صفاء علي-القاهرة
في منتصف فبراير/شباط 2019، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر صورا قالوا إنها لطفل ذي 12 عاما، حاول الانتحار على قضبان السكة الحديد بمحافظة الإسكندرية، وقيل إن سبب محاولته لذلك كانت بسبب التنمر الذي عاناه بين أقرانه بسبب شكل أسنانه.ورفض كثيرون تصديق أن هناك ما يُسمى انتحار أو اكتئاب للأطفال في هذه السن الصغيرة، رغم وجود عدد كبير من الحوادث المشابهة لذلك، في عدد كبير من الدول العربية، لكن لماذا نرفض تصديق أن أطفالنا قد يتعرضون للاكتئاب، ويمكن أن يتحول ذلك في إحدى مراحله للانتحار.
هل يكتئب الأطفال؟
يعتقد العلماء أن الاكتئاب مرتبط بالتغيرات التي تطرأ على كيمياء الدماغ، وخاصة المتعلقة بالنواقل العصبية الكيميائية التي تساعد في نقل الرسائل من خلية عصبية إلى أخرى، فعندما يكون هناك انخفاض في بعض الناقلات العصبية، فإن الدماغ لا يعمل بشكل طبيعي، وهو ما يؤدي إلى تغيُر في كيمياء الدماغ، وبالتالي حدوث الاكتئاب، الذي قد يرتبط بتاريخ مرضي لدى العائلة أيضا.
ورغم عدم تصديق الكبار لإمكانية إصابة الأطفال بمرض "الاكتئاب"، بحسب موقع "بيبي سنتر" Baby Center فإن الاكتئاب بشكله الحاد يختلف اختلافا كليا عن الـ" Bluse" أو الكآبة الطبيعية التي يُمكن أن تُصيب الطفل، نتيجة تطوره أو تعامله في اليوم المدرسي مثلا، أو انفصال الوالدين، أو فقد شخص عزيز، أو الهلع المفاجئ.
الفتيات أكثر عُرضة للإصابة من الفتيان
يصيب الاكتئاب حوالي 2% من الأطفال قبل سن البلوغ و5% إلى 8% من المراهقين، ويتراوح من الحزن البسيط إلى اضطراب اكتئابي أو ثنائي القطب، بحسب إحصائية نشرها المعهد القومي للصحة العقلية.
كما يصيب الفتيات بنسب أكثر من الذكور، حيث أشارت أحدث الدراسات التي مولتها الحكومة البريطانية وشملت 10000 مراهق، إلى أن نسبة الاكتئاب تزيد بين الأطفال المُنحدرين من أصول فقيرة، أو الطبيعة العرقية المختلطة، أو من أصحاب البشرة السمراء، وكذلك الذين يُشكلون صورة سلبية عن شكل أجسامهم، بحسب "بي بي سي".
وتقول الدراسة إن ربع الفتيات في سن الـ14 عاما تظهر عليهن أعراض الإصابة بالاكتئاب مقارنة بواحد من كل 10 فتيان في العمر ننفسه، وإن معظم حالات اعتلالات الصحة العقلية للبالغين تبدأ من سن الـ14 عاما، ومن المهم تشخصيها وعلاجها في وقت مبكر، في حين لا يُدرك الآباء حجم القلق الحقيقي الذي ينتاب أبناءهم، وفي الغالب لا يُصرح الأبناء بأي شيء.
وتورث الأمهات الاضطرابات النفسية للأبناء، حيث تقول دراسة حديثة نُشرت بدورية "الاكتئاب والقلق" بالولايات المتحدة، إن اكتئاب الأم قد يكون له تأثير ملحوظ في طريقة عمل أدمغة الأطفال.
وخلصت الدراسة التي تابعت أطفالا من سن ستة أشهر حتى عشر سنوات، وتُعاني أمهاتهم من اضطرابات نفسية أو حالات مزاجية سيئة، أن نشأتهم مع أم تعاني من تلك الاضطرابات جعلهم يتأثرون بالتبعية، كما أدى ذلك لضعف الجهاز المناعي لديهم.
أعراض اكتئاب الأطفال
هناك عدد من الأعراض التي تصيب الطفل ويجب أن ينتبه إليها الأبوان:
- الشعور بالحزن أو اليأس أو الانفعال.
- تغييرات في أنماط النوم مثل النوم أكثر أو أقل بكثير من المعتاد.
- مشاعر العجز والشعور بالذنب أو انخفاض الصورة الذاتية.
- فقدان الاهتمام بالأنشطة السابقة المثيرة للاهتمام، بما في ذلك فقدان الاهتمام بالمدرسة أو الألعاب.
- طاقة منخفضة أو تعب مستمر.
- التهيج والتشاجر مع الأشقاء والأصدقاء.
- التشبث بالوالدين في حالة الأطفال الصغار.
- التبول اللا إرادي.
- مخاوف غير واقعية مثل الخوف من وفاة أحد الوالدين.
خواطر الانتحار والموت
- الأعراض الجسدية المختلفة، بما في ذلك ألم البطن والصداع وآلام أخرى دون سبب عضوي والتي لا يمكن علاجها بنجاح.
ربما نعتقد أن أطفالنا مزعجون إذا ظهرت هذه الأعراض مجتمعة، أو بعضها فقط، ولا نريد تصديق أنهم يحتاجون للمساعدة، وربما زيارة طبيب نفسي، لا نريد تصديق أنهم يمكن أن يصابوا بالاكتئاب.
وفي الوقت ذاته قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كان سلوك طفلك أمرا طبيعيا أو فيه ما يدعو إلى القلق، لأن بعض هذه الصفات قد يكون طبيعيا وبعضه لا يكون كذلك، ويتوقف الأمر على شدة تلك الأعراض وعدم منطقيتها، فإذا لاحظت بعض هذه الأعراض يجب استشارة الطبيب في وقت مبكر.
العلاج
أحدث الدراسات التي نشرها مطلع العام الجاري باحثون دانماركيون بجامعة آرهوس، وأجريت على حوالي مليون شخص، قالت إن أطفال الريف أقل عرضة للاكتئاب بنسبة 55% من أطفال المدن، فالمساحة الخضراء تخلق بيئة اجتماعية، وتشجع الأطفال على ممارسة الرياضة، وهو ما يؤثر في الصحة العقلية للطفل، ويفسر ضرورة مساعدة أطفالنا للخروج لأماكن مفتوحة لتحسين صحتهم النفسية.
ويمكن إيجاز عدد من الخطوات التي تُساعد في علاج الأطفال حال اكتشاف أحد الأعراض السابقة، أما إذا زادت الحالة سوءا فيجب عدم التخلي عن فكرة زيارة الطبيب فورا، خاصة إذا تطور الأمر لإيذاء أنفسهم أو محاولات للانتحار.
ويمكن تلخيص بعض عناصر المساعدة المنزلية لطفلك في الخطوات التالية:
- التحدث بشكل مباشر عن مخاوفه وتشجيعه على ذلك مع عدم إجباره على الحديث.
- تشجيعه على عادات النوم الصحية وطهي الطعام الصحي.
- تشجيعه على ممارسة الرياضة، وعدم الجلوس بمفرده لساعات طويلة.
- احتواؤه في لحظات الغضب والضعف، والحديث بشكل إيجابي عنه دائما.
- اجعله يشعر بأنك موجود بجانبه دائما مهما حدث أو سيحدث.
المصدر : الجزيرة