صباح جمعة
نفني أعمارنا في العمل والجري وراء التطلعات التي لا تتوقف عند حد, وننسى في زحمة المشوار أقرب الناس إلينا وأحبهم إلى نفوسنا. إنهم أولادنا وقرة عيوننا!
صحيح أننا لا يمكن أن ننساهم، فهم الذين من أجلهم نركض وراء الدنيا، رجاء أن نوفر لهم أفضل طعام وأفضل شراب وملبس وسكن، ولكن ربما في سبيل تحقيق هذا الهدف ننسى فعلا ما هو أهم من ملء بطونهم وتربية أجسادهم.
إنها تربية عقولهم وأرواحهم، وتهذيب سلوكهم ووجدانهم.
إن الأسرة حقا هي المحضن الأساس والصانع الأول لشخصية الإنسان، وإن تربية العقل والروح وتهذيب السلوك والوجدان هو الذي يصبح به الإنسان إنسانا.
من هنا كانت مسؤولية تربية الأبناء ورعايتهم عظيمة أمام الله عز وجل، فقد قال الله تعالى﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)6سورة التحريم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ)متفق على صحته.
ومن هنا نعلم أن الله سائلنا عن أبنائنا، هل حسن خلقهم أم ساء؟ أضاعوا العمر في خير أم في شر؟ حفظوا القرآن وعملوا به أم أضاعوه .
ولابد أن يدرك الوالدان أن معاناة التربية هي نوع من الجهاد والطاعة, وأن ما يلاقينه من الجهد والعناء لا يضيع عند الله, ولهذا جاء عن بعض السلف: (إن من الذنوب مالا يكفره إلا هم الأولاد).
فإذا عرف الإنسان هذا، هان عليه الأمر، وعلم أنه في عبادة يؤجر عليها كما يؤجر على سائر العبادات.
ولابد أن يضرب المربي من نفسه القدوة الصالحة، فالقدوة أبلغ من آلاف المواعظ, وكما قال حكماء المربين: (فلتكن أول ما تؤدب هي نفسك، فإن عينك متعلقة بأبنائك وأعينهم متعلقة بك, فالحسن عندهم ما استحسنته، والقبيح عندهم ما استقبحته).
فإن لم تكن أنت أيها المربي صادقا، فهل تتوقع من ابنك الصدق؟ وإن لم تكن أنت أمينا، فمن أين تأتي لابنك الأمانة؟ وإن لم تغض أنت بصرك عن محارم الله، فهل يغض ابنك بصره عن محارم الله؟
كما ينبغي أن نربط أبناءنا بالصحبة الصالحة، كما نبههنا رسولنا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ الى أهمية اختيار الصاحب والرفيق فقال صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ"(رواه أحمد وحسنه الشيخ شاكر والألباني).
ولا نغفل أبدا عن أن التربية هي توفيق وهداية من الله عز وجل قبل كل شيء، وما علينا إلا بذل الجهد والصبر والاستعانة بالدعاء يتحقق مرادنا ويقر عيوننا بتربية الأبناء.
وأخيرا: همسة في أذن كل مربٍ، إن لم يكن ولدك كما تتمنى أن تراه، فأنت أعوز الناس، ولو جمعت لك كل ثروات الأرض!