(مكة المكرمة) 10:58 PM
لحظات مرعبة عاشها أطفال لبنان جراء الانفجار "الدموي" الذي ضرب مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020. وجوه بريئة مذعورة، ثياب ملطخة بالدماء، بكاء، صراخ، اضطرابات ومفردات غير مفهومة.
وصغار السن غير محميين من الصدمات النفسية أو عواقبها، كما أن الأطفال من جميع الأعمار قد يتأثرون بما يعرف بـ"اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال"، فكيف نحصن أطفالنا من آثار ما بعد الصدمة؟ سؤال تردده كل أم في بيروت شهد أطفالها انفجار المرفأ؟
وشدد بيان صادر عن منظمة حماية الأطفال "سايف ذي تشيلدرن" (savethechildren) على ضرورة أن تكون صحة الأطفال النفسية "أولوية"، مشيرا إلى أنه "من دون وجود الدعم المناسب، ستكون النتائج السلبية على الأطفال طويلة الأمد".
وقالت آن صوفي ديبدال من المنظمة إن "التأثير على الأطفال قد يكون عميقا جدا، كون الطفل سيحاول أن يفهم ما حصل. وقد يذهب الأمر ببعض الأطفال -خصوصا الصغار من أصحاب الخيال الخصب- إلى حد إلقاء اللوم على أنفسهم، معتقدين أن ما كانوا يفعلونه قد تسبب بالانفجار، أما الأكبر سنا بقليل فقد يشعرون بالذنب لحزن وغضب ذويهم".
جاد يخشى دوي انفجار آخر
تقول والدة جاد خياطة -وهو في الخامسة من عمره- "طفلي يخاف من النوم وحيدا في سريره، ويتبول لا إراديا، ويرتجف كثيرا"، كما أنه يطلب أن تبقى والدته قربه لأنه يخشى من دوي انفجار آخر، ومن تراكم الزجاج، ومن أصوات مرعبة، ويستيقظ في الليل وهو يصرخ كأنه رأى كابوسا لدرجة أنه يتبول لا إراديا، ويرتجف كثيرا.
وتوضح الأم أن جاد أصبح شاردا، حزين العينين، صوته منخفض وغير مسموع، يواصل الجلوس لأكثر من ساعتين متواصلتين دون أي حركة أو كلمة، وفقد رغبته في اللعب، لذلك قررت الوالدة أن تحمل قلقها إلى طبيبة نفسية لمعاينة طفلها، فهي لا ترغب في أن تتدهور حالته النفسية أو أن تتفاقم الأعراض لديه فيزداد الأمر سوءا، لأنها استوعبت أن ابنها تلقى "اضطراب ما بعد الصدمة" وتجب مساعدته سريعا قبل فوات الأوان.
هنا تبكي الأم بحرقة، وتقول بغضب "ألا يكفي أنهم يقتلوننا يوميا بالأزمات ونحن نحاول حماية أولادنا بشتى الوسائل، إلى أن جاء هذا الانفجار ودمرنا جميعا".
كريستينا تكرر كلمة "انفجار" باستمرار
وكحال العديد من أطفال بيروت الذي يعانون تدهورا نفسيا، تشتكي كريستينا ابنة روبير سامي لايلو -البالغة من العمر 4 سنوات- من عدم قدرتها على النوم، وتبكي باستمرار، وتختبئ في أي زاوية من المنزل، غير قادرة على التعبير عن مشاعرها المضطربة، وتمسك يد والدها بقوة خشية أن يتركها وحيدة، وتكرر كلمة "انفجار" باستمرار، وتغطي أذنيها بيديها فهي تخشى وقوع الحادثة مرة أخرى وتخشى الافتراق عن أهلها.
ويعبّر روبير عن غضبه بشدة على مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا: "ابنتي الصغيرة لا تنام في ليلة إلا وهي تمسك يدي ويد أمها"، مبينا أنها تردد كلمة انفجار 10 مرات في اليوم…".
ويتساءل: ألا يكفي ما عاشه جيله وهم صغار، وكلهم الآن يعانون من الضغط ووجع الأعصاب، هل كان الضروري أن يعاني أولادنا أيضا؟
وكتب أشرف الشولي على صفحته حكاية لقائه مع طفلة وأمها في مار مخايل، إذ أخبرته والدتها أن طفلتها ترفض العودة للمنزل قبل أن تتحدث مع جهة إعلامية، فاستأذن الأم بنشر صورة الطفلة واللافتة التي تحملها، لعل صوتها يصل.
وتقول رسالة الطفلة -التي لم يعرف اسمها- "أنا لبنانية. قلبي يبكي لكل ما يعيشه اللبنانيون. أنا طفلة كما كل الأطفال. كل العائلات التي قضت هي عائلتي. لا أحمر ولا أسود ولا أبيض ولا أخضر، لأن كلّنا واحد. ليرقدوا بسلام. لقد اكتفينا. لبنان عانى الكثير. الله سيستجيب لصلواتك يا لبنان. أنا أحبك يا وطني وأحبّكم جميعا. مهما كان الأمر، كونوا أقوياء. لا بدّ للبنان أن يزدهر، يزدهر".
العلاج النفسي للصدمة
هذه الكلمات من الطفلة اللبنانية كلها أمل، وتعكس قوة وحصانة، ولكن ليس كل الأطفال محصنين ضد الصدمات. باختصار، أطفال لبنان يعانون من صدمة نفسية بعد الانفجار، ويخشون من تكرار الحادثة، وأسئلة كثيرة تجول في بالهم.
تقول الاختصاصية في علم النفس أماني حمدان إن أهم الآثار النفسية التي تتركها الصدمات على الأطفال هي الاضطرابات السلوكية، ومنها: القلق الشديد والخوف من المجهول وعدم الشعور بالأمان والتوتر المستمر، حيث يشعر الطفل بأنه مهدد دائما بالخطر وأن أسرته عاجزة عن حمايته.
وتضيف للجزيرة نت "الطفل يعبّر عن مشاعره أحيانا بالعدوانية نحو الآخرين، وسرعة الانفعال كالصراخ والغضب لأتفه الأسباب، مع ظهور بعض العادات السلوكية التي تعبّر عن قلقهم نتيجة الصدمة، ومنها قضم الأظافر والتبول غير الإرادي وهو ما يعتبر انعكاسا لحالة الأمان التي كان يعيشها الطفل في مرحلة عمرية سابقة، ويحن للرجوع إليها هروبا من الواقع الموجود حاليا".
وبحسب أماني، يجب التدخل لحماية الطفل والحد من هذه الظواهر النفسية والانفعالية التي قد تترك بصماتها على شخصيته في المدى البعيد، ومنها الطمأنة ومحاولة إعادة حالة الشعور بالأمان، والتفريغ النفسي والانفعالي للمشاعر المكبوتة التي اكتسبها الطفل خلال الصدمة بواسطة ممارسة اللعب الحر، والرسم، وتمثيل الأدوار، وتوفير الجو الملائم الذي يشبع فيه ميوله واهتماماته، وممارسة الأنشطة المثمرة والترفيهية.
بث كلمات الحب
وتشدد أماني على أهمية دور الأهل في حال تعرض الطفل لظروف مروعة، من خلال الحديث المتواصل معه وطمأنته بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وطمأنته بأنه لن يصاب بمكروه، مع التركيز على بث كلمات الحب، وتشتيت فكره عن التركيز في الحادث المروع الذي حصل.
كما تلفت إلى أهمية الاستماع للطفل إذا أراد التعبير عن مشاعره، وتنصح بقراءة كتب معه عن أطفال أصيبوا بنفس المشاعر التي يمرّ بها وقد تغلبوا عليها، مع تجنب مشاهدة وسائل الإعلام التي تنقل تلك الأحداث يوميا، والانتقال لمشاهدة البرامج الترفيهية. كما يجب على الأهل تقبل مساعدة الأقارب والأصدقاء للعناية بالأطفال ومساعدتهم على الخروج من حالة الصدمة وما يرافقها من مشاعر.