انيسة الشريف مكي
اليوم أكتب لكل الآباء والأمهات والمربين، عن الأمانة التي وضعها الله بين أيدينا، وحذرنا من التعرض لها بكافة أنواع الإيذاء التي يتعرض لها الطفل والتي تهاجم النمو العاطفي لديه، وتهاجم صحته النفسية وإحساسه بقيمته الذاتية: كالشتم والتحطيم، والترهيب، والعزل، والإذلال، والرفض، والسخرية والنقد اللاذع، والتجاهل، وأيضا التدليل المفرط، واختلال السيطرة والعزل. فتحقير الطفل هدم بمعناه الأصلي سواء كان بين المربي والطفل منفردين، والكارثة عندما يكون أمام الغير، حينها قل على الدنيا السلام. أم تكرر أمام طفلها «أنت غلطة عمري» بسببك تحملت الذل من والدك وبقيت معه فلو لم تأتِ في الدنيا لما كان هذا مصيري. وأب يقول لابنه: أنت غبي حرام ندفع رسوم مدرسة خاصة، ومعلمين خصوصيين وأنت لا تفهم شيئا، أو: انظر أبناء الجيران وما حصدوا من درجات عالية.. مقارنة تضرب في صميم شخصية الطفل وتفقده ما تبقى من ثقته بنفسه. لا بد وأن نؤمن بالقدرات وبالفروق الفردية، ونضعها في عين الاعتبار. إحباط لا شك أنه سيُحِدُ من طاقاته ويعطل إحساسه الذاتي بإمكاناته وقدراته، فيتحول بعدها لرواسب تبقى في عقله الباطن حتى نهاية حياته. ألم يكن من الأفضل أن

تكون ملاحظة الوالد على مجهود الطفل وعمله لا على شخصيته؟!، لأنه لم يعط نفسه الوقت الكافي للمذاكرة وأهمل فيعرف أين الخلل. ومن الاعتداء العاطفي أيضا، اللا مبالاة بما ينجزه كأن يقوم الطفل بنشاط يقابل بالبرود من والديه أو معلميه، وعلى سبيل المثال ما حدث مؤخرا مع طفل صديقتي، قدم نشاطا بذل فيه جهودا كبيرا، ربما لم ينم ليلتها ليقدمه للمعلم فكانت الصدمة «اللا مبالاة من المعلم» وضع النشاط على الرف.. لا تعليق!! هذا أيضا يحدث من بعض الآباء والأمهات، فما يراه الطفل إنجازا يقابل بعدم اكتراث وربما يلام لأنه أضاع وقته برسم لوحة!! هنا يفقد الطفل عنصر التفاعل والاكتشاف، (نتيجة عكسية) حيث إن التحفيز والتشجيع ودفء العواطف، ووجود الوالدين والمربين نفسيا وحضوريا دائما مع الطفل يغطي احتياجاته العاطفية وينمي شخصيته العاطفية والثقافية والاجتماعية وينمي شعوره بالأمان؛ فيثق في العالم، ويبحر في علومه ومعارفه فيكتشف الكثير، ويستنتج الأكثر، بتوفيق الله وبالتربية السليمة. أما القسوة فاعتداء صريح ودمار لشخصية الطفل. ومن خلال عملي كمعلمة ثم مديرة مدرسة صادفت حالات كثيرة تعرضت للقسوة، منها على سبيل المثال: أم تحبس ابنتها في الحر الشديد وتأمرها بألا تخرج إلا بعد أن تكمل كل واجباتها والنتيجة لا شيء، تنام الطفلة بجوار كتبها ودفاترها وربما تدوخ من شدة الحر. أما قسوة الآباء والعنف فيكون أكثره عند استلام نتائج الامتحان، فقصة الطالبة التي انهال عليها والدها بالضرب المبرح، وآثاره ظاهرة على جسدها شيء مؤسف، وعند التحدث معه كان رده «هكذا كان يفعل بي أبي، وكان سبب حصولي على الدكتوراة» منطق غريب!! وحوادث أخرى مشابهة. هؤلاء الأبرياء يفقدون معنى العالم، ويفقدون معنى وجودهم، ويتعطل نموهم العلمي والثقافي والاجتماعي والعاطفي. وطفلة في الفصل تحضر للمدرسة يوميا باكية والمعلمة لا تعرف السبب، واجباتها كاملة ومستعدة لكل إجابة في كل مادة، دُرست حالتها، والنتيجة أن هذه الطفلة تتعرض للتهديد من والدها بفرض عقوبات شديدة مرعبة في حالة حصولها على معدل متدنٍ. لهؤلاء الآباء أقول: رفقا بالأمانة، ولا تكونوا سببا في فقدهم ثقتهم وتعطيل قدراتهم على التعامل مع المواقف الصعبة في حياتهم ومستقبلهم وفي كل مناحي حياتهم حين يكبرون ويعيشون الواقع. أبناؤنا أمانة في أعناقنا، فيجب الحفاظ عليهم وعدم الاعتداء عليهم عاطفيا بأي شكل من الأشكال، وقد شدد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على ذلك الأمر، حيث يقول «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيتِهِ».

JoomShaper