يتحدث الكثير من الشباب على الشبكات الاجتماعية عن ذكريات الطفولة، والأنشطة التي كانوا يمارسونها، وكيف تختلف كثيرًا عن حياة أطفال اليوم.
وعلى موقعها، نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية تقريرًا يتناول أسباب تغيُّر حياة الأطفال خلال العقود الأخيرة. تبدأ المجلة مقالها بالإشارة للفرق بين حياة الأطفال الآن وحياة الأطفال في الماضي، موضحةً أنَّنا لو سألنا شخصًا يتخطى عمره 30 عامًا عن طفولته، سيجيب غالبًا إنه كان يلعب مع أصدقائه داخل أحد منازلهم أو خارجه، بينما يحمل في جيبه شطيرة سريعة

معدة منزليًا. يدخل ويخرج بلا مواعيد، ويعود محملًا بالسعادة، كانت المتعة حقيقية رغم أن الموارد التي توافرت لهذه الأجيال كانت محدودة.
أما الأطفال الآن فيقضون معظم وقتهم داخل المنازل مع البالغين، بدلًا من قضاء الوقت مع الأصدقاء والأقارب من نفس الفئة العمرية، وينقلهم آباؤهم بالسيارات عوضًا عن السير أو ركوب الدراجات. ويشاركون في العديد من الأنشطة المعد لها مسبقًا لساعات طويلة في اليوم، بالإضافة للتعامل المستمر مع شاشات الهواتف المحمولة أو الأجهزة اللوحية والتلفاز.
وترى المجلة أنَّ حياة الأطفال تحسنت بالفعل في الوقت الحالي. إذ قلت معدلات الوفيات في الدول الغنية، وتناقص عدد الأطفال المعرضين للجوع أو الإهمال، وأصبحوا يتلقون اهتمامًا أكبر من الآباء، وتعتني الحكومة بالأطفال الذين ينشأون في أسر محدودة الدخل. وأصبح المراهقون أقل جموحًا في التدخين وشرب الكحوليات، وينهي المزيد منهم دراستهم في الثانوية ويلتحقون بالتعليم العالي.
ويبدو الأطفال أنفسهم سعداء بما لديهم. وتستشهد المجلة في هذا باستفتاءٍ أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2015. طلب الاستفتاء من الأطفال البالغين 15 عامًا أن يُقيِّموا درجة رضاهم عن حياتهم على مقياسٍ من صفر لعشرة، وكان متوسط النتيجة 7.3 تقريبًا. احتل الأطفال الفنلنديون المرتبة الأولى، ومن بعدهم الأتراك. كان الأولاد أكثر سعادة في الاستفتاء من البنات. واختار الأطفال المنحدرون من عائلاتٍ ثرية درجاتٍ أعلى من الباقين.
اختلافُ مُبرَّر
رضا الأطفال المنحدرين من عائلاتٍ ثرية عن حياتهم ليس مفاجئًا للمجلة. لأنَّها ترى أنَّ العائلات الثرية، خاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية، تستثمر الوقت والجهد والمال لتتأكد أنَّ الأطفال سيحققون نجاحًا مقاربًا مما حققه الآباء، إن لم يكن أفضل. وقد أثبت الجهد المبذول في حصص التعليم الخاص والرياضة والموسيقى والزيارات التربوية فاعليته في تأمين حياةٍ اجتماعية ودراسية جيدة، تمهد الطريق للجامعات والوظائف المرموقة.
أما الآباء في الطبقة العاملة، فهم يفتقرون إلى المقومات اللازمة لتوفير حياةٍ مماثلة لأبنائهم. ونتيجة لهذا، تتوقع المجلة اتساع الفارق الاجتماعي بمرور الأجيال. وتشير إلى إحصائيةٍ نشرها البنك الدولي أظهرت أنَّ أمريكا الآن مصنفة بين الدول التي تقل فيها فرص انتقال الأفراد من طبقة اجتماعية لطبقة أعلى.
لم تطرأ هذه التغيرات الجذرية في حياة الأطفال في أمريكا والدول الثرية الأخرى فجأةً. إذ تشير المجلة إلى كونها نتيجة اتجاهاتٍ اجتماعية وديموغرافية متعددة، مثل التوسع الحضري، وتغير بناء الأسرة، وانخراط النساء في سوق العمل، وتحول نقاط التركيز في سياسات الدول، وتطور التكنولوجيا الرقمية.
ووصفت المجلة البيئة الكبيرة التي ينمو فيها الأطفال في الدول الثرية. فوفقًا لها، يعيش 80% من سكان هذه الدول في مدن متحضرة حيث تتوافر فرص العمل والتعليم والثقافة والرفاهية. لكنَّهم في المقابل يعيشون في زحامٍ مستمر، بلا مساحات خضراء، وسط معدل تلوث مرتفع، وشعور متواصل بالعيش مع مجموعة من الغرباء بدلًا من الشعور بالعيش في مجتمع مترابط. وزاد هذا كله الإحساس بالخطر، رغم أنَّ معدلات الجريمة انخفضت في البلاد الغربية في العقود الأخيرة، وأصبح الأطفال أكثر أمانًا من قبل.
أما داخل المنازل، فقد تغير كل شيء إلى حدٍ كبير. أصبحت العائلات أصغر، وتحبل النساء في عمرٍ أكبر من الجيل السابق لهن، وتنتشر الأسر التي تنجب طفلًا واحدًا في أوروبا ودول متعددة. هذا يعني أنَّ كل طفل يحصل على عناية ومال وطاقة أكبر، لكنَّه يخسر في المقابل تجربة العيش وسط العائلة الكبيرة وصخبها.
وتتابع المجلة موضحةً أنَّ الأسر نفسها أصبحت غير مستقرة. إذ قل معدل الزواج، وانتشر الطلاق إلى حدٍ كبير، ويفضل الرجال والنساء في علاقاتهم الانتقال والعيش معًا على الزواج، فيما يولد العديد من الأطفال خارج الزواج، ويربي معظمهم أب وحيد أو أم وحيدة، أو يعيشون في أسر مختلفة البنية خلقتها أنواع جديدة من العلاقات. وبالطبع يحدث هذا كله في قاع السلم الاجتماعي بدرجة أعلى مما هو في القمة.
وترى المجلة أيضًا أنَّ خروج النساء للعمل كان أحد العوامل المؤثرة في تغير حياة الأطفال خلال العقود الأخيرة. إذ ارتفعت نسبة النساء العاملات في أمريكا من 42٪ عام 1960 إلى 68٪ في عام 2017. وأصبح نموذج العائلة النووية التي تضم أبًا عائلًا وربة منزل وعددًا من الأطفال غير مألوف، وصارت الأمهات تعود للعمل بعد عامٍ واحد من الإنجاب على الأكثر، بدلًا من الانتظار لسنوات عديدة. وعليه، يضطررن والطفل في سن مبكرة وفي غياب الجدات إلى الإلقاء بمهمة الاعتناء بالطفل أثناء عملهن على شخصٍ خارج المنزل.
وفي المراحل العمرية المبكرة، يحظى الأطفال باهتمامٍ بالغ، بعد اكتشاف أدلة جديدة تظهر أهمية هذه المرحلة في تنمية الدماغ. ووفقًا للمجلة، ويشير الاقتصادي الأمريكي جيمس هوكمان الحاصل على جائزة نوبل إلى أهمية الاستثمار في تنشئة الأطفال في سن مبكرة، وفي برامج دعم الآباء، لأنَّ هذه الجهود تؤتي ثمارها، وهي أيضًا بديل للتدخلات المستقبلية لحل المشكلات.
استجابت بالفعل حكومات دول عديدة، وأنشأت العديد من المرافق العامة لرعاية الأطفال في سنٍ مبكرة، تكملةً لجهود القطاع الخاص. وجاءت هذه الجهود لدعم تنمية الأطفال الذين جاؤوا من خلفيات اقتصادية أقل حظًا من ناحية، وتشجيع النساء على الالتحاق بالوظائف المدفوعة من ناحية أخرى.
مخاطر نمط الحياة الجديد
لكن تشير المجلة إلى أنَّها في البلاد الثرية، يملك معظم الأطفال من سن 15 عامًا هواتف محمولة، ويقضون عدة ساعات يوميًا على الإنترنت.
ووفقًا لتقرير المجلة، هناك قلقٌ من أن يؤدي إفراطهم في استخدام التكنولوجيا إلى الإدمان والأمراض العقلية، وأن يمنعهم قضاء الوقت ثابتين أمام الشاشات من ممارسة الرياضة ويتسبب في بدانتهم. هذا بالإضافة إلى أنَّ العالم الرقمي يحمل معه مخاطر جديدة، منها التنمر عبر الإنترنت، وتبادل الرسائل الجنسية.

JoomShaper