ريم قيس كبّة
الأربعاء 2018/05/16
لا أدري كيف أخذنا الحوار للخوض في استذكار الألعاب التي كنا نمارسها في طفولتنا.. وراح يضحك وهو يستعيدها ويحكي باستفاضة عن الطائرات الورقية وعن الـ”دعبل”.. ورحت بدوري أحكي له عن الـ”توكي” والدمى (اللعابات) والـ”لاستيك”.. وما إن وصلنا إلى الألعاب الرياضية الشائعة والسباحة وكرة القدم حتى بتنا نحكي بما يشبه اللغة نفسها..
قلت له “أتذكر أنني كنت طفلة حالمة.. وكنت أعشق الألعاب الجماعية.. ولا أدري هل كان هذا هو السبب الذي جعلني دائما حارسة مرمى؟!” فقال باستنكار “لكن حارس المرمى غالبا ما يكون الأكثر بدانة والأقل حركة في الأطفال فهل كنت طفلة بدينة؟”.. فأجبت “بل كنت الأكثر نحافة بين الجميع!.. لكن ربما هي رومانسيتي المبكرة ورغبتي الدائمة في تأمل الآخرين ما جعلني حارسة مرمى!.. ناهيك عن أنني كنت أجد كرة القدم لعبة عنيفة.. وكنت أكره العنف منذ نعومة روحي.. فاخترت أن أكون حارسة مرمى تتفرج على العنف ولا تمارسه!”.. فضحك من
قلبه قائلا “ربما ولدتِ لتكوني شاعرة!”.
أعادني حواره إلى تلك الأيام الجميلة.. حين كنا نجتمع نحن صغار العائلة في بيت جدي أو بيت عمتي أو خالي.. كان الأقارب كثرا والأصدقاء والجيران أكثر.. كان الاستقرار والاسترخاء سمة الحياة اليومية.. وكان الأمان كلمة لم نكن لندرك أو نحس بطعمها ومعناها إلا حينما فقدناها.. فلم تكن الحروب قد دقت أبوابنا بعد.. ولم يكن للخوف بيننا من مكان..
في تلك الأيام وفي تلك الـ”لمّات” الجميلة.. كان الكبار يجلسون مع بعضهم بعضا يتحدثون في أمور السياسة والفكر والأدب.. وكنا نحن الصغار نغتنم الفرصة لنعيش عوالمنا الخاصة.. لم تكن التكنولوجيا قد غزت حياتنا مثلما هو عالم الأطفال اليوم.. كانت اجتماعات من ذلك النوع مناسبة رائعة للاحتفال بألعاب جماعية ممتعة.. وكانت تتراوح ما بين تلك الألعاب الشائعة المتوارثة أو تلك التي تفرضها اللحظة واللمّة.. فكنا نبتدع ألعابنا الخاصة أحيانا ونطوّرها مرة بعد مرة..
والجميل في الأمر أننا لم نكن ننعزل عن بعضنا بعضا.. ولم يكن أحد من الكبار ليمنع اختلاط البنات بالبنين.. فكان الكل يلعب مع الكل.. ولم يكن لأحد أن يفرض علينا ألعابا تخص البنات وأخرى تخص الأولاد.. وإذ أنظر لذلك الزمن اليوم أراه جميلا منفتحا متحضرا.. وأجد أنه ربما ساهم في بناء شخصيات متزنة في دواخلنا.. فلم يكن عالم الأولاد سريا ولا كان عالم البنات كذلك.. كان أولاد وبنات العم والعمات والأخوال والخالات جميعا يلعبون مثل إخوة.. كبرنا معا ورُبّينا معا وبنينا ذكرياتنا وشخصياتنا وأفكارنا وثقافتنا معا.. ولذلك ربما لم يتزوج أحد منا بابنة عم ولا تزوجت واحدة بابن خال إلا في ما ندر.. فقد خلقت تلك الألعاب الجماعية فينا أخوّة من طراز خاص..
في خضم حوارنا قال لي بأسف “ليت ذاك الزمان يعود!.. ألم تكن الحياة أجمل وأبسط والنفوس أفضل؟”.. فقلت بحزم “لا.. لا أظن ذلك.. لكل زمن حسناته وسيئاته.. لكن عقولنا هي التي غالبا ما تجيد انتقاء ما يسعدنا دون سواه.. فلست ممن يتباكون على الماضي على الرغم من أنني أعشق استعادة الجميل من الذكريات.. ولذلك أحب جدا تدوينها لعلها تحكي شيئا مما قد لا يعرفه الآخرون..”.