«عنيد، عصبي، لا يُقيم وزنًا لما أطلبه منه، يتجه فقط وحصرًا للأشياء الخطر ويجد فيها تسليته الوحيدة»، قد تتكرر واحدة أو أكثر من الشكاوى السابقة على ألسنة الأمهات، خاصة في هذا الوقت الذي أوقفت فيه الدراسة، ولجأت العديد من الهيئات والشركات إلى السماح لموظفيها بالعمل عن بُعد، بسبب تفشي فيروس كورونا في العالم وتحوله إلى جائحة، وأصبح تواجد الآباء مع الأطفال ساعات طويلة، أمرًا قسريًّا.
الكثير من الأمهات المحبوسات حاليًا مع أطفالهن في المنزل، صرن يُفكرن كثيرًا، في هل أداء أطفالهن طبيعي ومقبول في إطار «شقاوة» الأطفال، أم أن الأمر يُعبر عن مُشكلة تحتاج إلى تدخل، ومتي يجب اللجوء إلى مُعالج سلوكي لتعديل سلوك الطفل؟ هذه الأسئلة سنبحث عن إجاباتها سويًّا من خلال السطور التالية.
لكن قبل أن ننطلق في هذه الجولة القصيرة، علينا معرفة أن اللجوء إلى مُختص لتعديل سلوك طفلكِ لا يعني أبدًا أن طفلكِ مصاب بخلل ما، ولا يعني ذلك أنك والد غير كفء، ففي بعض الأحيان، ولسبب أو لآخر، يحتاج الأطفال إلى القليل من الدعم الإضافي أو نوع مختلف من الانضباط لأداء أفضل ما لديهم، وغالبًا ما يكون التدخل المبكر هو مفتاح العلاج الناجح، فإذا شعرت أن هناك مُشكلة فعليك التحدث إلى أخصائي سلوك الطفل عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، دون الذهاب إليه وكسر الحظر المنزلي، كي يساعد المختص في حل هذه المشكلة وتعديل سلوك طفلك.
ما يجب مُراعاته قبل الجزم بأن هناك مُشكلة
يمر جميع الأطفال بالاضطرابات العاطفية والهبوط العاطفي، مثل الشعور بالحزن والغضب أو الإحباط من وقت لآخر وهذا أمر طبيعي، يمكن أن تؤثر الأحداث وتغييرات الحياة مثل الانقطاع عن الخروج والدراسة والتنزه، أو انفصال الوالدين، على الأطفال، ما يؤدي إلى تغييرات في سلوكهم. وهنا من المهم أن يدرك الآباء الفرق بين مُشكلات الحياة العادية التي يمر بها الأطفال، والمشاكل السلوكية التي تحتاج إلى تدخل ومُعالجة.
الآباء والأمهات الذين يتساءلون عمّا إذا كان طفلهم يحتاج إلى تعديل سلوكي، يجب عليهم مراعاة بعض العوامل المختلفة، مثل:
1- العمر: فالنزاعات بين الأطفال وأولياء أمورهم هي جزء طبيعي من النمو، يمكن أن تبدأ هذه النزاعات عندما يكون الأطفال صغارًا، وقد تستمر هذه الصراعات خلال سنوات المراهقة، حيث يُشكل الأطفال خلال هذه المرحلة هوياتهم الخاصة.
2- درجة النمو والنضج: الأطفال هم أفراد لديهم شخصيات فريدة وتصرفات مختلفة عن بعضهم البعض، فقد يكون لكل طفل درجة نمو ومستوى نضج مُختلفة عن أقرانه في نفس فئته العمرية، وهذا يمكن أن يؤثر في سلوكهم، يلعب مستوى نمو الطفل دورًا هامًا في تحديد سلوكه، فليس كل الأطفال يتطورون بالسرعة نفسها، الذكاء والمهارات الاجتماعية قد تتقدم بشكل مختلف من طفل للآخر، على سبيل المثال، قد تتطور المهارات الاجتماعية ببطء أكبر في بعض الأطفال الأذكياء للغاية، يمكن أن يساعدك التفكير في مستوى نمو طفلك وأوجه قوته وضعفه على فهم تصرفاته.
3- البيئة التي يتصرف الطفل في إطارها: من المهم ملاحظة ومراعاة متى وأين يتصرف الطفل، قد يقوم الطفل ببعض السلوكيات فقط في مواقف وأماكن معينة، يمكن مثلًا أن يقوم الطفل بتصرفات مُحددة في المنزل فقط، كذلك يمكن أن يتغير سلوك الطفل بشكل كبير خلال أوقات التوتر العاطفي، مثل فقدان أحد أفراد أسرته أو الانتقال إلى منزل جديد أو البقاء لفترة طويلة جدا في المنزل، وعادة ما تتحسن المشكلات المرتبطة بالتغيرات الكبيرة في الحياة مع مرور الوقت، لكن بعض الأطفال يواجهون صعوبة أكبر في التكيف من الآخرين، ورُبما يحتاجون إلى وقت أطول.
هذه العلامات تُخبركِ أن طفلكِ بحاجة إلى تعديل سلوك
المشكلات السلوكية التي تستمر لستة أشهر أو أكثر، من الممكن أن تصبج علامة على أن الطفل يحتاج إلى تعديل سلوك، وغالبًا ما تكون هذه المشكلات أكثر خطورة وقد تتضمن سلوكًا عدوانيًا أو اضطرابيًا.
وعلى الرغم من وجود العديد من الأسباب التي قد تجعلك تطلب المساعدة المهنية لطفلك، إلا أن هناك بعض علامات التحذير العامة التي يُمكن أخذها في الحُسبان، ومنها:
1- لا يستجيب طفلك لاستراتيجيات الانضباط الخاصة بك: إذا لم تكن تقنيات الانضباط الخاصة بك فعّالة مع طفلك، فهو لا يمتثل لكلامك، ولا يُظهر لك احترامًا، ولا يحرص على تغيير سلوكه حتى بالرغم من عقابك له، بالإضافة أحيانًا إلى عدم الندم أو عدم التعاطف مع مشاعر الآخرين، فيمكن أن يساعدك خبير في الصحة النفسية أو خبير في سلوك الطفل في اكتشاف تقنيات الانضباط البديلة التي تتناسب مع طبيعة طفلك وشخصيته وتجعله يستجيب.
2- سلوك طفلك كان يُسبب له مُشكلات مع المدرسة: إذا تم طرد طفلك كثيرًا من الفصل أو كان لديه مشكلة في إنجاز عمله بسبب سلوكه، فقد يحتاج إلى مساعدة مهنية.
3- يؤثر سلوك طفلك في حياته الاجتماعية: من المهم أن يكون لدى الأطفال تفاعلات اجتماعية إيجابية، فإذا كان سلوك طفلك يمنعه من تكوين صداقات أو الاحتفاظ بها، فمن المهم أن تطلب المساعدة.
4- سلوك طفلك غير مناسب مع عمره أو مرحلة نموه: إذا كان طفلك الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات ما زال يفقد سيطرته على نفسه بسبب نوبات الغضب المتكررة، أو أنه في سن العاشرة ولا زال يقوم بضربك وركلك، فإن هذه السلوكيات ليست مناسبة للتطور العُمري، فيجب طلب المساعدة إذا كان سلوك طفلك يبدو غير ناضج مقارنة بمرحلته العُمرية.
5- تكرار السلوكيات العنيفة: إذا كان سلوك طفلك يتصف بالعنف، مثل القسوة على الحيوانات، أو التهديدات بالهرب أو إلقاء الأشياء وكسرها أو إيذاء الآخرين، وصولًا إلى إحداث الضرر الذاتي من خلال جرح أنفسهم أو المُخاطرة في استخدام الأشياء الضارة، فيجب اللجوء إلى المُساعدة المُتخصصة، السلوكيات العدوانية المقصودة خارج العدوان العرضي العادي في مرحلة ما قبل المدرسة.
6- إذا قدّم الطفل دليلًا على احتمالية إصابته بالذهان: فقد يُخبرك الطفل بأنه يسمع أو يرى أشياء لا يراها أو يسمعها الآخرون، يجب اللجوء إلى مُختص لتحديد ما إذا كان ما يمر به طفلك هو خيال الأطفال الخصب المؤقت، أو أن هناك مُشكلة أعمق تحتاج التدخل.
7- إذا أبدى الطفل بعض الاضطرابات النفسية الأخرى كأن يُظهر الطفل تقلبات مزاجية حادة يصعب السيطرة عليها، أو يُعاني من قلق شديد يتداخل مع الأنشطة العادية، مثل العمل المدرسي أو الأنشطة الاجتماعية، أو يجد صعوبة في النوم ليلًا ويُعاني من الكوابيس، أو تلاحظين تغييرات كبيرة لديه في عادات الأكل أو انخراط مُبكر في النشاط الجنسي، أو قد تكتشفين أنه يسرق مُمتلكات الآخرين، وصولًا إلى مُحاولته أو تهديده بالانتحار، كل ما سبق يجعل من اللازم التوجه لمُختص على وجه السرعة.
كيف يمكن للمُختصين المساعدة؟
يمكن أن يستبعد خبير سلوك الطفل أي مشكلات تتعلق بالصحة العقلية قد تكون وراء مشاكل السلوك، مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، فإذا كان طفلك مصابًا بهذا الاضطراب، فيستطيع الأخصائي مناقشة خيارات العلاج والاستراتيجيات الفعّالة لمواجهته.
في أوقات أخرى، يمكن أن يساهم الاكتئاب في إحداث مشاكل سلوكية، على سبيل المثال، من المحتمل أن يكون الطفل المُصاب بالاكتئاب سريع الغضب وقد يرفض الاستيقاظ في الصباح للذهاب إلى المدرسة أو قد يرغب في قضاء معظم وقته في غرفته مُنفردًا.
التقييم الكامل سيساعد على استبعاد أي حالات للصحة العقلية وقد يؤدي علاج هذه الحالات الأساسية إلى تحسينات كبيرة في السلوك، سيُقدم المُتخصص توصيات للتعامل ويُقدّم الاستراتيجيات التي تتناسب أكثر مع شخصية الطفل.
في أوقات أخرى، قد يرغب المُختص في العمل مع الآباء دون الطفل، فتقديم الدعم والتدريب اللازم لأولياء الأمور يمكن أن يؤدي إلى نتائج أسرع عندما يتعلق الأمر بالعديد من المشكلات السلوكية، فعندما يتعلم مقدمو الرعاية كيفية التعامل الفعّال مع الأطفال وممارسة استخدام تقنيات تعديل السلوك المختلفة، فقد يكون ذلك أكثر فعالية من المعالج الذي يعمل مع الطفل لمدة ساعة واحدة فقط في الأسبوع.
يمكن أن يكون العلاج مفيدًا بشكل لا تتخيله، فهو يُساعد على تعليم الأطفال مهارات التأقلم الصحية، ويُعلمهم كيفية فهم وتوضيح والتعبير عن مشاعرهم بدلًا من التصرف بطريقة سلوكية سلبية، يُمكن للعلاج أيضًا أن يوفر دعمًا إضافيًا لجميع أفراد الأسرة، خاصة أثناء الطلاق أو الوفاة، فخلال الأوقات الصعبة، قد يعتقد الأطفال أنهم بحاجة إلى حماية والديهم ولا يريدون إضافة عبء زائد عليهم، يوفر العلاج مساحة آمنة للأطفال للحزن، دون الشعور بأنهم بحاجة لرعاية أي شخص آخر.
ما هي أنواع العلاج التي قد يقدمها تعديل السلوك إلى طفلك؟
إذا كان الطفل يُعاني من المُشكلات السلوكية السابق ذكرها، فيمكن للمُعالج اتباع العلاج السلوكي، مثل: العلاج السلوكي المعرفي (CBT) أو العلاج السلوكي الجدلي (DBT).
1- العلاج السلوكي المعرفي «CBT»
يُركز «CBT» على حل المشكلات، ويهتم بالعلاقة بين الأفكار والسلوكيات أو المشاعر، فعندما يُعاني شخص ما من الاكتئاب أو القلق أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه قد تكون هناك أفكار سلبية أو غير عقلانية تؤدي إلى مشاعر أو سلوكيات معينة، من خلال هذا النوع من العلاج يتعقب المريض هذه الأفكار ويُحددها، ويقوم باختبار ما إذا كانت واقعية أم لا، ومن ثم يواجه تحديًّا لاستبدال تلك الأفكار بأفكار أخرى أكثر إيجابية.
يعمل العلاج السلوكي المعرفي أيضًا على إدارة السلوكيات، مثل تلك المرتبطة بالقلق أو الاكتئاب، فإذا كان الطفل يعاني من القلق، فقد يعمل المعالج على تعليمه تقنيات الاسترخاء للمساعدة في تخفيف القلق خلال المواقف العصيبة، ولعلاج الاكتئاب، قد يُركز المعالج على وضع جدول زمني للنشاط لضمان عدم انسحاب الطفل من العلاقات الاجتماعية.
2- العلاج السلوكي الجدلي «DBT»
تم تصميم العلاج السلوكي الجدلي «DBT» للعمل مع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في عدم التنظيم العاطفي أو السلوكي، هؤلاء المرضى حساسون للغاية للمنبهات العاطفية، فيمكن لحادثة صغيرة أن تُسبب لهم ردود أفعال شديدة للغاية، كما أن قدرتهم على العودة إلى حالتهم الطبيعية أبطأ بكثير من المتوسط.
من خلال «DBT»، يتم التركيز أكثر على التدريب على المهارات إذ يتعلمون التنظيم العاطفي، والتسامح الشديد، هذه المهارات تساعد المرضى على العمل على العوامل التي تؤدي إلى خلل التنظيم العاطفي، إذا اتبع المُعالج هذا النمط من العلاج سيكون الآباء مكون رئيسي، فيجب عليهم تعلم المهارات جنبًا إلى جنب مع أطفالهم، وتوفير بيئة صحية تساعد على تغيير السلوكيات وقبول أنفسهم.
على سبيل المثال، عندما يعلم الطفل أن خططه للذهاب للتسوق قد تغيرت، فبدلاً من أن يقوم بالبكاء أو الصراخ أو الركل أو حتى الضرب، من خلال العلاج السلوكي الجدلي يتعلم أحد الوالدين إزالة الطفل من الموقف، ومساعدته على استخدام مهارة التهدئة، ثم يعملان معًا في وقت لاحق لمعالجة الموقف وتحديد ما يمكن القيام به بشكل مختلف في المرة القادمة.
قد يجمع بعض المعالجين بين التقنيات المختلفة ويدمجونها، لذلك من المهم فهم خطتهم العلاجية مسبقًا قبل القيام بها، فاختيار العلاج المناسب يتطلب البحث وفهم وإلقاء نظرة ثاقبة على نقاط القوة والضعف لدى طفلك.