إيمان درويش
لكي تعرف مدى قسوة العالم انظر إلى معاناة أطفاله، الطفل في بلداننا الآن يفتح عينيه على قسوة وظلم وقهر لم يتحمَّله الكبار فكيف سيتحمَّله هو؟!، إما يفتح عينيه على مجاعات وحصار وأسرة لا تستطيع توفير قوت يومها وتتصارع مع الحياة لتوفر لها ولو وجبة واحدة فقط في اليوم فيستقبله الشارع ليكون مأواه الأساسي في الحياة، ينتقل من شارع إلى شارع مادًّا يديه إلى أفراد ليسوا بأكثر رفاهية منه كثيرًا فأصبح الجميع في دوامة واحدة وهي دوامة الفقر والمجاعات، وإما يفتح عينيه على احتلال وظلم وصوت القتل والقهر وغالبًا يسمع صوت الرصاصات تخترق
جسد أحد والديه أو كلاهما قبل حتى من أن يتمكّن من تمييز صوتيهما عن غيرهم، وإما يفتح عينيه على بلد عنصري بلد اختلت موازين الصواب و الخطأ فيه، بلد تفوق فيه نسبة الجهل وتتخطى النصف بمراحل.
الصورة التي انتشرت مؤخرًا على السوشيال ميديا لبائعة حرة كانت تفترش الأرض وجاءت الشرطة لتدمر فرشتها على الطريق وتضيع ما كانت تحلم به تلك السيدة أن تجنيه من فرشتها تلك، تلك الصورة التي تحمل معها كل معاني القهر والحسرة والذي لفت انتباهي طفلها الصغير القابع بجوارها وعليه نفس ملامح الحسرة التي تسكن ملامح والدته وهو على صغر سنه يشعر بحسرة وحزن والدته، فكرت في ذلك الطفل والشعور الذي سكن قلبه وهو ظلم واستبداد العالم من حوله وكرهه للفقر الذي ارتبط بأمه وأسرته كلها من طفولته، بكل تأكيد سيُطبع بقلبه كره العالم!
وجدتُ نفسي أتساءل، عندما نُقدم لهؤلاء الأطفال عالمًا بهذا الشكل في مراحل عمرهم الأولى عالم طبع في قلوبهم كره الحياة وهم ما زالوا في بداية حياتهم، هل سيكون لدينا الحق في محاسابتهم عندما يكبرون ونجدهم قد أصبحوا قساة القلب واتجهوا لجلب المال بطرق كثيرة غير مشروعة وعندما يصبحون بشرًا غير أسوياء؟
سؤال راودني كثيرًا عندما وجدتُ نفسي أشاهد النسخة السينمائية لفيلم ديزني الشهير الجميلة النائمة والذي كنت أظنه سيعرض تلك النسخة التي نعرفها جميعًا من الفيلم الكارتوني.
تلك الفتاة المسكينة الطيبة ابنة الملك الذي اضطر أن يُبعد ابنته عن أعين الساحرة الشريرة حتى لا تؤذيها بتعاويذها وتهلك ابنته الوحيدة من أثر تلك التعاويذ، جميعنا قد كره تلك الساحرة الشريرة في صغره وذلك هو التسلسل الفكري الطبيعي بأن القلوب تنجذب إلى الطيب، القلوب جميعها فطرتها الطيبة فلماذا أصبحت تلك الساحرة بكل ذلك الشر؟!، وهذا ما وجدته في نسخة ديزني السينمائية وهو قصة تُجيب على سؤالي بأن الشر لا يخرج من تلقاء نفسه في معظم الحالات، ولكن العالم وقسوته وظروف الحياة هي التي تُجبر أنواعًا كثيرة من البشر وخاصة الضعاف أساسًا بطابعهم إلى التحول من الطيبة والضعف إلى القسوة المصطنعة، التي أول مَنْ تحطمه للأسف صاحبها أيضًا لأنها تؤلمه وتُقهِر إنسانيته، فالفيلم الذي يُسمى ملافسينت الذي تقوم ببطولته أنجلينا جولي والذي تجسد فيه شخصية الساحرة الشريرة، وكانت في صغرها جنيَّة تحمل من البراءة والطيبة الطفولية ولكنها كانت تكره البشر بسبب ما يفعلوه في بلادها ولكن القدر سيجعلها تحب شابًّا بشريًّا يحاول أن يغير شعورها تجاه البشر وبعد أن تصدقه وتُغير شعورها تجاه البشر ستُصدم بخداع ذلك البشري لها ويقص جناحها مُرسلًا إياه إلى الملك، وتمر الأحداث وسيصبح ذاك البشري هو الملك وسيكون هو والد تلك الفتاة التي ستريد الساحرة التي أجبرها ظلم العالم بأن تتحول من الطيبة إلى الشر وستريد أن تنتقم من الملك عن طريق ابنته، ولكن ستغلب طيبتها كرهها للملك وحبها ورغبتها في الانتقام وستحب الفتاة حبًا حقيقيًا وستساعدها بعد ذلك.
المقصود من كلماتي تلك هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فلنجرب أن نُحسن جميعًا إلى بعضنا حتى نكون بشرًا أسوياء وحتى لا تُظلَم الأجيال القادمة بذلك العالم الذي نشوهه نحن بأفعالنا الآن.