلاف المظهر فحسب، يتمتعون بما يفيض عن حاجاتهم، لهم اهتمامات ببعدٍ آخر، هؤلاء يلقون أنفسهم في أحضان الآي باد والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، يقبعون هناك ويمارسون هواياتهم بل حياتهم في نوادٍ فارهة، يستمتعون بالواقع المحيط بهم، ولا وقت لديهم للبحث عما يدور في قصص الأطفال وروايات الكتب، فلماذا؟ ألأنهم يمتلكون كثيرًا من الرفاهية، ويعيشون قصصهم الحقيقية والتي هي أجمل بكثير مما هي في القصص والخيال، وأحلى من حكايات الشخصيّات القصصيّة؟
يبدو من واقعنا المعاش بأن أطفالنا ما عادوا بحاجة لأحلام الروايات.. ليبقى الخيال حِكراً على طفل يلتمس قبساً من نور يتشبث به ليتمكن من إكمال مسيرة حياة فيها بعض من تفاؤل يدفعه كي يتمسك بأحلامه أو يستعيد جزءًا منها، أطفال كثير يحيا على رغبة بتحقيق جزء منها إن تمكن من ذلك، حسبه أن يتمسك به سعيًا للاستمرار، فهو لا يملك سواه طوقا للنجاة من ظلمات الفكر واليأس.
شتان ما بين هذا الطفل وذاك، وشتان ما بين حاجة كل منها، فعن أي أدب طفل نتحدث؟
كنا نكتب للطفل حسب الفئات العمرية لكن يبدو أن الفئة العمرية تلك تحتاج لتحديد هوية الطفل، فالواقع قسمهم حسب حالاتهم واحتياجاتهم وواقع معيشتهم إلى قسمين(طفل محروم وآخر مشبع مفتون) .
فلننظر من جديد في مشهد أدب الطفل بل وأدب الفتيان المطروح بين أيدي أبنائنا، ونعيد قراءته ضمن احتياجاتهم المعاصرة، لنجسِّر الهوة فيما نكتب لهم من منتج أدبي يناقش حياتهم ويتعرض لاهتماماتهم، وتعود القصة والرواية لتكونا مكوّنيْن من مكوّنات حياتهم.

JoomShaper