ربى الرياحي

عمان- يمسك قلمه ببراءة ويسرع إلى تلك الأوراق البيضاء المتناثرة أمامه، يحاول هناك أن يجد نفسه من خلال تعبيره الصادق عما في داخله. يطلق العنان لخياله الواسع لكي يعيش الحياة كما يراها هو بسيطة نقية فيها الكثير من الحب والخير وتلك الأحلام الصغيرة الملونة التي تحاكي أحاسيسه الغضة الرقيقة ورغباته المبطنة أحيانا لكونه يخجل أن يبوح بها لأحد.
لا يتردد نهائيا في أن يستدعي بعض الشخوص والأحداث الوهمية ربما ويضفي عليها شيئا من روحه ليستطيع أن يتبرأ من مشاهد قاسية تصر على أن تستقر في ذاكرته البريئة، هو يتعمد أن ينتقي لرسوماته ألوانا مبهجة تشع بالفرح قادرة على أن تنقل لمن حوله حالته الشعورية بدون أن ينطق حتى بكلمة واحدة.
رسائل عدة تحملها رسوماته العفوية رغم تغيرها واختلاف ألوانها مشاعر حقيقية تترجمها تلك الخطوط المتداخلة التي تتقاطع مع أفكاره الباحثة عن نقطة التقاء بإمكانها أن تمنحه حق التحليق

عاليا والبقاء داخل عالم هو من أوجد تفاصيله واختار ملامحه الطفولية البعيدة كل البعد عن الحروب والخراب والقتل.
إن تجاهل بعض الأسر أهمية الرسم كفن ينطق بلسان أطفالهم ويقدم وصفا دقيقا لكل ما يجول في دواخلهم يعد في حقيقة الأمر خطأ كبيرا يتسبب في إيذاء مشاعرهم والاستخفاف بها. مثل هذه الأسر تعتقد أن طفلها يلجأ للرسم من أجل التسلية فقط وتهمل الجانب النفسي لتلك القصص والمواقف التي يخلقها على الورق والتي أيضا قد تسهم في تنميته اجتماعيا وخلقيا.
إدراك الوالدين أهمية الرسم واتخاذه كوسيلة تعبيرية يمكنان الطفل من أن يكون حرا جريئا ويجعلهما أقدر على فهم طبيعة ابنهما والتعرف عليه عن قرب.
كما أن ذلك يعمق بالفعل فكرة التواصل التي تعطي للوالدين فرصة غرس كل القيم الإنسانية بطريقة إيجابية ومحببة لدى الطفل ويبقى تقديم المعلومة له بواسطة تلك الرسومات الملونة خطوة أولى في طريق تعلمه المزايا الجيدة، وخاصة إذا تم توظيفها بالشكل الصحيح، حينها سيستطيع هو تبنيها والتمسك بها والتفاعل أيضا مع شخصيات تتصف بالشجاعة والإيثار والصدق قادرة على أن تكسبه كل المعاني الإيجابية ليغدو شخصا ناجحا متفائلا يجيد التعامل مع واقعه ويعرف في المقابل كيف يدير أموره بدون خوف أو اضطراب.
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الوالدين تجاه أطفالهما، وتحديدا أولئك الذين يخشون التعبير عن أنفسهم ويلتزمون الصمت هربا من العقاب، وفي هذه الحالة بالذات المطلوب هو فقط أن تكون الأسرة واعية جدا بالمشكلة التي تواجه طفلها وتمنعه من البوح حتى يتسنى لها تقويته ودعمه.
ذلك يأتي من خلال تشجيعه على الرسم باعتباره إحدى طرق التنفيس والترويح والمتعة وإبداء الاهتمام برسوماته قاصدين من ذلك كله رفع ثقته بنفسه ودفعه نحو التعلم والتطور والتقدم.
إن الرسم فن قائم بحد ذاته يرتكز في الدرجة الأولى على الحرية وسعة الخيال والموهبة، هو عالم ينفرد بالتنوع والحركة ينفتح على كثير من الخبرات الحياتية. فيه تمتزج الألوان بالذوق ويصبح بإمكان الطفل أن يضيف لمساته الأنيقة إلى تفاصيل وملامح ابتكرها بإبداعه وبحسه المرهف.

JoomShaper