قد يبدو الطريق نحو تطوير الذات صعبا ومعقدا في البداية، لكن الأمر لا يستدعي سوى الإجابة على سؤالين.
وأورد الكاتب بيتر بريغمان في تقرير نشرته مجلة سايكولوجي توداي الأميركية تجربة أحد أبنائه. فقد مني طفله، الذي لم يتجاوز 10 سنوات، بخيبة أمل كبيرة في سباق التزلج على الجليد في نهاية الموسم، مما جعله يحس بمرارة الخسارة.
إظهار الحب للطفل


وانطلاقا من خبرته مدربا تنفيذيا ومدربا في مجال القيادة، كان يرغب في ذلك الوقت أن يمد طفله بمجموعة من النصائح بشأن الطرق الكفيلة بأن تجعله أكثر سرعة، لكنه فضّل أن يظهر له حبه وهو يحتضنه مؤجلا أي ملاحظات إلى وقت لاحق. ففي ذلك الوقت، كل ما كان يحتاجه طفل في العاشرة من العمر هو أن يشعر بحب والديه.
تطبيق آليات التدريب التنفيذي وفي مجال القيادة مع ابنه لم يكن بالأمر الهين، فقد كان يتعين عليه انتقاء عباراته بشكل جيد. في الأثناء، استوجب الموقف أن يطرح عليه سؤالين. السؤال الأول هو "هل تريد أن تقدم مردودا أفضل؟".
تجربة أمور جديدة
وانطلاقا من إجابته على هذا السؤال التي لا بد أن تكون بالإيجاب، نظرا لأنه إذا فقد الشخص الرغبة في تقديم الأفضل ومواصلة المحاولة لتطوير قدراته وإمكانياته، فلن يكون هناك أي داع لمحاولة تدريبه على سبل تطوير ذاته. بعد ذلك يمكن طرح السؤال الثاني "هل أنت على استعداد لأن تكافح من أجل تكريس المزيد من الجهود وتجربة أمور جديدة قد تبدو غريبة ومختلفة ومن غير المرجح أن ترى نتائجها الإيجابية مباشرة؟".
وأوضح أن ابنه دانيال بقي صامتا ولم يجب على السؤال، مما يعني أنه بصدد التفكير في هذا السؤال المهم الذي يستدعي إعادة النظر في العديد من قراراتنا وأسلوب تعاطينا مع الفشل في حياتنا.
وانطلاقا من تجربته في مجال تدريب القادة في ظل المئات من الوضعيات المختلفة، يؤمن أن أي شخص يستطيع أن يطور ذاته ويصبح أفضل في أي مجال. ولكن من أجل أن تتطور وتحقق الأهداف التي تصبو لها، لا بد أن يكون الجواب على السؤالين الآنف ذكرهما هو "نعم".
أن تتحول إلى قائد
وأوضح أن الإنسان قد يرغب في أن يصبح قائدا أفضل، أو أن يحسّن سبل تواصله مع الآخرين ويعزز الروابط الاجتماعية مع من حوله. كما قد يرغب في أن يكون عمله إنتاجيا أكثر أو أن يصبح شخصا مؤثرا. ربما تريد أن تصبح شخصا قادرا على التواصل بشكل أفضل أو مقدما مؤثرا، أو بكل بساطة إنسانا ينصت للآخرين على نحو أكبر.
في بعض الحالات، قد تطمح إلى أن تتحول إلى قائد يتمتع بفاعلية أكبر في عمله، وأن تقدم على المجازفة أكثر في مواقف معينة، أو أن تصبح مديرا أقوى. وبغض النظر عن الجانب الذي تريد تعزيزه في شخصيتك وتنميته، يمكنك القيام بذلك دون شك.
لكن الحاجز الوحيد الذي قد يحول دون تطويرك لذاتك وقدراتك يكمن أولا في رفضك القيام بذلك، وثانيا عدم استعدادك لأي قدر من الشعور بعد الارتياح المصاحب للقيام بالأمور ذاتها ولكن بشكل مختلف.
تنمية المهارات القيادية
واستشهد الكاتب بمدير بارز عمل معه، حيث كان يتخذ موقفا دفاعيا كلما بادر الأشخاص من حوله لتقديم ملاحظات له أو انتقاد قراراته. وكان مستعدا لتطوير هذا الجانب بغض النظر عن الشعور بالانزعاج الذي قد يترتب عنه. وكان من الضروري أن يتقيد بجملة من التعليمات حتى ينمي مهاراته القيادية.
في البداية، تمثلت الخطوة الأولى في مقابلة كل أعضاء الفريق والاعتراف بأنه يعاني من مشكلة عدم تقبل الملاحظات، إلا أنه عازم على التغيير وأن يصبح أفضل. في الخطوة الموالية، طلب بريغمان، من هذا القائد أن يطلب من أفراد فريقه أن يوجهوا له ملاحظات، وبشكل خاص بشأن الطرق التي تجعل منه قائدا أفضل، وتدوين ذلك. في الأثناء، لا يجب أن يجيب أو يتحاور معهم ويكتفي بعبارة "شكرا".
وقال هذا المدير "لقد تطلب مني الأمر جهدا كبيرا حتى أتحكم في نفسي وألا أدخل في نقاش معهم بشأن ملاحظاتهم، خاصة عندما شعرت أنهم قد أساؤوا فهمي في العديد من المناسبات. لقد كان الأمر أكثر من مزعج. وقد ارتبكت في بعض الأحيان وكنت مضطرا للاعتذار. لكنني لم أتردد في القيام بذلك. ومنذ ذلك الحين لم أنفك أستمع لأعضاء فريقي وهم يشيدون بهذا التغيير".
وشدد الكاتب على أن تعلم أي أمر جديد يعد بطبيعته شيئا مزعجا ومثيرا للقلق، حيث سيستدعي ذلك أن تتبنى ممارسات جديدة وغريبة بالنسبة لك. في الأثناء، يجب أن تخاطر وتجازف بتجربة أشياء جديدة، كما ستقدم على القيام بأمور، ستكون في البداية محبطة لأنه لن يترتب عنها النتائج المرجوة مباشرة. ومما لا شك فيه، ستشعر بعدم الراحة وسترتكب العديد من الأخطاء. وقد يتفاقم الوضع وتشعر بالإحراج والخجل، خاصة إذا اعتدت على تحقيق أهدافك بسهولة طوال الوقت. ولكن إذا تمسكت بالسير قدما في طريق التغيير، رغم كل هذه المشاعر والعراقيل، ستصبح شخصا أفضل في نهاية المطاف.
الاستعداد لموسم منافسات التزلج القادم
وفيما يتعلق بدانيال، أوضح الكاتب أنه بقي صامتا لبرهة، الأمر الذي كان مثيرا للقلق بعض الشيء، حيث تعود أن يتدخل ويحاول مساعدته. ولكنه قرر هذه المرة التأني وعرض المساعدة عليه ومنحه المساحة الكافية للتفكير. وقد كان جواب دانيال حاسما في النهاية "نعم أرغب في ذلك فعلا. هل لنا أن نخوض هذه المحادثة في بداية الموسم القادم لمنافسات التزلج؟".

JoomShaper