عمان- الغد- يعيش أبناؤنا في ظل ما هو متاح هذه الأيام من تكنولوجيا ووسائل اتصال وتواصل متعددة، عالما افتراضيا يقضون فيه وقتا طويلا من يومهم، وتفاصيل حياتهم مع أشخاص غير حقيقيين بحوارات وهمية وعلاقات اجتماعية بنيت على أسس خيالية يعبرون فيها عن حاجاتهم وعواطفهم، ويحصلون على مطالبهم من شخصيات وهمية تلبي لهم ما لا يلبيه الكبار في حياتهم.
يقضي الأبناء ساعات طوال أمام أجهزة (ذكية) تستطيع بمغرياتها جذب انتباههم وتركيزهم لفترات متتالية على حساب صحتهم ودراستهم وذاكرتهم من دون أن يشعروا بالملل أو الانزعاج،

فكيف لا تكون ذكية وهي أحب إليهم من أهلهم ومعلميهم، وأحيانا أصدقائهم على أرض الواقع.
وعلى الرغم من معرفتنا، كأهل، بمدى خطورة هذه الأجهزة وآثارها السلبية على أطفالنا من ناحية صحية واجتماعية ونفسية، إلا أننا نكون حريصين على شرائها بل وتجديدها كل فترة بإصدارات أسرع وأحدث حتى نواكب متطلبات العصر ونحافظ على مكانتنا الاجتماعية بين الأصدقاء، والأدهى أننا نوفر لهم دوما اتصالا دائما بشبكة الانترنت حتى لا ينقطع الطفل عن ممارسة نشاطه التكنولوجي لا داخل المنزل ولا خارجه.
ناهيك عن الألعاب والتطبيقات التي يمكن تحميلها على هذه الأجهزة، والتي تحمل الكثير من الصراعات والحروب وممارسة مبطنة للعنف والضرب والإيذاء قد تصل في أعلى مستوياتها إلى الانتحار والموت.
وأعتقد أننا بحاجة للتذكير بأن هذه الألعاب والتطبيقات أخطارها جسيمة على صحة الطفل كأمراض العمود الفقري، التشنجات، السمنة المفرطة وأمراض العيون وغيرها.. وعلى نفسيته وعلاقاته الاجتماعية كالرغبة بالانعزال والانطواء وقلة التواصل مع الآخرين، القلق، التوتر، الخوف واضطرابات النوم والأحلام المزعجة، ولها كذلك آثار سلبية على مستواه الدراسي والتحصيلي ومشاكل الذاكرة وتشتت الانتباه، وغيرها الكثير.
ولعل أخطر هذه المشاكل هي العلاقات التي يقيمها الطفل أو المراهق عبر هذه الألعاب والتطبيقات والتي لا نعلم في كثير من الأحيان مصدرها ولا نعلم من هي الشخصيات الافتراضية التي يتكلم معا الطفل خلال النهار، ويحاورها قبل النوم، ويحاول تقليدها في الشارع والمدرسة وفي البيت مع إخوته وأقرانه.
وقد يصل الأمر إلى محادثات فردية وجماعية وتبادل للصور والألفاظ والعبارات مع أشخاص مجهولين تقودهم أحيانا إلى الوقوع في مشاكل جنسية أو أفكار إرهابية أو أخطاء تدميرية تصل بهم وبذويهم إلى مرحلة يستيقظ فيها الجميع أمام كوارث حقيقية سببها قلة المتابعة وضعف التواصل الأسري والمراقبة الوالدية التي لها أكبر الأثر في الحد من المشاكل التكنولوجية.
نعلم أن الكثير ممن يقرأ هذه الأسطر يمارس معظمها أو على الأقل بعضها، ونعلم أننا نعترف بممارستها، لكننا لا نعلم أن سكوتنا على أضرارها هو اعتراف بأننا نهلك أبناءنا ونقذف بهم إلى عالم افتراضي مليء بالإغراءات، لذا لا بد من صحوة حقيقية وأسلوب حياة جديد تملؤه العلاقة الصحية مع أطفالنا مشاركين إياهم اهتماماتهم اليومية مطلعين على ألعابهم، أغانيهم، أصدقائهم، أوقات فراغهم، ولا بأس إن كنا نقضيها معهم، نشجعهم على تنمية مواهبهم وإبداعاتهم، نمارس معهم نشاطات بسيطة، نجتمع حول مائدة طعام، نخرج معهم، نصادقهم، نسمع مخاوفهم ونشعرهم بالأمان، نستمع إلى أحلامهم ونبحث معا عن طريق آمن لتحقيقها.
أبناؤنا أمانة سنحاسب عليها.. فلنحافظ عليهم ونتواصل معهم حتى لا نخسرهم بعد فوات الأوان.
سماح محسن عبد الهادي/ ماجستير إرشاد وصحة نفسية

JoomShaper