عقول أطفالنا صفحة بيضاء، تلتقط بسهولة ما تُشاهده وما يدور حولها. ولا يقف الأمر على مجرد المشاهدة، إنما يتم برمجة هذه العقول من خلال المشاهدات والمواقف المختلفة. فكيف إذا كان ما يشاهده الأطفال مخصصا لهذه العقول النقية، من ألعاب وبرامج أطفال؛ فإن أثرها حتماً سيكون كبيراً عليهم، وبرمجتها لعقولهم واضحة. ونستطيع ملاحظة أثرها عليهم في سلوكياتهم بشكل جلي أثناء تعاملهم مع من حولهم. وكذلك أثناء اللعب. والأخطر من ذلك: ظهور بعض الانفعالات السلبية كالعدوانية، فضلاً عن ألفة العنف بأساليبه المختلفة، والتي تُؤثر على صحتهم النفسية والجسمية. وما ذلك إلا نتيجة احتلال عقولهم، والسيطرة عليها من قبل ما يشاهدونه من برامج، أو يتفاعلون معه من ألعاب، من خلال الأجهزة الذكية التي يقضون
معها ساعات طويلة، توازي ساعات نومهم أو تزيد عليها أحياناً. وتخصيص الحديث عن الآثار السلبية للأجهزة الذكية بشكل خاص، لا عن التلفاز: ما هو إلا نتيجة وجودها في متناول الأبناء على مختلف أعمارهم، وفي أي مكان وزمان بكل بسهولة. وإلا فإن للتلفاز ببرامجه الموجهة للأطفال، وغير المنقحة لها الأثر نفسه. ويزداد خطر الأجهزة عليه بإدمان الألعاب الالكترونية والتفاعل معها.وتُمثل مشكلة السيطرة على عقول الأطفال مشكلة العصر، التي تُعاني منها الكثير من الأسر ولكن بمستويات مختلفة من التأثير، بحسب نوعية ، ومدة ما يتم مشاهدته، أو التفاعل معه، وكذلك حسب عمر الطفل نفسه. ويمكن إيجاز المشكلة في شقين:
الأول: أن استخدام هذه الأجهزة، يكون برقابة الأهل، لكن دون تقنين لساعات محددة، وهنا يمكن أن نحد من سلبيات ما يشاهده الطفل من مشاهد غير لائقة، بعيدة عن القيم الخلقية والدينية. وكذلك الحد من الألعاب غير المناسبة له. لكن تبقى مشكلة الوقت الذي يحتاج لإدارة فعالة، بالاتفاق بين الأهل والطفل، بحيث يكون كنوع من الترفيه المقنن، أو المكافأة التحفيزية بعد إنجاز المهام المطلوبة.
أما الثاني: أن يكون استخدام هذه الأجهزة دون رقابة من الأهل، وبالتالي من الطبيعي أن يكون أيضا دون تقنين في أوقات استخدامه، وهنا تكمن الخطورة البالغة؛ فيبحر الطفل في عوالم تفسد طفولته وخلقه. وقد تكون هذه العوالم مخصصة للأطفال، وفيها الكثير من المحاذير التي لا يعلمها الأهل، فليس كل فلم كرتوني، أو برنامج للأطفال صالح للمشاهدة من الطفل. فالكثير منها يعمل على برمجة عقول الأطفال، ببث السموم داخل قالب طفولي محبب له. سواء كانت هذه المشكلات عنف، أو سلوكيات سيئة، أو مشاهد بملابس غير مناسبة، والكثير منها يحتوي على أبطال خارقين يعملون على القفز من أماكن شاهقة، أو اللعب بالنار مثلاً لتبهر الطفل إعجاباً وينطلق نحوها تقليداً. كل ذلك فضلاً عن الألعاب الالكترونية القتالية خاصة، وبعض ألعاب السرعة، والتي تنمي فيهم العدوانية وحب المغامرة في سرعة القيادة وغيرها.
ولو تأملنا بعناية الجيل الذي نشأ قُبيل هذه الأجهزة، والألعاب الإلكترونية، والأفلام الكرتونية الحديثة: نستطيع إيجاد فروقات واضحة الأثر على عقولهم وشخصياتهم وسلوكياتهم. ويكفي أنها لم تكن إحدى مصادر التربية والتأثير السلبي عليهم، نتيجة قلتها واحتواء الكثير منها على قيم خلقية كالصدق والأمانة وحب الأسرة. وقلة السلبيات فيها ومن أهم هذه الفروقات:
تدني قدرات الكثير من أطفال جيل الأجهزة الذكي، عن الجيل السابق في التواصل الفعال. فقدرتهم على تكوين صداقات، والتعامل مع المحيطين بهم، هي أقل بدرجات ملحوظة عن الجيل السابق، رغم تفوقهم في إقامة صداقات إلكترونية عابرة، أو التواصل عبر وسائل التواصل المختلفة.
ظهور العنف بشكل واضح، حتى في أطفال ما قبل المدرسة. فلم يعد العنف كالسابق مجرد شجار أطفال، بل يمتد للضرب الشديد والعدوان، ويصل إلى التنمر أحياناً.
انتشار بعض المظاهر السلوكية الغير لائقة، والتي يقتدي بها الأطفال من خلال مشاهداتهم لأبطال المسلسلات الكرتونية، أو أبطال الألعاب الالكترونية. بالإضافة إلى محاولة بعض الأطفال تقليد سلوكياتهم الخطرة في القفز مثلاً من أماكن مرتفعة، في محاولة تقليد من أعجب به من الأبطال.
اتخاذ من بعض الشخصيات قدوات، وتقليد مظهرهم، وقصات شعورهم وألوانها وملابسهم، وكذلك بعض سلوكياتهم، إن لم يكن تقمصاً لشخصياتهم بشكل عام.
السيطرة العقلية على عقول الأطفال: بحيث تكون محور اهتماماتهم وحاجاتهم هي هذه الألعاب، وما يشاهدوه من أفلام كرتونية، وبرامج تصل لحد الإدمان عليها، والانفعال عند الانقطاع عنها أو الحرمان منها. والأخطر من ذلك في أنها تربط المتعة بالعنف أثناء اللعب، وفي ذلك خطورة على صحتهم النفسية.
حصر الأداء في الألعاب، وتفريغ الطاقات من خلالها، بدلا من استغلالها في أنشطة جسمية وأمور أكثر نفعاً للطفل وبناءً لشخصيته وثقافته.
أصبحت مصدراً لإثارة المشكلات بين الإخوة في التنافس على الألعاب، فضلاً على تأثيرها الغير صحي على البصر، والنمو العقلي والناحية الانفعالية والنفسية. ويكفي أنها حالت بين الأنس الأسري، فيجتمع أفراد الأسرة، ولكل منهم عقل انشغل وتعلق بجهاز؛ فانحرف الحوار من إطاره الطبيعي مع الأسرة وبين الإخوة إلى عزلة اجتماعية، تقطع الصلة بينهم وتصلهم بأجهزتهم.
حتماً لن يكون الحل بمنع الأجهزة، أو برامج الأطفال عن أطفالنا. لكن بانتقاء ما هو مناسب منها، مع تقنين الوقت المخصص لها في أماكن بعيدة عن أماكن نومهم، للتمكن من مراقبتهم بشكل غير مباشر والحد من عزلتهم. واستخدامها وسيلة تعزيزية لاجتهادهم وسلوكياتهم الإيجابية؛ بتقنين واتفاق مسبق معهم. عكس ما يفعلا لبعض، بإعطاء الأطفال الأجهزة الذكية لاتقاء مشاكستهم ومشاكلهم التربوية؛ مما يجعلها وسيلة تعزز السلوكيات السلبية، وتعلم الطفل أن إثارته للمشكلات والإزعاج يمنحه اللعب بجهازه الذكي. مع الحرص على استخدامها لتخدم الطفل من ناحية التعليم والتثقيف وتنمية الذكاء والتواصل؛ من خلال الألعاب الجماعية الهادفة والبرامج المفيدة. والتدقيق على مدى مناسبتها لأعمارهم، فقد تكون جيدة في المحتوى، لكن غير مناسبة لعمر الطفل؛ حتى لا يُحاكيها أو تثير مخاوفه.
فكما للأجهزة جانب مظلم، فإن لها جانبا مضيئا، إن أحسنا تقديمه لأبنائنا، وحرصنا على تحصينهم ضد سلبياته؛ ليكونوا أول من ينتقد ما يشاهد، وينتقي ما يناسبه بمساعدة الوالدين فهم أمانة بين أيدينا، وبرمجة عقولهم هي أسمى واجباتنا. حتى لا تكون مرتعاً تحتله البرامج الهابطة والألعاب المؤذية.