ديمة محبوبة
عمان- سيطرت علامات القلق والغضب على وجه الثلاثينية منى عندما تلقت اتصالا هاتفيا من ابنتها العائدة من مدرستها، تخبرها بصوتها المرتجف والمتلعثم بأن هناك شخصا يراقبها داخل سيارته، وقام بالاصطفاف بجانبها؛ إذ شعرت بأنه سيأخذها، مما دفعها للهروب وإحكام إغلاق الباب جيدا عند الوصول إلى المنزل.
الموظفة منى في إحدى الشركات الخاصة تقول “إن هذا الأمر بات مقلقا ومربكا لها، فمعظم المواقف التي تتحدث عنها ابنتها من صنع خيالها فقط، فهي تخاف من الغرباء كثيرا، ما يجعلها تتوهم بأن الآخرين سيقومون باختطافها أو ملاحقتها، حتى إن بادر أحد الجيران في منطقتها بالحديث معها تفزغ وتركض بعيدا عنهم”.
وتضيف الأم، أنها تخشى أن تتعامل معها بحزم وقوة، وأنه لا يوجد شيء مرعب، وأن عليها أن تتعامل مع الجميع بحذر لكن بدون خوف، مبينة أن الصغيرة أصبح لديها دمج بين الصالح والطالح، ولا تستطيع أن تفرق بينهما، وعليه تقع بالعديد من المشاكل.
وتلوم نفسها بأنها هي السبب في تكوين “الهلع” الذي تعيشه ابنتها؛ إذ تحاول أن تحذرها وإخوتها من الحديث مع الغرباء، باختلاق الكثير من القصص المرعبة التي تحدث مع أشخاص وهميين، والنتيجة هي تهويل الحقيقة، ما يجعل الأمر “مرعبا” لابنتها.
خبراء في التربية وعلم النفس يؤكدون أن الكثير من الأهالي للأسف يضطرون إلى الكذب على أولادهم، وذلك من خلال عرض القصص المرعبة على مسامعهم، حتى يناموا بشكل أسرع، أو لجعل الطفل يخضع لأوامرهم، كأسلوب تربية يتبعونه.
هناء أم لأربعة أبناء جميعهم بأعمار متقاربة، والجميع يصفها بأم التوائم؛ نسبة لأعمار أطفالها المتقارب، وهي بالمقابل امرأة عاملة، ويبدأ دوامها من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء، ما يجعلها منهكة ومتعبة، وكل ما تطمح له هو التفرغ للقيام بأعمال المنزل، والمحافظة على الهدوء في المنزل، لذلك تخترع بعض القصص المرعبة لهم، بهدف تعجيل ساعة النوم.
لكنها لم تتوقع أن تكون نتائج ذلك “سلبية” على أبنائها، فباتوا يخافون العتمة، حتى أنهم لا يستطيعون النوم بشكل جيد، فيستيقظون في الليل كثيرا بفزع وخوف وبكاء وتخيل الأشباح.
إلى ذلك، أصبحوا يخافون الاختلاط بمن حولهم، ويميلون للعزلة الاجتماعية، وحتى الأقارب لا يقتربون منهم بتاتا، وعليه شعرت بتأنيب الضمير، وألقت اللوم على نفسها جراء ذلك.
وعليه فكرت بتبديل أسلوب تعاملها مع أطفالها، بأن تقرأ لهم قصصا تتحدث عن الأمل والخير وحب الحياة ومساعدة الآخرين، وغيرها من المواضيع التي ترسم صورة جميلة بمخيلتهم قبل النوم.
وحول ذلك، يؤكد التربوي د. محمد أبو السعود أن ما يحتاجه الطفل ليس الرعاية اليومية وتلبية الطلبات فقط، بل الرعاية النفسية، وزرع الحب والعاطفة في نفسه. ويلفت إلى أن العائلة التي تقدم الحب والعاطفة بشكل متوازن تخرج طفلا متوازنا، وينعكس ذلك على ثقته بذاته، وينبغي تعريف الأهالي لأبنائهم بالقضايا وحساسيتها بشكل متوازن، حتى لا تخلق لديهم عقدا نفسية، ويتمكنوا من التعامل مع المواقف بشكل سليم بلا زيادة أو نقصان.
ويؤكد أبو السعود أن الحالة النفسية للشخص والتعامل معها تختلف بناء على المرحلة العمرية، فالطفل قبل البلوغ يكون لديه أفكار واضطرابات، لذا يكون التعامل معه مختلفا عن الطفل بعد البلوغ.
ويضيف “أهم طريقة للتعامل مع الطفل عند تحذيره من أمر معين، أو خطر ما، تكون بضرورة بث الطمأنينة والأمان في نفسه عند التحدث إليه”.
ويلفت إلى أن بعض الأهالي الذين يلجؤون لبث الرعب في قلوب وعقول صغارهم، بهدف خلودهم للنوم مبكرا، أو بهدف التخلص من تلبية طلباتهم، يرتكبون أخطاء فادحة بحق الأبناء، ومن أضرار التخويف وترهيب الأطفال بعض التوترات العصبية التي تؤثر على حياة الطفل، وخصوصا قبل النوم، ما يجعل الأحلام مزعجة، إلى جانب عدم شعورهم بالراحة في النوم.
ويضيف “وينجم عن ذلك أيضا عدم تركيز الطفل في الغرفة الصفية، وذلك نتيجة للخوف واضطراب النوم عنده، مما يؤثر على تحصيله العلمي”.
ويتفق اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة بأن هذه الطرق التي تجعل الأهالي يحاولون تحذير أطفالهم مما هو سيئ أو خطير، لكن بالكثير من التهويل حتى يصل إلى مرحلة الترهيب، جميعها طرق تؤثر على السلامة النفسية، والتي من الممكن أن تؤثر على سلامة العقل أيضا، فشدة الخوف يجعل الشخص يتوهم، ويعيش حالة من الفزع الدائم، وفقدان التركيز نتيجة لعدم النوم أو لوجود النوم المتقطع.
ويضيف “في حين أن استخدام بعض العائلات مثل هذه الأساليب لتحفيز الطفل للنوم سريعا أو استقبال الأوامر والخضوع لها، أو لأي غرض، حتى إن كان بالابتعاد عن الغرباء، كل هذا يجب أن يتوقف، وأن يكون كل تحذير بالتوازن، ومن خلال سماع الطفل والإصغاء لكل ما يحدث معه، وإظهار ردات الفعل الصحيحة والخاطئة أمامه، وجميعها تجعل الطفل أكثر قدرة على تطوير ذاته، وتمكنه من التمييز بين الخير والشر”.