تغريد السعايدة
عمان – أسماء وأوصاف لأسلحة حقيقية وكيفية استخدامها، هو ما تفاجأت به والدة الطفل أحمد حينما سمعت من صغيرها وهو يحفظ ذلك عن ظهر قلب، ويسهب بذكر تفاصيل تلك الأسلحة وتكرار الحديث عنها. ذلك لم يأت من فراغ، إنما منذ فترة طويلة حينما بدأ بممارسة لعبة “ببجي” وألعاب قتالية أخرى تتضمن في كل فقراتها معارك افتراضية، يقوم اللاعب فيها باستخدام الأسلحة المختلفة في اللعب ليحصد الفوز.
دراسات عديدة ومختلفة، حذرت بشكل دائم من خطورة إدمان تلك الألعاب، سواء على الكبار أو الصغار واليافعين، لما تتضمنه من مشاهد عنف شديدة الخطورة، ودعوة إلى استخدام العنف في الحياة ومع الآخرين، إلى الحد الذي ظهر هناك العديد من حالات العنف الواقعية بين أفراد هم بالفعل مدمنون على ألعاب مختلفة تتطور في كل عام ويتم تحديثها.
والدة أحمد، وعمره عشرة أعوام، سمحت له منذ فترة باستخدام الهاتف لغايات التعلم عن بعد، وأن يكون له فسحة من اللعب، لعدم وجود البدائل الأخرى في ظل كورونا، والجلوس في البيت، فكان أن تعلم على ممارسة الألعاب القتالية، التي يتشارك فيها مع أصدقائه، ما دفعه إلى تعلم الكثير من المصطلحات العدائية، ولكن اللافت لديها كان “حفظ أسماء الأسلحة بحرفية”.
وتؤكد أم أحمد أن أمهات أصدقاء ابنها تحدثن في المشكلة ذاتها وكيف أن الأطفال في أعمار مبكرة أصبحوا على دراية بأمور قتالية وحربية وأسلحة، من المفترض أنها لا تتناسب مع أعمارهم وثقافتهم، وهذا قد يكون أمرا لا يحبذ أن يتعلمه الأطفال في هذه السن، وقد تتراكم معهم هذه المعلومات وثقافة استخدام الأسلحة في الحياة على أنها “أمر واقع وطبيعي”.
أحد المؤتمرات الاستشارية التي تناولت هذا الموضوع قبل عامين في ألمانيا، أشار أحد خبراء التربية إلى أن الأطفال الصغار عادة ما يعرفون الكثير من أنواع الأسلحة بدقة كبيرة، ويرغبون في استعمالها كألعاب.
كما تحدث الخبراء أن الأطفال لا يجب أن نحكم عليهم بأنهم سيتحولون إلى مجرمين فقط لمجرد ممارسة هذه الألعاب، وهي أمور محببة لدى الجميع؛ إذ من الصعوبة بمكان أن نُبعد الأطفال عن تلك الألعاب، وعادة ما تفشل محاولات وضع قواعد لاستعمال ألعاب الأسلحة، ومع مرور الوقت سيتحول اهتمامهم إلى أمور أخرى مع تطور نموهم العقلي فيما بعد.
هذا الأمر ذاته لاحظته منى والدة الطفل يوسف؛ إذ تبين أن عمره الصغير لم يمنعه من أن يحفظ فيه أسماء الأسلحة، فهو لم يتجاوز الخامسة من العمر، ويتحدث لوالديه عن أسماء الأسلحة التي يمارسها في اللعب، ويحفظ بعض الأسماء، ولكنه من شدة اهتمامه بها لا ينفك يكررها ويطلب من والده أن يشتري له بعض تلك الأنواع “كألعاب”.
وتتساءل منى عن الخطورة التي يمكن أن تطال الأطفال الذين يتعلقون بهذه الأسلحة وأسمائها وتقنياتها؛ إذ أصبحت جزءا من ألعابهم المفضلة اليومية، على الرغم من أنهم في السابق كانوا يمارسون هواية لعب “الحرب” أو “الشرطي واللص”، ويتراكضون في الأحياء، ولكن دون الالتفات للتفاصيل الخطيرة التي يعرفها ويتقنها الأطفال في هذه الفترة.
الاختصاصية النفسية والتربوية الدكتورة خولة السعايدة، ترى أن المعرفة بالأسلحة دون وعي بمعناها ومتى تستخدم ولماذا، ومدى خطورتها، هو مؤشر خطير لمختلف المراحل العمرية، وله آثار اجتماعية واضحة والدليل على ذلك، منها انتشار الجرائم والاعتداء في المجتمع بشكل واضح.
بينما تؤكد السعايدة أن المعرفة بهذه الأمور فقط لأجل المعرفة والتيقن من أن هذه الأدوات “الأسلحة” هي عبارة عن أدوات تستخدم فقط لحماية الذات في أوقات معينة، فمن الممكن أن يكون هناك جزء إيجابي إلى حد ما، مؤكدة أن الكثير من الدراسات النفسية تشير الى أن تعرض الأطفال لنماذج ومشاهد عنف يقودهم لثلاث نتائج جميعها سلبية.
تلك الآثار والنتائج، كما تبينها السعايدة، هي “أولا تقليد ما يشاهد من عنف مختلف بالأسلحة، وثانيها الاعتقاد والإيمان أن العنف وسيلة لحل المشكلات، وثالثا الاعتياد والتآلف على مشاهد العنف وعدم إنكارها”، لذا فإن عوامل الخطورة بمشاهدتهم للعنف وأدواته عالية جداً.
الحل لهذه المعضلة القديمة الجديدة في الوقت ذاته، ووفق السعايدة، يأتي عبر تقليل مشاهدات هذه المقاطع والألعاب التي تحمل طابع العنف والحرب بالأسلحة للحد الأدنى، واستبدالها بمشاهدة وبرامج تعلم الطفل طرق حل المشكلات بطرق سليمة وعقلانية دون التعلق بالأسلحة حتى وإن كان ذلك افتراضياً من خلال اللعب، وتعليمهم خطورة الأسلحة على أرض الواقع.